القمة الحالية لقادة دول حلف الناتو تشهد خلافات غير مسبوقة بين الزعماء (Reuters)
تابعنا

تبدأ اليوم الثلاثاء أعمال قمة حلف شمال الأطلسي في العاصمة البريطانية لندن، يحضر فيها زعماء أكبر حلف عسكري عرفه التاريخ في الذكرى السبعين لتأسيسه. وتُعقَد القمة في أجواء متوترة، بخاصَّة بعد الانتقادات التي وجّهها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى هذا الحلف.

ويتوقّع محللون أن تخيِّم على أجواء اللقاء غيوم الانقسام وضبابية مستقبل الشراكة بين أعضائه الذين لا يبدو أنهم على قلب رجل واحد كما بات يُعرَف مؤخَّراً، فقد اتهم الرئيس الأمريكيّ دونالد ترمب الذي يشكّل جيش بلاده أكبر قوة في الحلف، أعضاءً آخرين بالاعتماد على الولايات المتَّحدة في دعم موازنة الحلف، كما لوح عدة مرات بالانسحاب من التحالف ما لم يحقّق بقية الأعضاء إنفاقاً دفاعيّاً بنسبة 2% على الأقل من الناتج القومي لكل دولة عضو في الحلف.

أما الرئيس الفرنسي فقد وصف الحلف بـ"الميت دماغيّاً"، لتردّ عليه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بأنه الركيزة الأساسية للدفاع عن أوروبا، ويظهر التناقض في التصريحات بين الشريكين الأوروبيّين اللذين يراودهما بين حين وآخر تشكيل جيش أوروبيّ موحَّد للدفاع عن الحدود.

في الوقت ذاته هاجم الرئيس الأمريكيّ دونالد ترمب، نظيره قائلاً: "فوجئت بتصريحات ماكرون حول الناتو، فلا أحد يحتاج إلى الحلف أكثر من فرنسا، ولنا نحن من يحتاج إليه".

ويرى الباحث في الشأن التركي أوقطاي يلماز في حديث لـTRT عربي، أن القمة تجري في ظل نقاشات متصاعدة حول فاعلية الناتو والدور المنتظَر منه ووسط خلافات بين عدة دول، ليس فقط من جانب تركيا وإنما بين الجانبَين الأوروبيّ والأمريكيّ.

ويضيف: "توجد محاولة لتقليل أهمِّيَّة الناتو، أو لإيجاد تحالف جديد بالشراكة مع دول أوروبيَّة، بخاصَّة فرنسا التي تحاول قيادة عدد من الدول الأوروبيَّة لتشكيل جيش بديل للناتو، خصوصاً مع تدخل الروس في الشؤون السياسية لعديد من الدول الغربية وقيادة هجمات إلكترونية ضدها، بالإضافة إلى تدخُّلها في أوكرانيا".

ويؤكّد يلماز أن القرارات تُتّخذ جماعيّاً في الناتو، وليس بمقدور أحد طرد تركيا أو إخراج أحد منه، مشيراً إلى محاولات لتقليل دور تركيا في الناتو ودورها، رغم أنها من الدول الأساسية والمؤسَّسة له وأدّت أدواراً مهمَّة جدّاً لحماية حدود دول الناتو.

موقف الحلف من الأزمة السورية كان أيضاً عُرضة لانتقادات تركيا التي سئمت تردُّد قيادته لتتحرك منفردة لحماية حدودها الجنوبية من تهديدات التنظيمات الإرهابية، إذ يشير يلماز إلى أن أنقرة تتعرَّض لتهديدات إرهابية على حدودها مع سوريا والعراق، لكنها لم تجد نصرة أو دعماً من الحلف، بل وجدت أيضاً انتقادات.

وتُعتبر هذه القمة مهمَّة جدّاً لتركيا، لأنها ستحاول إقناع الناتو بالمخاطر المحيطة بها، وبناء عليها ستكون خطوات عملية لحمايتها.

من جانبه تَحدَّث حيدر الصافي مراسل TRT عربي عن استعدادات أمنية مشددة بالتزامن مع انعقاد القمة، إذ من المتوقع أن تحدث مظاهرات في أثناء انعقادها.

وأشار الصافي إلى أن تركيا تحمل عديداً من الملفات إلى القمة، أبرزها طلب لدعم تركيا بخاصَّة في مجال الدفاع ومساواتها بدول البلطيق، إذ سيُناقَش مشروع لإعادة نشر قوات على حدود دول البلطيق لحمايتها من الخطر الروسي، وتطالب تركيا بحماية حدودها من التنظيمات الإرهابية.

خلاف تركي-فرنسي

تصريحات ماكرون وحديثه عن تطلُّعات تركيا من الناتو، أدَّت إلى نشوب خلاف فرنسي-تركي قُبيل القمة، إذ ردّ الرئيس التركي عليه واصفاً إياه بأنه في حالة موت دماغية، ودعاه إلى مراجعة طبيب، وأضاف: "هل من شأنك الحديث عن إخراج تركيا من الناتو أو إبقائها؟ هل تمتلك صلاحية اتخاذ قرارات كهذه؟".

وقال المتحدث باسم العدالة والتنمية التركي عمر جليك، إنه يتعين سؤال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن طبيعة وجود بلاده في القارة الإفريقية دون غطاء أممي، وهو آخر من يحقّ له الحديث عن تطلُّعات تركيا من الحلف.

فرنسا آخر دولة وماكرون آخر زعيم يحقّ له القول بأن لا تنتظر تركيا دعم الناتو لتنفيذها عملية نبع السلام، ويتعيَّن سؤال ماكرون: ماذا تفعلون في مالي أو في مناطق أخرى بإفريقيا؟ وما الغاية من عملياتكم التي نفّذتموها دون قرارات أممية؟

عمر جليك - المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية التركي

تركيا والناتو.. أهميات متبادلة

أكَّد الرئيس التركي الثلاثاء، في كلمة ألقاها قُبيل مغادرته للمشاركة في قمة الناتو في لندن، على أن تركيا عضو لا يمكن التخلِّي عنه في حلف شمال الأطلسي "الناتو"، وأنها من أكثر الدول التي قدّمت دعماً للحلف، مضيفاً: "نتوقع تضامناً من الناتو مع تركيا في كفاحها ضد الإرهاب".

وعن أهمِّيَّة القمة أشار أردوغان إلى أن المشاركين سيبحثون الملفات الإقليمية المهمَّة وعلى رأسها ملفا سوريا وليبيا، كما أن من المقرر أن يلتقي الرئيس التركي قادة بريطانيا وألمانيا وفرنسا لبحث التطورات في سوريا، والمنطقة الآمنة ستكون على رأس أجندة القمة الرباعية مع فرنسا وألمانيا وبريطانيا.

وشدّد الرئيس التركي على أن "التهديدات التي تواجهنا اليوم تفرض على حلف الناتو تحديث نفسه"، لافتاً إلى أن "على الحلف العسكري زيادة قوّته لمواجهة التهديدات حتى لا يدفع الدول الأعضاء إلى البحث عن تحالفات بديلة".

من جانبها، أعلنت دائرة الاتصال لدى الرئاسة التركية، اعتزامها عقد عدد من اللقاءات على هامش القمة، إذ شارك وفدها الاثنين في ندوة بعنوان "دور تركيا لدى الناتو واختبارات الأمن الإقليمي"، تُعقد ضمن سلسلة ندوات "محاضرات تركيا"، وناقش أهمِّيَّة الناتو لتركيا، وأهمِّيَّة الأخيرة للحلف، والتقى أعضاء "مجلس محرري فاينانشيال تايمز".

ومن المقرر أن يناقش الوفد الثلاثاء أهمِّيَّة الناتو ومستقبله في ظلّ العالَم المتغيّر، ضمن إطار قمة زعماء الناتو. وفي 4 ديسمبر/كانون الأول الحالي، سيكون الوفد التركي على موعد مع اجتماع الطاولة المستديرة، ليناقش أبعاد العلاقات الاقتصادية والأمنية بين تركيا والمملكة المتَّحدة في أعقاب "بريكست"، وسبل تحسين علاقات البلدين ووضع خارطة الطريق المتعلقة بذلك.

وقال رئيس دائرة الاتصال لدى الرئاسة التركية فخر الدين ألطون، إن تركيا تثق بالقيم العليا لحلف شمال الأطلسي، وأكّد في تغريدة نشرها عبر حسابه على تويتر، أن تركيا حليف أساسي للغرب منذ قرابة 70 عاماً لا يمكن الاستغناء عنه، وسيبقى كذلك.

وانضمَّت تركيا إلى حلف الناتو عام 1952، ولعبت دوراً هامّاً منذ عشرات السنوات ضمن البعثات الأممية لحفظ السلام، كما أرسلت أعداداً كبيرة من جنودها إلى مختلف بلدان العالَم، ضمن البعثات الأممية لحفظ السلام، إذ تمتلك ثاني أكبر جيش في صفوفه.

وتُعتبر نفقات تركيا في المجال الدفاعي ضمن الحلف، أكبر بكثير مقارنةً بنفقات دول كبرى مثل فرنسا وألمانيا، كما أن تبعية تركيا للناتو منذ فترة طويلة، وفَّرت الحماية لأوروبا وعززت الأمن المشترك.

TRT عربي
الأكثر تداولاً