ترقب حذر تعيشه تل أبيب وطهران بخصوص احتمالية عودة إدارة بايدن للاتفاق النووي الذي انسحب منه سلفه ترمب (AA)
تابعنا

شهدت الساعات الأخيرة تصريحات تصعيدية من الجانبين الإسرائيلي والإيراني، تمثّل كما يرى مراقبون رسائل غير مباشرة إلى إدارة الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن الذي يُنتظر منه تبني سياسات مختلفة عن تلك التي انتهجها سلفه الجمهوري دونالد ترمب في التعامل مع الملف الإيراني.

مواجهة محتملة في لبنان وغزة؟

على غرار تصريحات أطلقها قبل نحو أسبوعين، قال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي بلهجة أوضح هذه المرة، إن جيش بلاده يجدد خطط العمليات المرسومة استعداداً لمواجهة محتملة مع إيران، وحدد الجنرال الإسرائيلي أهداف تلك العمليات بأنها ستكون في لبنان وقطاع غزة حتى وإن كانت في "الحيّز الحضري".

عودة (الولايات المتحدة) إلى الاتفاق النووي الموقع بين إيران والدول الست الكبرى عام 2015، حتى وإن جرى تعديل الاتفاق، أمر سيئ وخاطئ على الصعيدين العملياتي والاستراتيجي

أفيف كوخافي - رئيس أركان الجيش الإسرائيلي

وقال كوخافي في خطاب ألقاه في معهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب، إن "عودة (الولايات المتحدة) إلى الاتفاق النووي الموقع بين إيران والدول الست الكبرى عام 2015، حتى وإن جرى تعديل الاتفاق، أمر سيئ وخاطئ على الصعيدين العملياتي والاستراتيجي".

واللافت أن تلك التصريحات المتعلقة بصنع القرار في واشنطن، لم تصدر عن مسؤول سياسي في تل أبيب وإنما خرجت من قمة هرم المؤسسة العسكرية، وهو أمر نادر الحدوث، ويرى مراقبون أنه حدث بموافقة الحكومة الإسرائيلية، ربما لإكساب الرسالة مزيداً من القوة.

وفي إشارة إلى تخفف طهران من التزاماتها التي حددها الاتفاق النووي واتخاذها مؤخراً خطوات متسارعة في هذا الصدد، قال كوخافي إن ما يفعله الإيرانيون يؤكد أن بمقدورهم "المضي قدماً وبسرعة نحو تصنيع أسلحة نووية".

وتابع: "في ضوء هذا التحليل الأساسي، وجّهت قوات الدفاع الإسرائيلية إلى إعداد مجموعة من الخطط العملياتية إضافة إلى ما لدينا بالفعل"، مستدركاً بأن "اتخاذ قرار بشأن التنفيذ سيعود بالطبع للقيادة السياسية لكن تلك الخطط يجب أن تكون على الطاولة".

تصريحات رئيس الأركان الإسرائيلي تزامنت مع تحذيرات أطلقها مسؤول آخر هو مندوب تل أبيب لدى الأمم المتحدة وسفيرها في واشنطن جلعاد إردان أمام مجلس الأمن، بخصوص "العواقب السيئة" التي ستجلبها عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي، داعياً اتخاذ إجراءات فورية ضد "الانتهاكات الإيرانية".

شد وجذب إيراني

في المقابل، تعتمد طهران سياسة ذات بعدين في توجيه رسائلها إلى إدارة بايدن، فهي من جهة تواصل بشكل متسارع اتخاذ خطوات باتجاه التخفف من التزاماتها المنصوص عليها في الاتفاق النووي، ومن جهة أخرى تدعو الإدارة الأمريكية الجديدة للتراجع عن العقوبات التي توسّع ترمب في فرضها على إيران للدرجة القصوى، وبدء محادثات رامية إلى إعادة إحياء اتفاق 2015.

وفي هذا الصدد، هددت طهران بوقف عمليات التفتيش المفاجيء التي تجريها الوكالة الدولية للطاقة الذرية على المنشآت النووية الإيرانية، وفقاً لما نص عليه بروتوكول إضافي يوفِّر للمفتشين حرية واسعة النطاق للاطلاع على معلومات حول الأنشطة النووية الإيرانية والقدرة على تفتيش أي موقع يرون ضرورة تفتيشه للتحقق من أن هذه الأنشطة سلمية.

وقال علي ربيعي المتحدث باسم الحكومة الإيرانية، إن أولى الخطوات لتقييد عمليات التفتيش المرتبطة بالبروتوكول الإضافي ستبدأ في الأسبوع الأول من شهر إسفند في التقويم الفارسي الذي يبدأ في 19 فبراير/شباط المقبل.

وأضاف ربيعي في مؤتمر صحفي نقله التلفزيون الرسمي: "قانوننا واضح جداً في ما يتعلق بهذا الأمر.. لكنه لا يعني أن إيران ستوقف أعمال تفتيش أخرى تنفِّذها الوكالة الدولية للطاقة الذرية".

من جهته أكّد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف مجدداً إمكانية تراجع بلاده عن انتهاكاتها للاتفاق حال رُفعت العقوبات الأمريكية، وقال في مؤتمر صحفي بموسكو: "إذا اتُّخذت الإجراءات المطلوبة قبل هذا الموعد.. لن تتدخل إيران في عمل مفتشي الوكالة وفقاً للبروتوكول الإضافي".

وفي وقت لاحق قال ظريف على تويتر، إن واشنطن يجب عليها أن تتخذ الخطوة الأولى، وأضاف أن "الولايات المتحدة هي التي نقضت الاتفاق بلا مبرر.. لا بد أن تصحح خطأها ثم يكون على إيران أن ترد".

يُذكر أن طهران استأنفت في يناير/كانون الثاني الجاري، تخصيب اليورانيوم بنقاء درجته 20% في منشأة فوردو النووية تحت الأرض وهو المستوى الذي كانت قد وصلت إليه قبل إبرام الاتفاق النووي مع الدول الكبرى.

الموقف الأمريكي

لم تتضح حتى الآن المقاربة التي تعتزم إدارة بايدن تبنيها في التعامل مع الملف الإيراني؛ فبالتأكيد سيختلف الأمر كثيراً عن الطريقة التي تعاملت بها إدارة ترمب مع الملف، لكن أنتوني بلينكن الذي أكد مجلس الشيوخ الأمريكي الثلاثاء ترشيحه لمنصب وزير الخارجية في إدارة بايدن، قال إن الولايات المتحدة لا يزال أمامها "طريق طويل" قبل أن تتخذ قراراً بشأن العودة للاتفاق النووي الإيراني وإنها تحتاج إلي أن ترى ما فعلته إيران عملياً لتعاود الالتزام ببنود الاتفاق.

وعلى الرغم من تعهّدات بايدن خلال حملته الانتخابية بالعمل على إعادة إحياء الاتفاق النووي، فإن ربط ذلك بعودة طهران إلى التزاماتها السابقة المتعلقة بالحد من تخصيب اليورانيوم ووقف "أنشطتها العدائية" في المنطقة، وهو أمر ليس شديد السهولة كما يرى محررو صحيفة فايننشال تايمز، لا سيما مع اقتراب الانتخابات الإيرانية المقرر إجراؤها في يونيو/حزيران المقبل، والتي يمكن أن تأتي بالمحافظين إلى السلطة، ممَّا قد يُعقِّد مهمة بايدن.

وبالتالي يجب أن يُتعاطى مع الأمر بحذر لا سيما أن بايدن نفسه قال في مقالٍ نشرته "فورين أفيرز" في أبريل/نيسان الماضي، إنه ليست لديه أي أوهام بشأن النظام الإيراني "الذي شارك في زعزعة استقرار منطقة الشرق الأوسط، وقمع المتظاهرين بوحشية واعتقل الأمريكيين ظلماً"، مستدركاً ذلك بأن "هناك طريقة ذكية لمواجهة التهديد الذي تشكله إيران على مصالحنا، وهناك طريقة أخرى تؤدي إلى التدمير الذاتي.. وقد اختار ترمب الحل الثاني".

وعلى الرغم من التحذيرات من رفع سقف التوقّعات حول تحسن علاقة واشنطن بطهران بعد وصول بايدن إلى البيت الأبيض، بخاصة في ظل ما يراه البعض "تشدداً إيرانياً" في طلب تعويضات عن الفترة الصعبة التي عاشتها الجمهورية الإسلامية خلال الأعوام الأخيرة، يوجد ما يُشبه الإجماع على أن رحيل ترمب كافٍ لأن يكون بمثابة اختراق للأزمة التي راوحت مكانها خلال الأعوام الأربعة الماضية.

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً