إسرائيل تتمسك برفضها منح أوكرانيا السلاح خشية إغضاب روسيا (Reuters)
تابعنا

مع بداية الهجوم الروسي على أوكرانيا في 24 شباط/فبراير الماضي، ساد التوتر جميع الدوائر السياسية والأمنية والعسكرية في إسرائيل، خاصة مع توالي المطالبات الأوكرانية الصريحة من تل أبيب بتزويدها بالسلاح.

بعد أيام من المداولات والاجتماعات المتواصلة لِما يُعرف بالمجلس الأمني المصغّر "كابينيت"، قررت إسرائيل رسمياً عدم التدخل بالحرب، والاكتفاء بتقديم الدعم الإنساني لأوكرانيا، وذلك خشية على العلاقات مع روسيا من جهة، وسعياً إلى عدم إغضاب موسكو التي تتحكم بمجريات الأرض في الجارة سوريا على وجه التحديد.

لكن ومع اتساع رقعة الحرب وجدت إسرائيل نفسها في وجه انتقادات أوكرانية ودولية واسعة، ليس على موقفها من إمداد أوكرانيا بالسلاح فحسب، إنما على تقاعسها في اتخاذ موقف صريح وواضح، وهو ما دفع تل أبيب منذ ذلك الحين إلى إبداء الدعم السياسي لأوكرانيا علانية ورفض الهجوم الروسي، وهو ما أدى إلى أزمات لحقت بالعلاقات مع موسكو التي بادرت هي أيضاً باتخاذ خطوات ضد إسرائيل، خطوات لم تكن كبيرة، لكن صداها ظلّ يتردد في تل أبيب.

هل منحت إسرائيل سلاحاً لأوكرانيا؟

رفضت إسرائيل فعلياً منح أوكرانيا السلاح، رغم مطالبات الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي العلنية، والتي كان أوضحها خلال خطابه أمام الكنيست الإسرائيلي عبر الفيديو في 20 مارس/آذار الماضي، حيث تساءل وهو يخاطب النواب الإسرائيليين إذ قال: "لماذا لا تقدّمون لنا السلاح؟"، مضيفاً: " لقد اتخذت أوكرانيا خيارها قبل 80 عاماً بإنقاذ اليهود"، مشبّهاً في عدّة نقاط أتى على ذكرها، الهجوم الروسي على بلاده بالمحرقة النازية. وأضاف: "حان الوقت الآن لتتخذ إسرائيل خيارها".

وبعد ذلك بأشهر عاد زيلينسكي ليطلب السلاح الإسرائيلي مرة أخرى وعبّر عن صدمته من موقف تل أبيب الرافض لإمداد كييف بالسلاح، ورغم ذلك لم تحرّك إسرائيل ساكناً ولم تصادق على منح أوكرانيا السلاح، بيد أنّ وزير الدفاع بيني غانتس وافق في شهر يوليو/ تموز الماضي على منح أوكرانيا بعض أنواع الوسائل الدفاعية فقط والتي تُستخدم لأغراض الإنقاذ مثل الخوذ والدروع، وأصرّ على موقفه رفض تقديم أي نوع من السلاح، وفق القناة 13 العبرية.

وتقول القناة 12 العبرية إن أوكرانيا لا تزال تتواصل مع الجهات المعنية في إسرائيل، وهي تطلب أنواعاً خاصة من السلاح من ضمنها صواريخ مضادة للدروع وطائرات بدون طيار ومنظومة القبة الحديدة الدفاعية، لكنها تشير إلى أن "إسرائيل تقابل هذه الطلبات بالرفض دائماً".

ولا يقف الأمر عند هذا الحد، فقد أشارت القناة إلى أن إسرائيل ترفض حتى وصول أي نوع من السلاح المصنّع في تل أبيب إلى أوكرانيا حتى عن طريق دولة ثالثة تشتري هذا السلاح، كما سبق وطالبت ألمانيا وإيطاليا والولايات المتحدة عدم منح أوكرانيا أي سلاح إسرائيلي اشترته هذه الدول سابقاً.

لماذا تتردد إسرائيل بدعم أوكرانيا؟

منذ بدء الهجوم الروسي وحتى اليوم، تبدو الخطوات الإسرائيلية تجاه هذا الهجوم محسوبة بتأنٍ واضح، يمكن الاستدلال على ذلك من قرار وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس قبل أيام إلغاء اتصال كان مقرراً مع نظيره الأوكراني أوليكسي ريزنيكو بعد صدور تصريحات روسية انتقدت فيها موسكو تل أبيب، حسب صحيفة "هآرتس" العربية.

وبحسب الصحيفة، فإن الاتصال كان مقرراً منذ أيام، لكنّه أُلغي بعد تصريحات لمسؤولين روس قالوا إن "إسرائيل كما يبدو تخطط لدعم أوكرانيا بالسلاح".

وربما يمكن الإشارة إلى أن موقف إسرائيل لم يكن موقفاً متردداً فحسب، بل بات واضحاً ومستمراً، حيث ترفض إسرائيل بأيّ شكل من الأشكال إغضاب موسكو، وهو ما كشفته أزمة الوزير نحمان شاي مؤخراً.

وزير الشتات الإسرائيلي نحمان شاي، كتب في تغريدة على تويتر يقول: "صباح اليوم قيل إن إيران تساعد روسيا بصواريخ باليستية، لقد انتهت السجالات حول موقف إسرائيل وأين يجب أن تقف في هذا الصراع، جاء الوقت الذي علينا فيه أن نقدّم الدعم العسكري لأوكرانيا كما تفعل الولايات المتحدة وحلف الناتو".

هذه التصريحات لم تمرّ في موسكو، إذ ردّ الرئيس الروسي السابق ونائب رئيس مجلس الأمن القومي ديمتري مدفيدف بالقول إن مثل هذا الحراك من شأنه أن "يدمّر العلاقات بين موسكو وتل أبيب بشكل كامل". وهو ما دفع صنّاع القرار في إسرائيل إلى إنكار تصريحات الوزير شاي فوراً.

وقال مسؤولون للصحفي في موقع "واللا" العبري باراك رفيد إن "تصريحات الوزير شاي لا تمثّل السياسة الرسمية للحكومة الإسرائيلية أبداً".

بدوره، يقول السفير الإسرائيلي السابق، والباحث في معهد إسرائيل لدراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب، في تغريدة على تويتر: "إسرائيل لاعب ثانوي هنا، ويجب ألا تنحاز إلى أي طرف. ربما ستطلب منا أوروبا والولايات المتحدة الخروج بشكل لا لبس فيه لصالح الغرب، لكن لا ينبغي لإسرائيل أن تتبنى موقفاً حاداً بشكل مفرط".

وأضاف: "مصالح إسرائيل معقّدة، ويجب أن تأخذ في الاعتبار الوجود الإقليمي لروسيا، خاصة في (الجارة الشمالية) سوريا، وكذلك العلاقة بين إيران وروسيا واليهود في روسيا".

وقد أعلنت إسرائيل مراراً أنها نفّذت مئات الهجمات الجوية على أهداف لإيران وحزب الله في سوريا، خلال السنوات الماضية. كما لفتت إسرائيل مراراً إلى التنسيق بين الجيشين الإسرائيلي والروسي، خلال تنفيذ هذه الهجمات.

وفي هذا الصدد، قالت الباحثة في المعهد الإسرائيلي ذاته، كارميت فالينسي في تغريدة على تويتر: "التصعيد اختبار مهم للعلاقات الإسرائيلية-الروسية، لا سيما في ظلّ تورط روسيا في سوريا. مصلحة إسرائيل الأساسية هي الاحتفاظ بحرية العمليات في الأجواء السورية، وهي تتطلب سياسة حذرة تجاه موسكو".

وأضافت فالينسي: "ومن هنا جاءت الإدانة الضعيفة من إسرائيل، وقرار عدم بيع بطاريات (منظومة الدفاع الجوي) القبة الحديدية لأوكرانيا".

العلاقات مع روسيا

بدأت تشوب العلاقات الروسية–الإسرائيلية توترات منذ بدء التدخل الروسي في سوريا، ولكنّ حدّتها ازدادت مع بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا، فعلى الرغم من موقف إسرائيل الحاسم عدم توفير أي نوع من السلاح لأوكرانيا لمواجهة الجيش الروسي، إلا أن ذلك لم يجعلها في منأى عن الغضب الروسي وإن لم يبدُ غضباً عارماً حتى اللحظة.

إسرائيل التي قررت رسمياً عدم مساعدة أوكرانيا عسكرياً، "لم تجد مفراً من مسؤولية اتخاذ موقف سياسي على الأقل، إذ رأت القيادة السياسية في تل أبيب أن على الحكومة الإسرائيلية أن تعبّر عن انحيازها للمحور الغربي الديمقراطي الذي تمثله الولايات المتحدة والاتحاد الروسي وموقفه مما يجري في أوكرانيا"، وفق تصريحات مسؤوليين لموقع "واللا" العبري.

وأعلنت إسرائيل رفضها الهجوم الروسي، لكنها لم تنضم إلى الدول التي فرضت العقوبات على موسكو.

رغم ذلك، شهدت العلاقات بين الجانبين الإسرائيلي والروسي توتراً حاداً مؤخراً، خاصة مع توالي الإدانات الإسرائيلية للهجوم الروسي والتي كان آخرها إدانة رئيس الوزراء يائير لابيد القصف الروسي "الذي استهدف مدنيين في كييف"، وفق قوله. وهو ما استدعى رد السفارة الروسية في تل أبيب التي قالت في بيان إن "الهجمات الأخيرة على كييف استهدفت البنية التحتية العسكرية فحسب".

قبل أشهر أيضاً، تصاعد توتر بين تل أبيب وموسكو على خلفية التصريحات الإسرائيلية الرافضة للحرب والمؤيدة لوحدة أراضي أوكرانيا، لكن هذه المرة يبدو أن التوتر كان له تأثير من نوع آخر على أرض الواقع.

ففي شهر أغسطس/آب الماضي، أعلنت وزارة العدل الروسية سعيها لحل "الوكالة اليهودية" في البلاد بسبب ما قالت إنه "انتهاك لقوانين الخصوصية وتشجيع هجرة الأدمغة".

والوكالة اليهودية هي وكالة معنية بمساعدة اليهود للهجرة إلى إسرائيل، وقد أثار الإعلان الروسي جدلاً واسعاً في تل أبيب ما دفع الرئيس الإسرائيلي يستحاق هيرتسوغ إلى الاتصال بنظيره الروسي فلاديمير بوتين لمناقشة هذا القرار، وقد اتفق الطرفان حسب بيان روسي على "مواصلة الاتصالات على مستوى الوزارات المعنية بشأن الوكالة".

ويبدو أن موضوع الوكالة لم يُحلّ حتى اللحظة، فيما يظهر أنه "عقاب" روسي لإسرائيل، إذ أكدت الوكالة أنها بصدد اتخاذ قرار بوقف نشاطها في روسيا وتحويله إلى نشاط عبر الهاتف والوسائل الإلكترونية.

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً