مجموعة "عرين الأسود" في البلدة القديمة بنابلس (وسائل إعلام فلسطينية)
تابعنا

منذ انتهاء انتفاضة الأقصى التي اندلعت في سبتمبر/أيلول عام 2000، واستمرت لسنوات إلى أن توقفت عام 2005 بعد اتفاق الهدنة الذي عُقد في قمة شرم الشيخ والذي جمع الرئيس الفلسطيني المنتخب حديثاً محمود عباس في وقتها، ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، أرييل شارون، لم تشهد الضفة الغربية حالة مقاومة منظمة تحت قيادة موحدة، وكان الأمر شبه مستحيل، وعادت العمليات الفردية تتصدر المشهد.

ولم يكن الأمر غريباً في ظل حالة الانقسام السياسي الذي تشهده الساحة الفلسطينية، وسيطرة السلطة الفلسطينية على الضفة الغربية ومنعها تشكيل أي مجموعات للمقاومة المسلحة، من خلال ملاحقة واعتقال المطاردين، واستمرار التنسيق الأمني مع إسرائيل، كما بات مُعلَناً من الأوساط السياسية فيها، ومعروفاً لدى الأوساط الشعبية.

القبضة الأمنية الإسرائيلية التي استمرت لسنوات، بدأت تضعف وأصبحت غير مسيطر عليها، مع استمرار الانتهاكات في مدن الضفة الغربية، بخاصة في جنين ونابلس، المدينتين اللتين أخرجتا مجموعات مسلحة شكّلَت حالة غير معهودة منذ سنوات، وأعادت المقاومة المنظمة والمسلحة في الأراضي المحتلة، وتتمثل بـ"كتيبة جنين"، و"عرين الأسود"، اللتين تُعَدّان أبرز عناوين الوجود الفلسطيني المسلح بالضفة.

وتعجز إسرائيل عن فهم مجموعات المقاومة المسلحة هذه وكيفية مواجهتها، لذلك بدأت توجّه ضربات متتالية تتمثل باقتحامات متكررة لمدينة نابلس المحاصرة منذ أكثر من أسبوعين، وأعادت سياسة الاغتيالات إلى الواجهة، ومع ذلك ما زالت غير قادرة على القضاء عليهم، رغم أنها وضعت الأمر نصب أعينها، وهو ما يعود إلى أسباب كثيرة تعود إلى طبيعة هذه المجموعات التي ضمّت شباناً من فصائل فلسطينية مختلفة، وفق محللين إسرائيليين.

مَن "عرين الأسود"؟

ظهرت مجموعة عرين الأسود عام 2022 في البلدة القديمة بمدينة نابلس، وتكونت من مسلحين يتبعون عدة فصائل فلسطينية، وجمعت بين كتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح، وسرايا القدس الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي، وكتائب القسام الذراع العسكرية لحركة حماس، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

في 2 سبتمبر/أيلول 2022 خلال تأبين الشهيدين عبد الرحمن صبح ومحمد العزيزي الذي يُعتبر أحد مؤسسيها، بعد 40 يوماً من اغتيالهما، نظمت مجموعة "عرين الأسود" استعراضاً عسكرياً، وظهر مقاوموها بأسلحتهم، في حدث لقي التفافاً شعبياً حولهم، وألقت المجموعة بياناً وضحت فيه نهجها بتأكيدها "عدم ترك البندقية تحت أي ظرف وتوجيهها نحو الاحتلال ومستوطنيه ومن يساندهم من العملاء فقط، وأن هذه البندقية لن تطلق رصاصة بالهواء، كما أنهم يرفعون الغطاء ويدينون كل من يستخدم اسمهم لمطالبة التجار بالمال بحجة دعم المقاومة".

وفي أغسطس/آب 2022 اغتالت القوات الإسرائيلية إبراهيم النابلسي الذي نجا من محاولتَي اغتيال سابقاً، وإسلام صبوح، وكانت المجموعة في وقتها ما زالت تُسمَّى "كتيبة نابلس".

ويقول مراقبون، وكذلك محللون إسرائيليون، إن "الاغتيالات المتكررة التي شهدتها الضفة الغربية دفعت المجموعة إلى تنظيم نفسها والخروج علناً"، إذ تعود بداية تشكيلها إلى حادثة اغتيال نفّذَتها قوات إسرائيلية خاصة بمدينة نابلس، ضد ثلاثة من نشطاء "كتائب الأقصى" في فبراير/شباط 2022، هم أدهم مبروكة المعروف بـ"الشيشاني"، ومحمد الدخيل وأشرف مبسلط، وهنا ظهر اسم "كتيبة نابلس" في وصف المجموعة التي ينتمي إليها الشبان الثلاثة.

وبعد اعتقال السلطة الفلسطينية مصعب شتية، أحد مؤسسي المجموعة، ورفيقه عميد طبيلة، خرج المتظاهرون في مدينة نابلس إلى الشوارع احتجاجاً على اعتقالهما واندلعت مواجهات مع الأجهزة الأمنية الفلسطينية، رشق خلالها المحتجون الأمن بالحجارة، فيما قمعت قوات الأمن الاحتجاجات بالقوة مما أدى إلى مقتل فلسطيني وإصابة آخرين أحدهم بجروح خطرة.

وتوالت الأحداث بتنفيذ مجموعة عرين الأسود عمليات متفرقة بالضفة الغربية ضد أهداف إسرائيلية، بخاصة المستوطنات المحيطة بمدينة نابلس، إذ نفّذوا عملية إطلاق نار على حاجز عسكري بالقرب من مستوطنة "شافي شامرون" أدت إلى مقتل جندي إسرائيلي.

اغتيالات متتالية للقضاء على المجموعة

لم تتصور إسرائيل أن استمرار انتهاكاتها في الضفة الغربية قد يتسبب في خروج مجموعات منظمة ومسلحة تُعلن مقاومتها، مما يُعَدّ أزمة للأوساط السياسية المقبلة على انتخابات تُعاد للمرة الخامسة خلال عامين.

وأغلق جيش الاحتلال الشوارع والمداخل المؤدية إليها، وبدأ عمليات متفرقة للقضاء على كل أفرد المجموعة، وهو ما حصل فعليا،ً إذ اغتالت قوة إسرائيلية سائد الكوني أحد أبرز الناشطين بالمجموعة، في سبتمبر/أيلول 2022، واختطفت جثمانه، ثم تلاها اغتيال تامر الكيلاني (33 عاماً) في 23 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، بتفجير عبوة عند مروره.

واليوم الثلاثاء استشهد 6 فلسطينيين، وأصيب 22 آخرون بينهم 5 إصابات خطرة، برصاص القوات الخاصة والجيش الذي اقتحم المدينة. وأعلن لبيد أن العملية العسكرية التي نفّذتها قوات الاحتلال أدت إلى تصفية أحد قادة مجموعة "عرين الأسود" وديع الحَوَح.

ألم في الرأس

إسرائيل من جهتها بدأت تدرك أن تعاظم عمليات مجموعة “عرين الأسود” بات يشكّل لها نوعاً من “الألم في الرأس”، كما تقول صحيفة “هآرتس” العبرية.

وتشير الصحيفة إلى أن “أجهزة الأمن الإسرائيلية لاحظت منذ بداية العام الجاري ارتفاعاً غير مسبوق في العمليات التي تستهدف القوات الإسرائيلية في محيط مدينة نابلس، وقد نسبت تلك العمليات إلى ما كان يُعرف حتى تلك اللحظة بكتيبة نابلس التي جعلت من البلدة القديمة مقراً لها، وقادت العمليات الاستخباراتية الأجهزة الأمنية إلى عدد من الأشخاص الذين يقفون وراء الكتيبة“.

وتضيف: “في شهر فبراير/شباط الماضي أشارت معلومات استخباراتية إلى نية أربعة من أعضاء الكتيبة تنفيذ عملية ضد إسرائيليين وقررت الأجهزة الإسرائيلية بناءً على ذلك أن تسعى لتحييدهم، وفي الثامن من الشهر ذاته توجهت قوة إسرائيلية إلى عمق نابلس، وقُتل ثلاثة من أربعة أشخاص في تبادل لإطلاق النار“.

وتقول إن “الشخص الرابع الذي وضعته إسرائيل نصب أعينها ولم تستطع تحييده خلال تلك العملية كان إبراهيم النابلسي، الذي لقي حتفه بعد ذلك بعدة أشهر على يد قوات إسرائيلية“.

وتشير إلى أن “النابلسي قبل مقتله أطق النار على إسرائيلي في بلدة حوارة المحاذية، مما أدى إلى مقتله، ومنذ ذلك الحين تبنت مجموعة جديدة لم تكن معروفة لدى إسرائيل تلك العملية، وهي المجموعة التي أطلقت على نفسها (عرين الأسود)“.

وتوضح أنه “منذ ذلك الحين تسببت تلك المجموعة في أرق لإسرائيل وكذلك للسلطة الفلسطينية“.

وتعتقد الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أن المجموعة مؤلفة من عناصر كانوا سابقاً أعضاءً في فصائل فلسطينية مختلفة، وقد دفعتهم الظروف المحيطة إلى تكوين وحدة جديدة حملت اسم “عرين الأسود“، وتشير إلى أن جل العناصر هم من الشباب الذين تتراوح سنهم بين 18 و24 عاماً.

وحسب الصحيفة، حاولت إسرائيل الاستعانة بالسلطة الفلسطينية للعمل ضد “عرين الأسود“، “لكن على خلاف جنين التي تدعم فيها حركة الجهاد الإسلامي حراك المقاومة، فإن المقاومة في نابلس في أغلبها يشكلها عناصر متمردة على حركة فتح والسلطة نفسها، وهو ما زاد صعوبة العمل على ملاحقتهم، بخاصة أن ذلك يؤدي إلى نزع شرعية السلطة بالضفة الغربية وتزداد حدة ذلك بعد قراءة بيانات المجموعة التي تقول دائماً إن هدفها هو الدفاع عن أهالي نابلس في وجه الجنود الإسرائيليين“.

انقسام في إسرائيل

تقول الصحيفة ذاتها في تقرير آخر إن “المستويات الأمنية والعسكرية في إسرائيل منقسمة حول آليات التعامل مع مجموعة عرين الأسود، مشيرة إلى أن مصادر أمنية أبدت خشيتها مؤخراً من ازدياد عمليات الاغتيال في الضفة، وذلك خشية تضاعف وتعاظم قوة المجموعة هناك وتحويل قادتها إلى رموز لدى الشباب الفلسطيني“.

على الجهة المقابلة تقول الصحيفة: “ثمة من دعا في إسرائيل إلى وضع حدّ للموضوع واستخدام الطائرات المسيرة لاغتيال عناصر مجموعة عرين الأسود، كما يجري في قطاع غزة“.

كذلك تخشى الأجهزة الأمنية الإسرائيلية من أن استمرار الحصار المفروض على نابلس منذ أسبوعين قد يؤدي إلى اشتعال مواجهات واسعة بين الجيش الإسرائيلي والمواطنين، وتخشى إسرائيل أن اندلاع مثل هذه المواجهات قد يكون كفيلاً باتساع رقعة المواجهات في الضفة الغربية كلها.

رد الفلسطينيين يقلق إسرائيل

تقول إذاعة الجيش الإسرائيلي إن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية والقيادة العسكرية بدأت تتحسب لرد فعل انتقامي من مجموعة عرين الأسود على الاستهداف المستمر لعناصرها.

وكشفت تقارير إعلامية إسرائيلية أن أجهزة الأمن الإسرائيلي تتجه إلى تبنّي “استراتيجية الاغتيالات“، ضمن الخطة العسكرية التي وُضعت مؤخراً لمواجهة تنامي مجموعة “عرين الأسود” في نابلس، وأن عملية اغتيال تامر الكيلاني كانت مقدّمة لهذه الخطة.

جاء ذلك بناءً على توصية من جهاز الأمن العامّ “الشاباك” للقيادة السياسية في إسرائيل، التي طلبت الشروع في اتباع نهج الاغتيالات ضد أفراد وقادة مجموعة “عرين الأسود“.

ووفق ما نقلته “القناة 12” العبرية عن مسؤولين في الأمن، فإن الأيام المقبلة قد تشهد تنفيذ مزيد من عمليات الاغتيال التي تستهدف نشطاء “عرين الأسود“.

ملاحقة على مواقع التواصل

ومع ازدياد عمليات “عرين الأسود“، وارتفاع نسبة التأييد الشعبي الفلسطيني لمقاوميها، بدأت إسرائيل تشعر بالقلق، وسعت لتقييد وصول بيانات المجموعة وصدى عملياتها إلى الجمهور.

تقول القناة 13 العبرية إن تطبيق “تيكتوك” أغلق الصفحة الرسمية للمجموعة مؤخراً بعد ضغوط إسرائيلية متواصلة.

وتشير إلى أن إسرائيل تبذل جهداً كبيراً مؤخراً لإجهاض ما سمّته “ظاهرة” عرين الأسود.

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً