تعاني المنطقة من الصدمة والإرهاق بسبب أكثر العقود تدميراً في العصر الحديث  (AFP)
تابعنا

مرت 10 سنوات على انطلاق "الربيع العربي"، الحلم الشعبي الذي ارتبط بالحرية والتغيير، قبل أن يوأد في مهده ويتحطم على صخرة تسلُّط الأنظمة الحاكمة.

انطلقت شرارة هذا "الزلزال السياسي" غير المعهود في المنطقة العربية، من تونس، بعد أن أشعل البائع المتجول محمد البوعزيزي النار في جسده في ولاية سيدي بوزيد احتجاجاً على احتجاز السلطات بضاعته، في 17 ديسمبر/كانون الأول 2010.

وتحول موت البوعزيزي إلى رمز للغضب الجماعي، فبعد تونس، بدأت الشعوب العربية في ليبيا ومصر وسوريا واليمن والبحرين المطالبة بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، لكن ما كادت الثورات تغيّر الأنظمة في بعض الدول حتى جاءت أخرى أكثر تسلطاً واستبداداً.

وأطاحت الثورات بحسني مبارك وزين العابدين بن علي ومعمر القذافي وعلي عبد الله صالح، وفي الموجة الثانية أنهت حكم عمر البشير وعبد العزيز بوتفليقة، لكن يرى كثيرون أنها جاءت بأنظمة قد تكون أكثر قمعاً للحريات.

وخلال فترة الثورات الأولى، نجا بعض الأنظمة العربية، ومنها النظامان السوري والبحريني. وبعد هدوء لسنوات، أعادت الشعوب الكرّة 2019-2020 في العراق ولبنان والسودان والجزائر.

ولم تتحقق بعدُ نتائج ملموسة في بغداد وبيروت، في وقت تدور فيه نقاشات مستمرة منذ سنوات حول مدى نجاح الربيع العربي، وما تبقى منه، فضلاً عن إمكانية نجاح أي ثورات جديدة.

ماذا تغير؟

تقول صحيفة "Global times" إنه "لم يتغير شيء يُذكر في هذه البلدان العربية التي اجتاحها في يوم من الأيام ما يسمى بالعواصف الثورية، فبينما تخلصت هذه الدول من ديكتاتوراتها الأصليين، فإنها تعيش في مزيد من عدم اليقين وعدم الاستقرار".

وعلى الرغم من أن هذه البلدان قد مرت بواحد من أكثر العقود تدميراً في العصر الحديث ، فإن الاضطرابات ما زالت لا تُظهِر أي علامة على التراجع، وفق الصحيفة الصينية.

وأوضحت في تقرير نشرته في منتصف ديسمبر/كانون الأول الجاري أن "الثورات أكسبت التونسيين بعض الحرية والديمقراطية في الحديث عن آرائهم، لكنها أضرت بالمصريين وبإحساسهم بالأمن".

وعلى سبيل المثال، بينت الصحيفة وفقاً لتقدير بعض المحللين أن الاضطرابات السياسية التي تبعت الثورة في مصر أعادت البلاد إلى الوراء 15-20 سنة.

لكن يرى كثيرون أن إحدى السمات المهمة في انتفاضات 2010-2011 هي أنها أظهرت إمكانية كسر جدار الخوف الذي يسيطر على المنطقة.

بدورها تطرقت صحيفة الإندبندنت البريطانية إلى عودة الأنظمة السلطوية للتحكم بالبلدان العربية بشكل أسوأ مما كان عليه الأمر قبل انطلاق الثورات، وذلك بدعم خارجي.

وخلصت في مقال نشرته في 16 ديسمبر/كانون الأول إلى أن "ما حدث في بعض الدول يوضح مدى التأثير الكبير الذي تمارسه الدول الأجنبية في البلدان التي جرت فيها الثورات".

أما وكالة أسوشيتد برس الأمريكية فتقول: "لفترة أعقبت عام 2011، بدا الاندفاع نحو تلك الأحلام لا رجوع فيه، والآن صارت هذه الأحلام أبعد من أي وقت مضى".

وأضافت في تقرير لها: "في سوريا واليمن والعراق، فقد ملايين منازلهم في الحرب، ويكافحون من أجل العثور على سبل العيش وتعليم أطفالهم أو حتى إطعام أنفسهم. وانتشرت الفصائل المسلحة في تلك البلدان وفي ليبيا، وجنت الأموال، وجنّدَت الشباب الذين لا يجدون سوى قليل من الخيارات الأخرى".

وتابعت: "تعاني المنطقة من الصدمة والإرهاق بسبب أكثر العقود تدميراً في العصر الحديث، وربما الأكثر تدميراً منذ قرون".

الدروس والتوقعات

ترى صحيفة "middle east eye" البريطانية أن الظروف التي حفزت الانتفاضات العربية، بما في ذلك الفساد الحكومي والاقتصادات الفاشلة والخدمات الاجتماعية المتدهورة، اشتدّت وتفاقمت بسبب جائحة كورونا عام 2020.

وتقول في تقرير نشرته في 15 ديسمبر/كانون الأول، إن "الفشل الواسع النطاق للحكومات الإقليمية في معالجة هذه الأسباب الأساسية أدى إلى جولة ثانية من ثورات الربيع العربي".

وهنا ترى أن المتظاهرين يرفعون أصواتهم مرة أخرى، لكنهم "تعلموا دروساً رئيسية من الماضي".

وأعقبت الجولة الأولى من الثورات العربية فترة من الهدوء النسبي في جميع أنحاء المنطقة، كان فيها كثير من الناس حذرين من الاحتجاج مرة أخرى، لتصاعد التوترات في سوريا وليبيا واليمن، التي قُتل وشُرّد فيها مئات الآلاف، حسب الأمم المتحدة.

لذلك، تعتقد الصحيفة البريطانية أن هذا "كان بمثابة ذخيرة للأنظمة الرجعية في المنطقة لقمع أي تعبئة شعبية وتصويرها على أنها ليست أكثر من فوضى"ن لكنها تضيف: "على الرغم من ذلك شهد العراق ولبنان والسودان احتجاجات أكثر سلمية أظهرت التطور والنضج".

روح الثورات لم تمُت بعد كما اتضح من الموجة الثانية من الانتفاضات العربية (AFP)

وكان أكبر درس للمحتجين في عام 2020، بالنظر إلى الأحداث التي وقعت قبل عقد من الزمن، هو أن التغيير الحقيقي لا يمكن أن يحدث بين عشية وضحاها.

وبينت الصحيفة أن "التنازلات السطحية مثل استبدال رئيس صوري بآخر، لا تؤدي إلى إصلاح سياسي حقيقي. يستغرق التغيير إلى نموذج سياسي جديد وقتاً وضغطاً مستمراً".

يقول خليل العناني، زميل بارز في المركز العربي بواشنطن، إنه كان من اللافت للنظر أن المحتجين في الجزائر العام الماضي ظلوا في الشوارع حتى بعد مغادرة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة لمنصبه.

ويضيف: "لم يكرّروا أخطاء نظرائهم المصريين الذين غادروا ميدان التحرير بعد 18 يوماً من الاحتجاجات عندما تَنحَّى مبارك"، وتابع: "أصروا على تحويل السلطة إلى حكم مدني".

وتوضح وكالة الصحافة الفرنسية أن "روح الثورات لم تمُت بعد، كما اتضح من الموجة الثانية من الانتفاضات التي اشتعلت في السودان والجزائر والعراق ولبنان، بعد ثماني سنوات من الموجة الأولى".

تختلف مع هذا الرأي وسائل إعلام أخرى، مثل DW الألمانية التي ترى أنه رغم تجدد الحراكات في دول إضافية، فإنه بعد مرور 10 سنوات، لا أمل في بداية جديدة.

أيضاً تعتقد صحيفة "واشنطن بوست" أن الاحتجاجات الجديدة في العراق ولبنان والسودان، تشير إلى كيف أن طموحات الثورات الأولية لا تزال تتردد في جميع أنحاء المنطقة. لكن في الوقت الحالي، ترى الصحيفة الأمريكية أن "التغيير التدريجي يبقى أبعد من المأمول".

وتتبنى مجلة فورين بوليسي الأمريكية نفس الرأي، إذ تقول إنه "قبل عقد من الزمن، توقع المحللون تحولاً ديمقراطياً ومزيداً من التقدم الاقتصادي والسياسي في المنطقة العربية، ولكن هذه الآمال قد ولّت الآن رغم اندلاع احتجاجات جديدة".

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً