بث التلفزيون الإيراني الحكومي صوراً لما قدمه على أنه القمر الصناعي الذي وضعه على صاروخ لإطلاقه (Reuters)
تابعنا

في الوقت الذي ينشغل فيه العالم بمحاربة فيروس كورونا، وبعد أن هدأ التصعيد بين إيران والولايات المتحدة لبرهة من الزمن، أعادت حادثتان إحياء التوتر بين البلدين، فبعد أيام من مضايقة قوارب الحرس الثوري الإيراني عدداً من السفن الأمريكية في مياه الخليج، جاء إعلان إيران نجاحها في إطلاق قمر صناعي عسكري، ليزيد المخاوف ويدفع الإدارة الأمريكية إلى التهديد والوعيد.

ويجد التصعيد الجديد أسبابه أيضاً في المضايقات الاقتصادية التي تشكو منها إيران، بعد أن رفضت الولايات المتحدة أن تسمح لطهران بالحصول على قرض من صندوق النقد الدولي لمواجهة كورونا، في الوقت الذي يبدو فيه أن حرب أسعار النفط هدأت قليلاً بعد التهديد الأمريكي لإيران.

إطلاق قمر صناعي

أكد الحرس الثوري الإيراني الأربعاء، نجاح إطلاق القمر الصناعي "نور 1"، مثنياً عبر موقعه على الإنترنت على "نجاح كبير تسجله الجمهورية الإسلامية، وتطور جديد في مجال الفضاء".

وكتب موقع الحرس الثوري "سباه نيوز" أن القمر "نور 1" قد "استقر في مداره حول الأرض على ارتفاع 425 كيلومتراً".

وبث التلفزيون الحكومي صوراً لما قدمه على أنه القمر الصناعي الذي وضعه على صاروخ لإطلاقه الأربعاء.

وقال وزير الاتصالات الإيراني محمد جواد أزاري جهرومي الأربعاء، إنه زار موقع الإطلاق قبل ثلاثة أسابيع، وأشاد "بالإنجاز الوطني العظيم"، معرباً عن "تهانيه الخالصة للقوة الجوفضائية" لدى الحرس الثوري.

ونددت إسرائيل في بيان، بما اعتبرته "واجهة لتطوير إيران تقنيات بالستية متطورة"، لافتة إلى أن في العملية خرقاً للقرار 2231 الصادر عن مجلس الأمن الدولي.

ويدعو القرار إيران إلى "الامتناع عن القيام بأي نشاط يتعلق بالصواريخ البالستية المصممة لحمل رؤوس نووية، بما في ذلك تلك التي تستخدم فيها تكنولوجيا الصواريخ البالستية".

من جهته، اعتبر وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو أن الخطوة الإيرانية "تتعارض" مع قرار مجلس الأمن، وتثبت أن الولايات المتحدة كانت "محقة" بالتنديد بالبرامج المقنعة لإطلاق "الصواريخ"، وأضاف: "تجب محاسبة إيران".

بدوره، رأى نائب وزير الدفاع الأمريكي ديفيد نوركيست أنه "يوجد حدود وخطوط لا يجب تخطيها، إذا كانوا لا يرغبون في مواجهة العواقب"، في إشارة إلى المسؤولين في طهران.

مضايقات في مياه الخليج

يأتي ذلك في ظل تصعيد جديد بين الطرفين، إذ وضعت حادثة جديدة سفناً تابعة للبحرية الأمريكية وقوارب للحرس الثوري وجهاً لوجه في 15 أبريل/نيسان في مياه الخليج، فيما اتهمت وزارة الدفاع الأمريكية حينها طهران بالقيام "بمناورات خطيرة" في البحر.

في هذا الصدد، أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الأربعاء، أنه أعطى الأمر بـ"تدمير" أي قطعة بحرية إيرانية "تستفز" السفن الأمريكية في الخليج على إثر الحادثة.

وردّاً على تهديد ترمب، قال المتحدث باسم القوات المسلحة الإيرانية الجنرال أبو الفضل شكرجي إن الأجدى للرئيس الأمريكي أن "ينقذ" الولايات المتحدة من "أزمة" فيروس كورونا، بدلاً من أن يتوعّد إيران.

وأضاف: "إذا كان الأمريكيون يتحلّون بالحنكة، فإنهم سيسحبون جنودهم من الشرق الأوسط، لإنقاذهم من فيروس كورونا الذي يتهدّدهم هناك، قبل تعبئة بقية قواتهم في الولايات المتحدة لإنقاذ شعبهم من الأزمة الكبرى التي تضرب البلاد"، حسب وكالة "إسنا" شبه الرسمية.

من جهته، قال وزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي الخميس، إن قوات بلاده على استعداد للرد على أي تهديد في المستقبل، مشيراً إلى أن "قطاع الصناعة الدفاعية يعمل بكل طاقته لإنتاج معدات متطورة وحديثة" لرفع جاهزية الجيش الإيراني، حسب ما نقلت وكالة “فارس” الإيرانية.

وتقول واشنطن إن 11 زورقاً سريعاً تابعاً للحرس الثوري الإيراني "اقتربت بشكل كبير وبسرعة كبيرة" من سفن أمريكية تقوم بدوريات في الخليج.

ومن جهة أخرى قال علاء الدين بروجردي عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان الإيراني، إنه في حال ارتكب الرئيس الأمريكي أي حماقة ضد إيران، سيتلقى رداً أقسى مما تلقاه في قاعدة "عين الأسد".

وأضاف بروجردي أن "زمن اضرب واهرب قد ولى"، مشيراً إلى أنه "في حال ارتكبت الولايات المتحدة أي خطأ، يوجد العديد من الأهداف داخل المنطقة وخارجها في مرمى الصواريخ الإيرانية".

وقال بروجردي إن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب يدعي أنه يمتلك أكبر قوة في العالم، لكنه أثبت أنه يمتلك أضعف إدارة في العالم لمكافحة فيروس كورونا ويسعى اليوم إلى صرف أنظار الرأي العام العالمي، لافتاً إلى أن ترمب قلق بشأن انتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة وأخفق في تحقيق شعاراته الاقتصادية والنفطية أمام الشعب الأمريكي.

إحياء التوتر

الحوادث الأخيرة لا تقوم إلا بإحياء توتر كبير قائم مسبقاً، بعد أن تفاقم التوتر بين طهران وواشنطن منذ أن قررت إدارة ترمب في مايو/أيار 2018، الانسحاب من جانب واحد من الاتفاقية النووية الدولية مع إيران الموقعة في 2015، وإعادة فرض عقوبات اقتصادية شديدة على إيران.

وبلغ التوتر أشده بعد قتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني، في غارة أمريكية في بغداد في 3 يناير/كانون الثاني.

وقالت إدارة ترمب حينها إن الولايات المتحدة "أعادت تعزيز قدراتها الرادعة" ضد طهران، غير أن "صقور" واشنطن، على غرار مستشار ترمب للأمن القومي سابقاً جون بولتون، يرى في إطلاق القمر الاصطناعي "دليلاً" على أن الضغط الذي يمارس على إيران غير كافٍ.

وتأتي العملية الأخيرة بعد أكثر من شهرين على إطلاق إيران قمراً صناعياً أخفقت في وضعه في المدار في 9 فبراير/شباط، وأدانت فرنسا والولايات المتحدة إطلاق القمر حينها، واتهمتا طهران بالعمل على تعزيز خبرتها في مجال الصواريخ البالستية عن طريق إطلاق أقمار صناعية.

وتؤكد طهران التي تنفي التخطيط لامتلاك سلاح ذري، أن برامجها البالستية والفضائية قانونية ولا تنتهك القرار الأممي.

خلفيات التوتر الحالي

تؤثر العقوبات الأمريكية على قطاع النفط الإيراني، لكن أيضاً على قدرة طهران على مواجهة الوباء الذي تسبب فيه فيروس كورونا حسب إيران، عبر الحد من قدرتها على الاقتراض في السوق الدولية.

ويفترض نظرياً أن تكون السلع الإنسانية مثل الأدوية والمعدات الطبية على وجه الخصوص معفاة من العقوبات، لكن في الواقع تفضل البنوك الدولية رفض أي تحويل على صلة بإيران أياً كان المنتج المعني، خوفاً من التعرض للعقوبات الأمريكية الانتقامية.

وأعلنت إيران في مارس/آذار أنها طلبت من صندوق النقد الدولي خط ائتمان طارئاً يصل إلى نحو 5 مليارات دولار، لكن واشنطن التي تملك حق النقض في المؤسسة المالية وتشن حملة ممارسة "أقصى ضغوط" على إيران، قالت حتى الآن إنها لا تعتزم السماح بمثل هذا القرض، متهمة طهران باستخدام مواردها لتمويل "الإرهاب في الخارج".

وسجلت إيران رسمياً ما يقرب من 5400 وفاة بسبب فيروس كورونا المستجد ونحو 86 ألف إصابة، وهي أعلى حصيلة في الشرق الأوسط، ويقدر بعضهم سواء خارج البلاد أو داخلها أن هذه الأرقام أقل من الحقيقة، ويتحدثون عن ارتفاع عدد الوفيات أربع مرات إلى خمس، حسب وكالة الصحافة الفرنسية.

تأثّر أسعار النفط

في ظل تصاعد التوتر في الخليج، واصلت أسعار النفط ارتفاعها صباح الخميس، وهو ما طغى على انعكاسات انتشار فيروس كورونا الذي يؤدي إلى إضعاف الطلب ويغرق المنشآت بالمخزونات.

وبقيت الأسواق هادئة بعد التقلبات الحادة التي شهدتها في الأيام الأخيرة مع الانهيار التاريخي لأسعار الخام الأمريكي، الذي أرغم الوسطاء على أن يدفعوا للمشترين لإقناعهم بالحصول على سلعة لا أحد يريدها للمرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة.

وكان سعر برميل نفط غرب تكساس الوسيط تسليم يونيو/حزيران، ارتفع بنسبة 19% الأربعاء، بعد تصريحات ترمب الذي هدد "بتدمير" أي سفينة إيرانية تقترب بشكل خطير من سفن أمريكية في الخليج، المنطقة الأساسية لنقل النفط، حسب وكالة الصحافة الفرنسية.

ويرى المحللون أن التوتر الجيوسياسي بين طهران وواشنطن، لن يكون له تأثير طويل الأمد، إذا كانت نقاط التخزين ممتلئة.

وقال ستيفن إينيس الخبير الاستراتيجي في مجموعة "أكسيكورب"، إن "زيادة في الأسعار مرهونة فقط بتحرك فوري منسق لأوبك+ للحد من الانزلاق إلى الأسفل و/أو انتعاش كبير وغير مرجح للطلب في مايو/أيار".

واشنطن تقول إن 11 زورقاً سريعاً تابعاً للحرس الثوري الإيراني اقتربت بشكل كبير وبسرعة كبيرة من سفن أمريكية تقوم بدوريات في الخليج (Reuters)
العقوبات الأمريكية تحدّ من قدرة إيران على مواجهة الوباء الذي تسبب فيه فيروس كورونا (Reuters)
TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً