منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، فبراير/شباط 2022، والسلطات في كييف تنظر بعين التشكك إلى كنيستها الأرثودوكسية، التي يتبعها أكثر من ثلثي سكان البلاد. متهمة إياها بالتبعية لروسيا، وترويجها للسردية الداعمة لموسكو في حربها على البلاد، وهو ما يرفضه قطعاً رجال الكنيسة.
وفي أحدث أطوار هذا النزاع، بين الكنيسة والحكومة، كشفت صحيفة "الغارديان" البريطانية أن كييف منذ نوفمبر/تشرين الثاني تقود تحقيقاً في الكنيسة الأرثوذكسية التابعة لموسكو، زاعمة أنها ذراع سياسي ديني للكرملين.
تحقيقات وتفتيش واتهامات
وقالت الصحيفة البريطانية، إن بعض كبار قادة الكنيسة، إلى جانب عديد من الأديرة الرئيسية في أوكرانيا، تعرضوا لعمليات تفتيش واسعة. كما وجهت إلى عديد من الكهنة البارزين تهمة الخيانة والتحريض على الكراهية الدينية.
مضيفة أنه طُلب من الكنيسة التابعة لموسكو مغادرة مقرها في دير كييف بيشيرسك لافرا، بعد انتهاء عقد إيجارها، حيث شوهد القساوسة والرهبان وإكليريكيون يرتدون أردية أرثوذكسية سوداء طويلة وهم يحملون أيقونات وقطع أثاث على شاحنات.
ويعد دير لافرا أهم مقر ديني للمؤمنين بالأرثوذكسية الشرقية في أوكرانيا، الذين يعدون غالبية سكان البلاد، إذ تفوق نسبتهم 57% في الغرب و63% في الشرق.
وقالت السلطات الأوكرانية إن المداهمات التي شنتها على أديرة الكنيسة، منذ نوفمبر، أفضت إلى العثور على مطبوعات وأعلام موالية لروسيا وأيضاً جوازات سفر روسية. ونشرت استخبارات كييف محادثات تُنصَّت عليها، زعمت أنها تضم المطران ميتروبوليتان بافلو ثاني أكبر كهنة الكنيسة، يحتفل بها بسيطرة روسيا لخيرسون، كما يروج نظرية أن روسيا تحارب الإنجيليين الأمريكيين في أوكرانيا.
وفي مطلع أبريل/نيسان الجاري، قررت وزارة الثقافة الأوكرانية عدم تمديد عقد إيجار دير لافرا، بسبب ارتباطه بكنيسة موسكو وارتباط قساوستِها بأجهزةِ الأمنِ الروسية، وفق بيانها. ورد المطران بافلو على ذلك في رسالة مصورة، قال فيها: "سيدي الرئيس! أقول لك ولحاشيتك إن دموعنا لن تسقط على الأرض، بل على رأسك. هل تظن أن بإمكانك تسلق السلطة على ظهورنا؟ لن يغفر الرب لك أو لعائلتك!".
صراع قديم جديد
تتبع الكنيسة الأرثوذوكسية الأوكرانية روحياً بطريركية موسكو، ويعود تاريخ هذا الارتباط إلى عام 1686. وفي نوفمبر، انتشر مقطع فيديو على نطاق واسع، يوثق متعبدين أوكرانيين في دير لافرا يصلون من أجل "الأم روسيا"، وهو ما أثار غضباً في الأوساط الأوكرانية بالرغم من عدم التحقق إلى الآن من صحته.
وعقب ذاك، في ديسمبر الماضي، أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، حظر أي منظمة دينية يتبين أنها تعمل لمصلحة روسيا، وهي خطوة أوضح أنها "تهدف إلى منع روسيا إضعاف أوكرانيا من الداخل".
ونفى الدير ما ورد في المقطع المذكور، ونقلت صحيفة " الغارديان"، على لسان أحد كبار قادة الكنيسة، قوله إن ذلك الفيديو جرى التلاعب به وأضيف إليه الغناء. وسأل المتحدث: "هل رأيت أي شخص يغني في الفيديو؟". وأكد: "لقد كنا وسنواصل مساعدة البلاد في وقت الحرب، عديد من المؤمنين [الأوكرانيين الأرثوذكس] يقاتلون في الجيش".
هذا وبالرغم من أن الشقاق بين كييف والكنيسة الأرثوذكسية زاد اتساعاً مع الحرب الدائرة، فإن جذوره تعود إلى لحظة انفصال البلاد عن الاتحاد السوفييتي. وانقسمت الطائفة الأرثوذكسية في أوكرانيا بعد تفكك الاتحاد إلى ثلاثة فروع: فرع تعهد رجال الدين فيه بالولاء لبطريركية موسكو، وآخر تابع للبطريركية التي تأسست حديثاً في كييف وكنيسة أوكرانية أرثوذكسية مستقلة أصغر.
وفي عام 2019، اعترف بارثولوميو الأول، البطريرك المسكوني الحالي ورئيس الكنيسة الأرثوذكسية الواقعة على ضفاف خليج القرن الذهبي بإسطنبول والمعروفة باسم "الفنار"، رسمياً باستقلال الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية. وهو ما احتفى به الرئيس الأوكراني السابق بترو بوروشينكو، معتبراً أنه "انتصارٌ للشعب المؤمن في أوكرانيا على شياطين موسكو".
فيما تتهم موسكو الولايات المتحدة في الملاحقات التي أطلقتها أوكرانيا للكنيسة الأرثوذكسية، وقالت وزارة الخارجية الروسية في بيان لها، مطلع أبريل الجاري، إنه "ليس سراً أن نظام زيلينسكي ليس مستقلاً في سياسته المعادية لرجال الدين. الانقسام الأرثوذكسي الذي أصاب هذا الجانب من الحياة هو هدف أعلنته واشنطن منذ فترة طويلة".
وسبق أن عبر مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة عن قلقه من أن تقود تحركات الحكومة الأوكرانية (ضد الكنيسة) إلى تصرفات تمييزية.