قوات تابعة لخليفة حفتر تنتشر في سبها  (AFP)
تابعنا

ما المهم: منذ منتصف الشهر الماضي، تركّزت الصراعات الليبية ضمن منطقة الجنوب الغربي في البلاد، وهي المشار إليها غالباً بمعارك الجنوب. واستعرت المعارك بعدما أعلنت القوات التابعة للجنرال خليفة حفتر شنّ عملية عسكرية تقول إنها تستهدف "تطهير المنطقة من مجموعات إرهابية وإجرامية".

وتكتسب هذه المعارك أهميتها من كونها مرتبطة بمساعي خليفة حفتر للسيطرة على عدد من الحقول النفطية، أبرزها حقل الشرارة، الأكبر في ليبيا، فضلاً عن أن السيطرة العسكرية هناك سوف تعني سيطرة سياسية في هذه المنطقة ذات البعد الإستراتيجي والمفتوحة على كل منطقة الساحل الأفريقي التي تشمل أجزاء من الجزائر والنيجر وتشاد والسودان وتصل غرباً إلى مالي.

إضافة إلى ذلك، فإن جزءاً كبيراً من المعارك الدائرة يرتبط بالصراعات الدولية حول ليبيا، والتي تتجلى حالياً بصراع فرنسي إيطالي لوضع اليد على نفط الجنوب الليبي، أي على نفط إقليم الفزان الواقع جنوب غرب البلاد، كما يرى مراقبون.

المشهد: نقلت وكالة رويترز، الأحد، عن مصدر في الحكومة الليبية في طرابلس، والمعترف بها دولياً، أن قوات تابعة لها وصلت إلى حقل الشرارة النفطي، وذلك بعد أيام قليلة من إعلان حفتر سيطرة قواته على الحقل.

وكان شهود عيان من مدينة أوباري جنوب غرب سبها، أكدوا انسحاب قوات حفتر من المدينة، بعد مواجهات بينها وبين قوات يقودها الفريق علي كنه، المكلف من حكومة الوفاق.

وعيّنت حكومة الوفاق الفريق ركن علي سليمان كنه، قائداً لـ"المنطقة العسكرية سبها"، التي تُعد بمثابة عاصمة إقليم الفزان، وفيها يقع حقل الشرارة النفطي وحقول أخرى، في ظل مساعي حفتر فرض السيطرة على مدينة أوباري وبعض حقول النفط.

ووفقاً لوكالة الأناضول، فإنّ "الفريق ركن كنه، ينتمي لقبيلة تنالكم، وهي إحدى قبائل الطوارق، وكان قائداً لكتيبة المغاوير، إحدى أكبر الكتائب المسلحة في عهد معمر القذافي".

من جهة أخرى، قال مصدر من القوات المسلحة المتمركزة في شرق ليبيا الخاضعة لسيطرة قوات حفتر، إن طائرة عسكرية تابعة لتلك القوات اعترضت، الأحد، طائرةً مدنية بعدما أقلعت من حقل الفيل النفطي وأجبرتها على الهبوط في منطقة سبها الجنوبية.

وكانت قوات حفتر أعلنت في منتصف الشهر الماضي إطلاق عمليتها في الجنوب الليبي. وقالت قوات تسمي نفسها بـ"الكتيبة 166 مشاة"، إنها بدأت "مهمة جديدة بناء على تعليمات وأوامر" حفتر.

وفي الخامس من الشهر الجاري، أصدرت حكومة الوفاق في طرابلس أول تعليق لها على عمليات قوات حفتر في الجنوب وإقليم الفزان. وفي هذا الصدد، قال رئيس المجلس الرئاسي للحكومة فايز السراج، "لن نسمح بأن يصبح الجنوب ساحة لتصفية الحسابات السياسية أو مدخلاً للفتنة بين المكونات التي تشكل نسيجه الاجتماعي".

بالتوازي مع المعارك، كان العامل الإقليمي حاضراً؛ ففي بيان صدر، السبت، عن قيادة أركان الجيش التشادي، قالت القوات التشادية إنّها "أسرت أكثر من 250 إرهابياً بينهم أربعة من القادة". وأشار البيان إلى أن "عمليات التمشيط تتواصل" في منطقة إينيدي في شمال شرق تشاد على مقربة من الحدود مع ليبيا والسودان.

وذكرت وكالة الصحافة الفرنسية أنه، وفي أعقاب توغل متمردَين اثنين من ليبيا في عمق تشاد أواخر يناير/كانون الثاني، طلبت تشاد "دعماً عسكرياً من فرنسا"، فيما أعلنت باريس، الاثنين ثم الأربعاء، أنها أغارت بطائرات ميراج 2000 "على قافلة من سيارات بيك-أب".

الخلفيات والدوافع: يشرح الصحفي حبيب الحاج سالم، المتابع للشأن الليبي، أن الأسباب كثيرة وراء اندلاع الاشتباكات في جنوب غرب ليبيا، مضيفاً أنه "مع وصول قوات حفتر إلى مدينة أوباري التي تحوي حقلَي الشرارة والفيل بدأ التوتر"، علماً أن هذه القوات عادت وانسحبت من الميدان منتصف الأسبوع الجاري إثر معارك شنتها قوات تابعة لحكومة الوفاق المعترف بها دولياً ضدها.

ويقول الحاج سالم في حديث إلى TRT عربي، إن "حفتر يخشى بالأساس أن يصير مرتبطاً بشرق البلاد فقط"، مضيفاً أن "الجنوب يعاني التهميش وانتشار الجريمة، وبالتالي هو قابل لاستقبال حفتر؛ إذ إنه سيأتي ليملأ فراغاً كبيراً".

السيطرة على الجنوب تجعل حفتر يسيطر على أغلب حقول النفط، مع الإشارة إلى أنه يسيطر أيضاً على أهم موانئ التصدير في شمال البلاد

حبيب الحاج سالم - صحفي متابع للشأن الليبي

ويتابع الحاج سالم أن "السيطرة على الجنوب تجعل حفتر يسيطر على أغلب حقول النفط، مع الإشارة إلى أنه يسيطر أيضاً على أهم موانئ التصدير في شمال البلاد". وهذا ما "من شأنه أن يجعله الفاعل الأهم في ليبيا".

ويلفت إلى أن هذه العمليات "تخدم أهدافاً غربية أيضاً"، ويشير إلى أن "فرنسا تحمي تشاد وترى الساحل الأفريقي منطقة نفوذ، ولذلك فهي تدعم عملية حفتر في الجنوب بشكل واضح؛ حيث تخدم أهدافها المتركزة أساساً على القضاء على الساحة الخلفية للجهاديين والحركات المعارضة لأنظمة مجاورة حليفة لها، إضافة إلى غلق منافذ الهجرة".

ويتابع أن "الولايات المتحدة بدورها لا تدعم حفتر، وهي تنسق عملياتها مع حكومة الوفاق"، ويضيف أنه "من ضمن أهداف قرار حفتر بفرض حظر جوي في الجنوب دفع أمريكا للتعاون معه، ولكن الولايات المتحدة لا تقبل هذا الضغط حتى الآن، وليس بإمكان حفتر تهديد طائراتها أصلاً".

أما فيما يخص إيطاليا، فهي وفقاً للحاج سالم "قد تكون وراء الدفع في اتجاه تعيين الفريق الركن كنه لإيقاف توسع حفتر في الجنوب".

جدير بالذكر أنه في 22 الشهر الماضي، قال نائب رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو سالفيني، في تصريح للقناة التلفزيونية الإيطالية الخامسة، "في ليبيا، فرنسا لا ترغب في استقرار الوضع ربما بسبب تضارب مصالحها النفطية مع مصالح إيطاليا". وأضاف أن "فرنسا لا ترغب في تهدئة الأوضاع في ليبيا التي يمزقها العنف؛ بسبب مصالحها في قطاع الطاقة".

بين السطور: تقرير لمجموعة الأزمات الدولية، يعود إلى صيف 2017، يشير إلى أن "الفزان غنية بالموارد الطبيعية؛ إذ تمتلك احتياطات هائلة من النفط الخام والغاز الطبيعي، وبعض فلزات الذهب وأحواض مياه جوفية كبيرة، غير أن التهريب الذي ازداد بدرجة هائلة منذ العام 2011، يهيمن على الاقتصاد المحلي".

الفزان غنية بالموارد الطبيعية؛ إذ تمتلك احتياطات هائلة من النفط الخام والغاز الطبيعي، وبعض فلزات الذهب

مجموعة الأزمات الدولية

ويضيف التقرير أن أقل من 10% من سكان ليبيا، يقطنون الفزان. ولكنّه يستدرك بأن "سكانها متنوعون إثنياً ومنقسمون سياسياً؛ فهناك قبائل عربية، بعضها كبير وقوي، مثل أولاد سليمان، والقذاذفة. ويشير أيضاً إلى أن "هناك أقليات من مجموعات إثنية غير عربية، مثل التبو، والطوارق والفزازنة".

في هذا السياق، كان لافتاً أن قيادات قبيلة التبو ناشدت، السبت، مجلس الأمن الدولي اتخاذ كافة التدابير لحماية المدنيين، مطالبة حكومة الوفاق الوطني ومجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة والأمم المتحدة، بـ "تحمل مسؤولياتهم تجاه ما يتعرضون له من انتهاكات من قبل مليشيات الجنرال المتقاعد خليفة حفتر"، وفق ما نقلته مواقع إخبارية ليبية.

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً