بينما تتخوف مصر من تأثير سلبي محتمل للسد الإثيوبي على حصتها السنوية من مياه النيل، تقول أديس أبابا إنها لا تستهدف الإضرار بمصالح مص (Reuters)
تابعنا

مع التعثر المستمر في جولات التفاوض بشأن سد النهضة لم يكن من المفاجئ شد الرحال إلى مجلس الأمن وطرح القضية عليه بحثاً عن مخارج، مع تباعد مواقف الأطراف المعنية بالقضية إلى قدر لم تفلح فيه سنوات من المفاوضات الثنائية والثلاثية في إيصالهم إلى اتفاق مرضٍ للجميع.

وبمساعٍ سودانية شهدت الأيام الماضية جلسات تفاوض عن بُعد بين وزراء الري في الخرطوم والقاهرة وأديس أبابا، ورغم التفاؤل الحذر نتيجة التوافق على عدد من القضايا المتعلقة بالسد، فإن الاختلافات ما لبثت أن أطلت برأسها من جديد حول العديد من الملفات كالتفاصيل المرتبطة بسنوات الجفاف وغيرها، لتلجأ مصر إلى تدويل القضية وعرضها في النهاية على مجلس الأمن الدولي.

لماذا مجلس الأمن؟

ككثير من القضايا المختلف عليها بين القاهرة وأديس أبابا كان اللجوء إلى الوساطات الدولية أو إلى مجلس الأمن مثار خلاف بين الطرفين، ومقابل رغبة مصرية في هذا النوع من الحلول كان الموقف الإثيوبي معارضاً ومصراً دوماً على أن تكون الوساطات داخل البيت الإفريقي، مستنداً إلى "أجندة 2063" الصادرة عن الاتحاد الإفريقي والداعية إلى "حلول إفريقية للمشكلات الإفريقية".

غير أن القاهرة كان لها تفسير آخر يفصله الدكتور عصام عبد الشافي قائلاً: "هناك إدراك من الجانب المصري أن المؤسسات الإفريقية لن تستطيع أن تحقق نجاحاً، خاصة أنه تم اللجوء إليها في مراحل مختلفة، كما أن إثيوبيا هي المقر الرئيسي للاتحاد الإفريقية ولها تأثيرها بحكم أنها دولة المقر".

ويضيف رئيس أكاديمية العلاقات الدولية في إفادته لـTRT عربي: "أن المسؤولين المصريين يرون أنه قد استنفدت كل الجهود سواء الإقليمية أم المحلية أم حتى جهود الوساطة بين الشخصيات داخل القارة وخارجها، ومن ثم لم يبق إلا مجلس الأمن ليشكل ورقة أخيرة يمكن أن يلجأ إليها النظام في مصر للتعامل مع هذا الملف".

المسؤولون المصريون يرون أنه قد استنفدت كل الجهود سواء الإقليمية أم المحلية أم حتى جهود الوساطة بين الشخصيات داخل القارة وخارجها، ومن ثم لم يبق إلا مجلس الأمن ليشكل ورقة أخيرة يمكن أن يلجأ إليها النظام في مصر للتعامل مع هذا الملف

رئيس أكاديمية العلاقات الدولية - عصام عبد الشافي

فيحين يرى الكاتب والمحلل السياسي الإثيوبي نور طاهر أن "مصر تصر على الذهاب الي مجلس الأمن الدولي بسبب رهانها على دعم الولايات المتحدة ونفوذها في مجلس الأمن لاستصدار قرار مساند لها، وتحقيق ما تسعى إليه وهو الحفاظ على الحصة التي حصلت عليها ضمن اتفاقية عام 1959".

موضحاً في إفادته لـTRT عربي أن "رهان القاهرة معتمد على مقايضة سياسية مرتبطة بصفقة القرن، إذ تعهدت مصر بالضغط على الفلسطينيين لتقديم تنازلات وإقناعهم بقبولها، مقابل تعهد ترامب بممارسة الضغط على إثيوبيا لتغيير جدول عملية الملء من سبع سنوات إلى 21، وتوقيع اتفاقية تقيد إثيوبيا في التصرف في مواردها الطبيعية، وتسمح بمشاركة الفنيين المصريين في ملء سد النهضة وتشغيله".

وفي 20 يونيو/حزيران الجاري أرسل وزير الخارجية المصري سامح شكري رسالة إلى رئيس مجلس الأمن الدولي حمّل فيها ما وصفه بـ"تعنت إثيوبيا" المسؤولية عن فشل المفاوضات، مطالباً المجلس بالنظر في هذا الأمر على وجه السرعة في إطار بند جدول الأعمال المعنون بـ"السلم والأمن في إفريقيا".

ووفقاً لوكالة الأنباء الإثيوبية فقد ردت أديس أبابا برسالة مماثلة من وزير خارجيتها جيدو أندارجاشيو إلى رئاسة مجلس الأمن، أكد فيها أن مصر تعمل من خلال ما وصفه بـ"التصوير الخاطئ" على ترويج أن سد النهضة يشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين، مضيفاً أن القاهرة ليس لديها النية للمساهمة في إنجاح عملية التفاوض الثلاثية، وأن لجوءها إلى مجلس الأمن يتعارض مع نص وروح إعلان المبادئ 2015.

اللجوء إلى مجلس الأمن بين الحق والجدوى

وكما ورد في رسالة وزير الخارجية الإثيوبي المذكورة فقد ووجهت الخطوة المصرية الأخيرة باعتراضات تطعن في مدى قانونيتها، فوفقاً للمحل السياسي الإثيوبي نور طاهر فإنه "يحق لإثيوبيا رفض هذه الوساطات بالنظر إلى اتفاق إعلان المبادئ، لأن لجوء مصر المتكرر إلى جهات خارجية يعد خرقاً للبند العاشر من الاتفاق المذكور".

وهو ما وافقه فيه الدكتور عبد الشافي مؤكداً أنه "يحق لإثيوبيا رفض الوساطات وفقاً لاتفاق المبادئ الموقع عام 2015، الذي ينص على أن اللجوء إلى الوساطة مشترط أن يكون بموافقة الأطراف الثلاثة الموقعة على الاتفاق، وكذلك الأمر في كل أشكال التسوية السلمية الأخرى إن كنا نتحدث عن وساطة أو تحكيم أو مفاوضات".

وهذه الاعتراضات طرحت بالضرورة تساؤلات حول الجدوى العملية من اللجوء إلى مجلس الأمن في حال عدم توافق الأطراف المعنية على قرار كهذا، وبينما يرى نور أن لا جدوى مرجوة من هذا وأن نتيجته الوحيدة هي "هدم الثقة بين الأطراف وإدخال الملف في أجواء التصعيد السياسي"، يقدم أستاذ العلوم السياسية عمرو عبد الشافي رؤية مغايرة موضحاً أنه يعد "ورقة من أوراق الضغط السياسي".

مستطرداً لـTRT عربي بأن"هناك ضرراً من الممكن أن تتعرض له مصر وهذا يهدد أمنها القومي، واللجوء إلى المجلس يفرض على الجميع أن يقدم كل ما لديه من أوراق ومستندات وحجج للدفاع عن موقفه، وفي هذه الحالة من الممكن أن يكون هذا مساراً متأخراً جداً لجأ إليه النظام في مصر، بعد أن أضاع الكثير من السنوات كان يمكن خلالها أن يكون المجلس قد قطع شوطاً".

واتفاق المبادئ بشأن سد النهضة وقعته مصر والسودان وإثيوبيا في الخرطوم في 25 مارس/آذار 2015، وناقشت مادته العاشرة مبدأ التسوية السلمية للمنازعات، ونصت على أن "تقوم الدول الثلاث بتسوية منازعاتهم الناشئة عن تفسير أو تطبيق هذا الاتفاق بالتوافق من خلال المشاورات أو التفاوض وفقاً لمبدأ حسن النوايا. إذا لم تنجح الأطراف في حل الخلاف من خلال المشاورات أو المفاوضات، فيمكن لهم مجتمعين طلب التوفيق، الوساطة أو إحالة الأمر لعناية رؤساء الدول/رئيس الحكومة".

هل ستكون قرارات مجلس الأمن ملزمة لإثيوبيا؟

لم تكن هذه المرة الأولى التي يصل فيها السجال المصري الإثيوبي إلى أروقة مجلس الأمن، ففي مايو/أيار الماضي قدمت مصر شكوى تتعلق بتفاصيل ملء السد وتشغيله وهو ما ردت عليه إثيوبيا في حينه، غير أن إحالة القضية إلى مجلس الأمن تعد نقلة ترجو منها القاهرة الوصول إلى قرارات تكبح تنفيذ خطط أديس أبابا.

ووفقاً للدكتور عبد الشافي فإن صدور قرارات ملزمة لإثيوبيا مرتبط بالفصل الذي ستصدر على أساسه، "فإن صدرت استناداً إلى الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة فهي عبارة عن توصيات والتوصيات غير ملزمة لأي طرف، وإن صدرت استناداً إلى الفصل السابع فستكون قرارات وهذه القرارات ملزمة للجميع".

مضيفاً اعتقاده بصعوبة صدور قرارات رسمية عن مجلس الأمن استناداً إلى الفصل السابع، و"ذلك في ظل عدم قدرة مصر على ضمان منع أي دولة دائمة العضوية من استخدام حق الفيتو، خاصة أن دولة مثل الصين شريك رئيسي في إنشاء السد، ومن ثم يمكن أن تتحفظ على أي قرار يصدر بشأنه من المجلس".

وهو ما يوافقه فيه نور طاهر معللاً ذلك بأن "القضية ليست نزاعاً قانونياً يفصل فيه مجلس الأمن بل يعتمد الحل على مبدأ التعاون وبناء الثقة، ولا يوجد قانون في الشرعية الدولية يحرم دولة من الانتفاع من مواردها الطبيعية وخاصة المائية إذا لم تتسبب بالضرر بالآخرين، وهو المبدأ الذي طبقته إثيوبيا في زيادة فترة الملء من ثلاث إلى سبع سنوات على سبيل المثال".

وكان مجلس الأمن قد أنهى فجر أمس الثلاثاء جلسة مشاورات مغلقة بطلب من مصر لبحث الخلاف مع إثيوبيا حول سد النهضة، حيث نوقشت رسالتان من وزيري خارجية البلدين.

وبينما تتخوف مصر من تأثير سلبي محتمل للسد الإثيوبي على حصتها السنوية من مياه النيل الذي يشكل موردها المائي الأساسي، تقول أديس أبابا إنها لا تستهدف الإضرار بمصالح مصر، وإن الهدف الأساسي من بناء السد هو توليد الكهرباء.

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً