لحظة وصول الأسير الفلسطيني رشدي أبو مخ إلى مدينة باقة الغربية بعد اعتقال دام 35 عاماً (TRT Arabi)
تابعنا

قبر والدته كان أول شيء احتضنه الأسير المحرر رشدي أبو مخ ( 58 عاماً)، عندما وطئت أقدامه مدينة باقة الغربية بعد اعتقال دام 35 عاماً في سجون إسرائيل.

الرجل الذي خرج من هذه المدينة وهو شاب، عاد إليها بشعر قد شاب وباستغراب الإنسان الذي تخلف عن الدنيا أكثر من ثلاثة عقود، بكى أمام قبر والدته المرحومة رسمية أبو مخ الملقبة بـ"أم الأسرى"، وقال: "يمّا.. ليش ما انتظرتيني؟".

أمام القبر قرأ الفاتحة وتمنى "ليتها هنا". بنظره الأم هي أكثر الأشياء التي لا يمكن احتمال فقدانها، هو الذي فقد والده وشقيقه أيضاً خلال فترة اعتقاله، قال: "كان يجب أن تكون هنا، انتظرتني طويلاً وتحملت غيابي لسنوات، وأرهقها عدم وجودي إلى جانبها، وكانت تأتي إلى زيارتي في الآونة الأخيرة وهي على كرسي متحرك".

وأضاف: "لا أستوعب فكرة أن أعود إلى البيت ولا تكون أمي، تركتها هناك قبل 35 عاماً، ولا أصدق أنها لم تعد موجودة".

الأسير الفلسطيني رشدي أبو مخ يقف أمام قبر والدته بعد اعتقاله 35 عاماً في سجون إسرائيل (TRT Arabi)

ومنذ عام 1986بدأت معاناة 4 عائلات في مدينة باقة الغربية، فبالإضافة إلى الحاجة "رسمية"، كانت هناك الحاجة عائشة بيادسة والدة الأسير إبراهيم التي غيبها الموت في نهاية عام 2015، والحاجة فريدة دقة والدة الأسير وليد التي أنهكها المرض.

في ذلك العام وتحديداً في شهر مارس/آذار، اعتقل الاحتلال الإسرائيلي إبراهيم أبو مخ ورشدي أبو مخ، ووليد دقة وإبراهيم بيادسة، وأدانهم بالعضوية في خلية نفذت عملية خطف وقتل الجندي الإسرائيلي موشيه تمام في عام 1985، وبدأ مشوار المعاناة للأسرى القدامى وأمهاتهم.

تعويض الأم

وبإضافة أسرى باقة الغربية إلى الأسرى القدامى من فلسطينيي 48، البالغ عددهم 12 أسيراً والذين جرى اعتقالهم قبل اتفاقية أوسلو، وأقدمهم الأسيران كريم يونس وماهر يونس المعتقلان منذ عام 1983، من بلدة عرعرة، بينما يبلغ عدد الأسرى من فلسطيني 48 نحو 120 أسيراً، 50 أسيراً منهم أمضوا بالسجون الإسرائيلية 20 عاماً فما فوق.

حاول رشدي تعويض غياب والدته بزيارة أمهات الأسرى وذويهم، ونقل سلام أبنائهن لهن من السجون الإسرائيلية.

وعلى بعد مئات الأمتار من المقبرة، وفي منزل متواضع بمدينة باقة الغربية كانت والدة الأسير وليد دقة رفيق درب رشدي الذي لا يزال في سجون الاحتلال منذ عام 1986، تنتظر على فراش المرض قدوم رسالة وليد التي يحملها إليها صديقه المحرر.

لم تكن أم وليد التي تعاني جراء أمراض مختلفة قادرة على استقبال رشدي على باب المنزل كما استقبله حشد كبير من النّاس الذي احتفوا بقدومه. هناك في غرفتها الصغيرة كانت تنتظر على سريرها حتى جاء حاملاً إليها الأشواق من فلذة كبدها الذي عانت لسنوات طوال جراء حبسه، ورعايتها له ولغيره من أسرى الشعب الفلسطيني حتى أطلق عليها لقب“أم الأسرى” لما حملته من هم وبذلته من جهد كبير في سبيل قضيتهم وإعلاء صوتهم.

بدت ملامح الصدمة ظاهرة على رشدي حين رأى أم وليد وقد أنهكها المرض، وقال: "هذه المرأة عطفت على جميع الأسرى، وكانت تساندنا وكأننا أبناؤها".

“جيت من عند وليد يمّا“، قال رشدي، وقبّل رأس الحاجة أم وليد، وأسرّ لها برسالة حملها إليها من ابنها الذي لا يزال ينظر تنسم الحرية كصديقه ورفيق الأسر، ثم أضاف: "أرى فيها وبكل أمهات الأسرى وجه أمي".

تعاني أم الأسير وليد دقة المعتقل منذ عام 1986 من أمراض كثيرة منعتها من استقبال الأسير المحرر (TRT Arabi)

استقبال حافل ومواقف ثابتة

ومن بيت إلى آخر، تنقل الأسير المحرر رشدي أبو مخ محمولاً على الأكتاف، وكان باستقباله مئات المواطنين في منزله.

وعبر أبو مخ عن امتنانه الشديد لعائلته ومحبيه وأبناء بلده، وقال لـTRT عربي: "السجن لم يكسر مبادئي ولم يغير قناعاتي، السجن مجرد مكان، دخلته حراً وخرجتُ منه حراً".

أبناء مدينة باقة بانتظار وصول الأسير المحرر رشدي أبو مخ أمام منزله (TRT Arabi)

وأكد أنه عانى الأمرين في السجون، بسبب الظروف الصعبة هناك وحرمانه من المشاركة في جنازة والدته وشقيقه اللذين توفيا خلال اعتقاله، ولم يُسمح له سوى مرة واحدة بالخروج لساعة واحدة فقط شارك فيها في جنازة والده، وكان مقيداً بالسلاسل.

وسخر رشدي من الاحتلال الذي قال إنه ما زال يحاول الانتقام منه حتى آخر لحظة، وكأن 35 عاماً لم تشفِ غليل السجان، إذا مددوا اعتقاله 12يوماً بسبب مخالفة سير كان قد ارتكبها عام 1986.

وفي المساء، دعا المحرر رشدي خلال كلمة ألقاها في حفل استقباله، إلى إنهاء حالة الانقسام التي انعكست سلباً على الحركة الأسيرة، قائلاً: إن"ترسباتها أثرت بشكل كبير على قضية الأسرى".

الأسير رشدي أبو مخ خلال كلمة ألقاها في حفل ترحيبي به (TRT Arabi)

وطالب جميع الأحزاب والفصائل والقوى الوطنية الفلسطينية بتكثيف الضغوط من أجل الإفراج عن جميع الأسرى والأسيرات وإنقاذهم من الموت البطيء في السجون الإسرائيلية.

وأضاف "نحن شعب حر ومن حقنا الحرية، فالإنسان خلق ليعيش حراً في أرضه ووطنه، فنحن أصحاب حق ولا نخجل بما قمنا به، ونرفض مصادرة الأراضي"، مشيراً إلى أن الشعب الفلسطيني قادر على إفشال كل مخططات الاحتلال.

سعادتي كبيرة بالحرية لكن الحرية الكبرى هي يوم تحرير الأسرى ودحر الاحتلال

الأسير المحرر رشدي أبو مخ

وأكد المحرر رشدي أنه "بعد 35 عاماً من الأسر والحرمان أنني عدت إليكم أكثر صموداً وانتماء لفلسطين، وأعاهد الله على البقاء على درب العطاء والنضال"، مشيراً إلى أن"التطبيع جريمة لا تغتفر".

عناق الأسير المحرر رشدي أبو مخ لأفراد عائلته أول وصوله إلى مسقط رأسه في باقة الغربية (Others)

وفي تصريحات سابقة أكد الأسير أبو مخ في اتصال هاتفي من داخل السجن لـTRT عربي"أشعر بسعادة غامرة لأنني سألتقي أهلي وأحبائي أو من بقي منهم بعد كل هذه السنين التي قضيتها في السجون الإسرائيلية"، مضيفاً: "لكنني في الوقت ذاته حزين لأنني سأترك خلفي رفقاء الدرب وأصحاب السجن الذين قضوا معي كل هذه الفترة، وأتمنى أن ألتقي بهم جميعاً في الحرية عمّا قريب".

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً