بين معدَّلات الوفيات للمصابين بكورونا والتقدم في العمر علاقة طردية، فكلما كان المصاب متقدماً في العمر، زادت احتمالية وفاته (Reuters)
تابعنا

في الوقت الذي غيّر فيه الانتشار العالمي السريع لفيروس كورونا الجديد (كوفيد-19) معالم الحياة الاجتماعية كما عرفها معظم سكان العالم، بدأ سياسيون أمريكيون في التذمر والتعبير صراحةً عن تخوفاتهم من تبعات الوضع القائم على الاقتصاد.

ووسط تشديدات المؤسسات الصحية ومنظمة الصحة العالمية على ضرورة لزوم المنازل والتزام إجراءات مشدَّدة للوقاية والحدّ من تفشِّي الفيروس، أعرب سياسيون بارزون في مقدمتهم رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترمب، عن أملهم في "عودة الحياة الطبيعية" خلال أسابيع قليلة، مُغفِلين بذلك ما قد يكون من أثرٍ على حياة ملايين البشر.

هل نضحِّي بالمسنّين ليحيا الشباب؟

من المعروف الآن على نطاق واسع وجود علاقة طردية بين معدَّلات الوفيات للمصابين بكورونا، والتقدم في العمر، فكلما كان المصاب متقدماً في العمر زادت شدة الإصابة واحتمالية الوفاته جرّاء الفيروس.

وفي حين يُقدَّر معدَّل وفيات الأشخاص الذين تقلّ سنّهم عن 40 عاماً بنحو 0.2% بناءً على البيانات المتاحة، فإن معدَّل وفيات الأشخاص الذين تزيد سنّهم على 60 عاماً يرتفع إلى 3.4%، فيما يصل إلى 8% مع أولئك الذين تزيد سنّهم على 70 عاماً. ولا يقتصر الأمر على كبار في السنّ، إذ يمتدّ إلى أصحاب الأمراض المزمنة وذوي المناعة الضعيفة من الشباب.

وتهدف تدابير الإغلاق التي اتخذها عديد البلدان، إلى حماية تلك الفئات الضعيفة من الموت الجماعي.

فإذا أخذنا الولايات المتحدة مثالاً، حيث تُقَدَّر أعداد الأشخاص الذين تتجاوز سنّهم 60 عاماً بما يربو على 72 مليوناً بقليل، وفي حالة إصابة 50% من هؤلاء بالفيروس، أي نحو 36 مليون حالة إصابة، فإن عدد الوفيات في نهاية المطاف سيكون أكثر من 1.4 مليون، هذا إن افترضنا أن متوسط الوفيات سيكون المتوسط المنخفض 4%.

وعلى الرغم من ذلك الرقم الكبير في دولة واحدة، صرّح نائب حاكم ولاية تكساس دان باتريك، وهو عضو في الحزب الجمهوري يبلغ من العمر 69 عاماً، بأنه يفضِّل "الموت على رؤية الاقتصاد الأمريكي ينهار جرّاء الإغلاق العامّ".

وقال باتريك في حوارٍ على قناة Fox News: "دعونا نعُد إلى العمل، دعونا نعُد إلى الحياة. لنكن أذكياء في هذا الشأن، وعلى أولئك الذين بلغوا السبعين من العمر أن يهتموا بأنفسهم، فعلينا أن لا نضحي بالبلاد".

وعندما سأله المحاور: "هل تقول إن هذا المرض يمكن أن يأخذ حياتك، ولكن هذا ليس أكثر شيء مخيف لك؟"، أجاب: "نعم".

قوبل طرح المسؤول الأمريكي بالطبع بغضب كبير من كثيرين رأوا فيه تعدِّياً على حقّ أصيل للبشر، مهما بلغت سنّهم، هو الحقّ في الحياة، الأمر الذي عبّرت عنه صراحة أستاذة الطب بجامعة كاليفورنيا لويز أرونسون في مقال نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، بالتساؤل الاستنكاري: "لا أحد يريد أن يموت الشباب، ولكن هل يعني ذلك أننا نوافق على التضحية بكبار السن؟".

وأضافت: "يمكننا أن نختار بين التضحية بالمسنّين ودعمهم، هذا الخيار لن يؤثر على حياة الناس الآن فحسب، بل سيكون له أثر كبير على تشكيل مستقبلنا أيضاً''.

النقد نفسه وجّهه حاكم ولاية نيويورك وعضو الحزب الديمقراطي أندرو كومو الذي أدان من الناحية الأخلاقية القبول بفكرة أن يموت الآخرون فقط للسماح بازدهار الاقتصاد، قائلاً: "لسنا على استعداد للتضحية بنسبة 1-2% من سكان نيويورك... ليس هذا ما نحن عليه. سنقاتل من أجل إنقاذ كل حياة ممكنة".

ترمب يدعو لـ"عودة الحياة الطبيعية" خلال 3 أسابيع

في السياق نفسه صرّح الرئيس الأمريكي الثلاثاء بأنه يريد "تقليص المدى الزمني (للإغلاق) وعودة الأشياء إلى نصابها المعتاد"، بحلول منتصف أبريل/نيسان المقبل، تزامناً مع عطلة عيد الفصح، أي بعد أقل من 3 أسابيع.

تصريحات ترمب تعرضت لانتقادات شديدة، إذ حذّر الخبير الاقتصادي نورييل روبيني من أن محاولة إعادة تشغيل الاقتصاد وسط تفشي العدوى، سيكون لها آثار اقتصادية مدمّرة على المدى الطويل.

وأكّد روبيني في تصريحات لـYahoo Finance أن "هذه الفكرة أسوأ شيء يمكنك أن تفعله الآن، فمن شأن ذلك أن يكون كابوسيّاً، وسيعني أن الولايات المتحدة ينتهي بها الأمر إلى كساد".

أمّا مراسل CNN إلى البيت الأبيض ستيفن كولينسون، فيرى أن تصريحات ترمب الذي يستشرف "ضوءاً في نهاية النفق" ويتوقع أن تكون الكنائس مزدحمة في عيد الفصح، ويعود الاقتصاد الأمريكي إلى ما كان عليه، "ليست قائمةً على بيانات طبية وعلمية، بل هي تصريحات مدفوعة بالعاطفة والرمزية".

ويضيف كولينسون أن تصريحات ترمب تلك مردّها الأساسي رغبته في تحسين الحالة الاقتصادية العامَّة بما يسمح بإعادة انتخابه في نهاية العام الجاري، إذا ما سارت الأشياء كما يُفترض، مرجحاً أن "الفجوة بين تصوُّر الرئيس للوضع من جهة، والواقع الحقيقي من جهة، تخاطر بتبديد المصداقية التي يحتاج إليها القادة في وقت الأزمات، عندما يجب أن يكون الأمل الملهم متوازناً مع تقييم واقعي للتحدي الراهن".

يُذكر أن عدد الإصابات بفيروس كورونا الجديد في الولايات المتحدة تجاوز 60 ألفاً، فيما بلغت الوفيات جرّاء الإصابة أكثر من 800. وباتت الولايات المتحدة أحد البلدان الأكثر تضرُّراً بالفيروس بعد الصين وإيطاليا وإسبانيا.

وحتى مساء الأربعاء أصاب كورونا أكثر من 445 ألف شخص في العالم، توُفّي منهم ما يزيد على 19 ألفاً، فيما تعافى أكثر من 112 ألفاً. وأجبر انتشار الفيروس دولاً عديدة على إغلاق حدودها وتعليق الرحلات الجوية وفرض حظر التجول وتعطيل الدراسة وإلغاء فاعليات عدة ومنع التجمعات العامة وإغلاق دور العبادة.

TRT عربي
الأكثر تداولاً