العلاقات بين المغرب وإسبانيا تشهد توترات تنذر بانفجار وشيك (AA)
تابعنا

اندلعت الأزمة الدبلوماسية بين المغرب وإسبانيا على خلفية استقبال الأخيرة لزعيم جبهة "البوليساريو" إبراهيم غالي لأسباب "إنسانية" وفق مدريد، ما اعتبرته الرباط "طعنة في الظهر من شريك استراتيجي".

وربما لم يكن متوقعاً حجم التصعيد المغربي ضد الجار الشمالي منذ دخول غالي التراب الإسباني أواخر أبريل/نيسان الماضي بـ"هوية مزيفة"، بحكم العلاقات الاستراتيجية والاقتصادية التي تجمع البلدين إذ تعد مدريد أكبر شريك تجاري للرباط.

لكن قد يبدو لدى البعض أن انفجار الأزمة أمر منتظر بسبب خلافات عميقة بين البلدين حول عدة قضايا بينها إقليم الصحراء المتنازع عليه بين الرباط و"البوليساريو"، فضلاً عن ملف ترسيم الحدود البحرية ومدينتَي سبتة ومليلية الواقعتين أقصى شمال المغرب والخاضعتين لإدارة إسبانيا.

وفجر الثلاثاء غادر زعيم "البوليساريو" إسبانيا متوجهاً إلى الجزائر بعد قضائه 41 يوماً في أحد مستشفياتها للعلاج من فيروس كورونا، وقد أعلنت مدريد أنها أبلغت الرباط بمغادرته.

الاعتراف الأمريكي.. نقطة البداية

شكَّل الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على إقليم الصحراء نقطة تحول كبيرة في الملف إذ كانت الرباط تنتظر من مدريد موقفاً ترحيبياً جراء هذا التطور والمساهمة بإيجابية في حل النزاع وفق أطروحة الحكم الذاتي، وهو ما لم يحدث.

منذ حينها بدأت ملامح التوتر في العلاقات بين البلدين بالظهور فتجلت في تأجيل الاجتماع رفيع المستوى بينهما في ديسمبر/كانون الأول 2020 إلى فبراير/شباط الماضي قبل تأجيله مرة أخرى، من دون أن ينعقد حتى اليوم.

موقف مدريد الغامض من الاعتراف الأمريكي خلَّف أثراً سلبياً لدى دوائر السلطة في الرباط، وهو ما ظهر جلياً خلال الأزمة الحالية في رجوع المسؤولين المغاربة إلى قضية انفصال إقليم كتالونيا، وكيف كان رفض المغرب لمطالب الانفصال بالإقليم الإسباني واضحاً مقابل موقف إسبانيا "الضبابي" من نزاع الصحراء.

وفي 10 ديسمبر/كانون الأول الماضي أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب اعتراف بلاده بسيادة المغرب على إقليم الصحراء وفتح قنصلية أمريكية بمدينة الداخلة بالإقليم.

وتقترح الرباط حكماً ذاتياً موسعاً تحت سيادتها بينما تدعو "البوليساريو" لاستفتاء لتقرير المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم.

ترسيم الحدود البحرية

في 22 يناير/كانون الثاني الماضي صدَّق مجلس النواب المغربي (الغرفة الأولى للبرلمان) على مشروع قانون لترسيم الحدود البحرية بما فيها المجاورة لجزر الكناري في المحيط الأطلسي، بما يشمل إقليم الصحراء، وهو ما رفضته مدريد وقالت إن ذلك ينبغي إتمامه في إطار اتفاق مشترك.

ربط البعض هذا الرفض الإسباني بجبل "تروبيك" البركاني المكتشف على بعد كيلومترات من السواحل المغربية التي شملها الترسيم والمحتوي على حجم كبير من المعادن النفيسة، قد تسيل لعاب إسبانيا.

ووفق تقارير إعلامية فإن جبل "تروبيك" الموجود على عمق 1000 متر تحت سطح البحر يحتوي على ثروات ضخمة واحتياطيات هائلة من المعادن والغازات والثروات الطبيعية.

ومن أبرز تلك الثروات التيلوريوم والكوبالت والنيكل والرصاص والفاناديوم والليثيوم وهي عناصر تستخدم في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية واللوائح الشمسية والهواتف الذكية.

وتُقدر احتياطيات جبل "تروبيك" من التيلوريوم بنحو 10% من الاحتياطي العالمي، في حين يحتوي على مخزون ضخم من الكوبالت يكفي لتصنيع أكثر من 270 مليون سيارة كهربائية، وهو ما يمثل 54 ضعف ما تمتلكه جميع دول العالم من هذا النوع من السيارات الحديثة والصديقة للبيئة، وفق ذات التقارير.

وحدد قانون ترسيم الحدود البحرية المنطقة الاقتصادية الخالصة على مسافة 200 ميل بحري عرض الشواطئ المغربية.

سبتة ومليلية وجزر المتوسط

مدينتا سبتة ومليلية أقصى شمال المغرب الواقعتان تحت الإدارة الإسبانية فضلاً عن عدة جزر صغيرة في البحر المتوسط تشكل إحدى نقاط الخلاف التي يمكن أن تنفجر في أي لحظة بين البلدين.

تعتبر الرباط أن سبتة ومليلية وجزر "البران" و"ليلة" و"باديس" فضلاً عن جزر "الجعفرية" في المتوسط "ثغور محتلة" وتطالب باسترجاعها، فيما تشدد مدريد أن المدينتين والجزر تحت سيادتها وترفض أي حوار حول وضعها.

وبين الفينة والأخرى يطفو الخلاف على السطح، آخرها عندما صرَّح رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني أواخر ديسمبر/كانون الأول الماضي بإمكانية فتح ملفَّي سبتة ومليلية "يوماً ما"، وهو ما أثار غضب إسبانيا التي استدعت خارجيتها سفيرة الرباط لديها كريمة بنيعيش على خلفية تلك التصريحات.

كما كاد أن يسبب الخلاف حول جزيرة "ليلة" الصخرية أو "تورة" بالإسبانية التي تبعد 200 متر عن السواحل المغربية في اندلاع حرب بين البلدين عام 2002، لولا وساطة أمريكية انتهت باتفاق على ترك الجزيرة مهجورة من أي وجود مدني أو عسكري.

التسلح المغربي

مطلع مايو/أيار الجاري نشر معهد الأمن والثقافة الإسباني تقريراً تحت عنوان "المغرب وجبل طارق والتهديد العسكري لإسبانيا"، حذر فيه من التطور العسكري للمغرب.

وأفاد التقرير بأن "خطط المغرب لإعادة التسلح إلى جانب اعتراف الولايات المتحدة بمغربية الصحراء تمثل تحدياًً لوحدة الأراضي الإسبانية وللمصالح الاقتصادية الأوروبية".

وأضاف أن الاعتراف الأمريكي "يقوض النفوذ الذي تحتفظ به إسبانيا وفرنسا على المنطقة المغاربية"، محذراً من "التوسع الإقليمي" للمغرب، ومستدلاً بذلك بتصريحات العثماني حول سبتة ومليلية.

التقرير أظهر جانباً من المخاوف الإسبانية تجاه الرباط التي ربما تعززت بعد توقيع المغرب والولايات المتحدة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، على اتفاقية لتعزيز التعاون العسكري لمدة 10 سنوات، تمتد حتى 2030.

وعمل المغرب خلال السنوات الماضية على تحديث ترسانته العسكرية عبر عقد صفقات تسلح ضخمة مع عدة دول أبرزها الولايات المتحدة وفرنسا.

ووفق "معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام" (سيبري) فإن المغرب من أكثر الدول استيراداً للأسلحة على مستوى قارة إفريقيا خلال الفترة من 2016 إلى 2020، إذ استورد 0.9% من إجمالي واردات الأسلحة العالمية خلال تلك الفترة.

كما تشكل المناورات العسكرية بين الجيشين المغربي والأمريكي مصدر "إزعاج" آخر لإسبانيا، جرى آخرها قبالة السواحل المغربية بالمحيط الأطلسي في مارس/آذار المنصرم، بمشاركة المدمرة الأمريكية "يو إس إس بورتر"، إضافةً إلى مقاتلات F-16 ومروحيات حربية وغيرها.

وأعلنت إسبانيا قبل أيام أنها لن تشارك في مناورات "الأسد الإفريقي 2021" (الأكبر في إفريقيا) التي تجرى في المغرب بين 7 و18 يونيو/حزيران الجاري، بمشاركة 8 دول بينها الولايات المتحدة وبريطانيا.

وعام 2007 انطلقت لأول مرة مناورات "الأسد الإفريقي" بين المغرب والولايات المتحدة، إذ تقام سنوياً منذ وقتها بمشاركة دول أوروبية وإفريقية.



AA
الأكثر تداولاً