المستوى السياسي في إسرائيل وجّه الجيش للاستعداد لسيناريو ضربة أمريكية لإيران (AFP)
تابعنا

لم تُخفِ إسرائيل خشيتها من تغيّر السياسة الأمريكية في عهد جو بايدن تجاه ملفات عدّة، أهمها وأكثرها تعقيداً الملف النووي الإيراني، بل سارعت، وعلى لسان رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو, إلى التأكيد مراراً وتكراراً على خطورة العودة للاتفاق النووي مع إيران والذي انسحب منه الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، حليف إسرائيل الأوّل والأقرب.

ولا يستبعد الخبراء العسكريون والمحللون السياسيون الإسرائيليون، فرضية توجيه ضربة أمريكية لإيران قبل تسلم بايدن منصبه رسمياً في 20 يناير/كانون الثاني القادم، إذ يُرجِّحُ بعض المراقبين أن تستغل تل أبيب الصلاحيات التي ما زالت في يد ترمب لتوجيه ضربة لإيران تنهي بها أي أملٍ بالعودة إلى الاتفاق النووي الذي يرى نتنياهو أنَّه "غير منصف" ويمنح طهران مزيداً من القوة، والكثير من الوقت لتجهيز قنبلة نووية.

هجمة أمريكية متوقعة؟

وبعد زيارة له إلى تل أبيب، نجح وزير خارجية إدارة ترمب مايك بومبيو في عقد اجتماع بين نتنياهو وولي العهد السعودي محمد بن سلمان في مدينة "نيوم" الساحلية السعودية يوم الأحد الماضي، وهو الاجتماع الذي ما زالت مُخرجاته سرية لم يعلن عنها حتى الآن، بيد أن وسائل إعلام إسرائيلية تشير إلى أن المبحث الرئيس فيها إلى جانب التطبيع، كان "الخطر الإيراني"، إذ تشير صحيفة "يسرائيل هيوم" المقربة من نتنياهو إلى أن السعودية وإسرائيل باتتا على قناعة بأن إدارة بايدن تتجه للعودة للاتفاق مع إيران، ولذلك تسعيان إلى التأكيد على أنهما "تقفان في جبهة واحدة ضد الخطر الإيراني على المنطقة".

في السياق، كشف موقع "واللا" الإسرائيلي ما يؤكد الفرضيات التي وضعها خبراء السياسة والجيش، إذ أشار الموقع إلى أن المستوى السياسي في إسرائيل وجَّه الجيش للتجهز والاستعداد لسيناريو توجيه ضربة عسكرية أمريكية ضد إيران قبل مغادرة ترمب للبيت الأبيض.

ويشير الموقع نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين رفيعي المستوى وعلى علاقة بالأمر إلى أن "توجيهات المستوى السياسي للجيش لم تأتِ بسبب معلومات خاصة، إنّما بسبب الوضع الحساس الذي يعصف بالمنطقة قبل مغادرة ترمب".

وحسب المسؤولين، فإنَّ وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس تحدث هاتفياً مرّات عدة مع القائم بأعمال وزير الدفاع الأمريكي كريستوفر ميلر، "وكان محور الحديث الخطر الإيراني وكذلك الوضع في سوريا والتفاهمات الأمنية والعسكرية بين تل أبيب وواشنطن".

يقول المسؤولون الإسرائيليون إنه "في حال قررت إدارة ترمب توجيه ضربة لإيران فإن تل أبيب ستتلقى إشعاراً مسبقاً بذلك، وفي ظل الظروف الحالية وعدم وضوح المشهد، تم توجيه الجيش للاستعداد لمثل هذه الضربة لأن إيران قد ترد عسكرياً على إسرائيل بشكل مباشر من قبل مليشياتها في سوريا ولبنان".

رسائل إسرائيلية واستفزازات لإيران

يشار إلى أن جيش الاحتلال الإسرائيلي قصف مواقع قال إنها "إيرانية" في سوريا مرتين خلال الأسبوع الماضي، ويرى مراقبون في حديث لصحيفة يسرائيل هيوم أن "الهدف من الضربات هو تفعيل المزيد من الضغط على إيران في سوريا والتأكيد على أن إسرائيل ترصد كل شيء ومستعدة لأي مواجهة".

وتقول الصحيفة أيضاً "الرسائل التي توجهها تل أبيب من خلال القصف في سوريا ليست موجهة لإيران فحسب، بل إلى إدارة بايدن، إذ يرغب صناع القرار في إسرائيل بالتأكيد للإدارة الأمريكية الجديدة أن تل أبيب لن تتهاون مع إيران وأذرعها".

بعد أيام من إعلان فوز جو بايدن بالانتخابات الأمريكية، نشر المحلل العسكري لموقع واللا الإسرائيلي أمير بوحبوط تغريدة على حسابه في "تويتر"، كشف من خلالها أن الجيش يستعد ويتأهب قبل زيارة بومبيو لتل أبيب، "وهو ما يشير ربما إلى أن إدارة ترمب قد تنفذ أمراً ما ضد إيران في الدقيقة الـ90 لإجهاض مساعي إدارة بايدن لاتخاذ خطوات دبلوماسية تجاهها".

هل تجرُّ إسرائيل إيران للحرب؟

ويرى المحلل العسكري لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية عاموس هريئيل أن "إسرائيل تدرك أن خسارة ترمب للانتخابات قد تضعف أي مسعى لتوجيه ضربة لإيران، خاصة أن طهران تسعى إلى التهدئة مقابل إدارة ترمب في المرحلة الحالية إلى حين تسلم بايدن الذي تأمل أن يتبع منهجاً أقل وطأة تجاهها".

رغم ذلك، يشير المحلل العسكري إلى أن "جبهات عدة ما زالت مفتوحة مقابل إيران حالياً، ما من شأنه أن يخلق مبرراً لأي ضربة قد يوجهها ترمب، أهمها التوتر بين المليشيات والقوات الأمريكية في العراق، وكذلك المليشيات الإيرانية في سوريا وما تشكله من خطر على إسرائيل".

يذكر أن وسائل إعلام أمريكية كانت قد كشفت قبل أيام أن ترمب يدرس بشكل فعلي توجيه ضربة عسكرية لموقع نووي إيراني.

من جانبه، يؤكد المحلل السياسي لموقع "ماكور ريشون" الإسرائيلي نوعام أمير أن "الجيش والأجهزة الأمنية الشاباك والموساد يتوقعون أنه في حال تمّ تجميد السياسة التي اتبعها ترمب مع إيران، فإن طهران ستتلقى دعماً يعيد إليها النبض من جديد والطموح الذي يساعدها على اتخاذ خطوات ضد إسرائيل" .

في حين تشير صحيفة "يديعوت أحرونوت" إلى أن دوائر صنع القرار في إسرائيل باتت تخشى من أن التساهل مع إيران "سيجر المنطقة إلى حرب"، لافتة إلى أن الموضوع الأكثر إلحاحاً لدى المسؤولين في تل أبيب الآن هو "الاتفاق النووي مع إيران".

وتضيف "بايدن كان قد صرَّح غيرَ مرّة سابقاً أنه في حال عادت إيران مجدداً لمخرجات الاتفاق النووي فإن الولايات المتحدة سوف تنضم إليه مجدداً وقد تزيل العقوبات عن طهران، وهذا قد يفضي فعلياً إلى مفاوضات إيرانية أمريكية تطيل عمر الاتفاق"، مشيرة إلى أن إسرائيل سوف تضغط من أجل عدم التساهل مع إيران او إظهار الضعف أمامها.

خيار الحرب يتلاشى.. ماذا تفعل إسرائيل؟ 

وفي الوقت الذي تتحدث فيه أواسط إسرائيلية وتستعد لضربة عسكرية محتملة ضد إيران، يرى محللون وخبراء أن على إسرائيل الاستعداد لمرحلة أخرى، وهي مرحلة "تهاون" أمريكي تجاه إيران.

يقول الصحفي إيتمار آيخنر في مقال نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية إن "التقديرات الإسرائيلية تشير إلى أن بايدن قد يسعى إلى اتباع سياسة قريبة من سياسة أوباما، ولكن قد يسعى أيضاً إلى تجديد بنود الاتفاق، والخشية هي أن يرفض الإيرانيون أي تعديل على الاتفاق، والثمن سيكون حينها هو أن تزول العقوبات عن إيران بلا مقابل".

ويضيف أن "إسرائيل سوف تكون مضطرة إلى إقناع إدارة بايدن بخطورة الاستسلام لإيران".

وينقل عن مصدر إسرائيلي مطّلع قوله: "قضية إيران هي أكثر القضايا إلحاحاً بالنسبة لإسرائيل، سياسة ترمب كانت تتمثل بالضغط الأقصى على طهران، تل أبيب ستحاول إقناع الولايات المتحدة بأنه في حال أرادت إعادة إيران إلى اتفاق نووي جديد فإن ذلك لن يتحقق إلا بالعقوبات".

ويقول المصدر "خوفنا ينبع من فرضية إعادة بايدن الوضع إلى ما كان عليه، وأن تذهب إيران بكل قوة إلى تخصيب اليورانيوم من منطلق الثقة بأن بايدن لا يحبذ مواجهاتها خاصة عسكرياً، هذا من شأنه أن يجرَّ المنطقة إلى مواجهات عسكرية بين إسرائيل وإيران، خاصة إذا رأت إسرائيل أن الحل العسكري هو الحل الوحيد لإجهاض الحلم النووي الإيراني".

ويلفت الصحفي إيتمار آيخنر إلى أنَّ تقديرات دوائر صنع القرار بإسرائيل تشير إلى أن بايدن قد يذهب باتجاه إطالة عمر الاتفاق النووي إلى عشرات السنوات، " قد تعمل إسرائيل على إقناعه بأن الوقت ملائم للضغط على إيران في ظل تدهور اقتصادها وعدم وقف العقوبات".

الدبلوماسية هي الحل !

وتنصح دراسة أعدها الباحثان سيما شايان وروز تشيمت لمركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، المسؤولين في الحكومة الإسرائيلية بأن يأخذوا على محمل الجد نيّة بايدن وإدارته التفاوض مع إيران "كطريقة لحل الأزمة النووية وإجهاض طموحاتها".

وتضيف "من الأفضل أن تسعى إسرائيل إلى اتخاذ خطوات دبلوماسية تجاه الأزمة مع إيران، وأن تحاول تحقيق أمنها بشتى الوسائل والطرق غير مستبعدة الحل السياسي والتفاوض والتوصل لاتفاقات".

وتشير إلى أن على إسرائيل أن تقنع إدارة بايدن بأن لا تتنازل عن العقوبات المفروضة على إيران مقابل المفاوضات فحسب ولا حتى مقابل العودة للاتفاق النووي بنسخته القديمة، بل العمل على تعديل بنود الاتفاق بشكل واضح".

وتنصح الدراسة الحكومة الإسرائيلية بعدم اتخاذ خطوات غير سليمة بالتعاون مع إدارة ترمب في آخر عهدها "لعدم تشويش العلاقات مع الإدارة الجديدة وكسر جسور الثقة بين تل أبيب وواشنطن".

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً