اتفاق الرياض الذي وُقع بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي ما زال متعثراً (AA)
تابعنا

بينما تعلن السعودية عن أملها في محادثات سلام واسعة في اليمن، تتجه الأنظار نحو اتفاق الرياض الذي لم تُطبَّق بنوده بشكل كامل بعد مرور أسابيع على توقيعه في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، بين الحكومة المعترَف بها دوليّاً والمجلس الانتقالي الجنوبي، وبإشراف وساطات دولية عديدة وبرعاية قوات التحالف المدعومة سعوديّاً وإماراتيّاً.

الاتفاق ينصّ في بنوده الرئيسية على عودة الحكومة اليمنية إلى عدن خلال الأسبوع الأول من توقيع الاتفاق، وهو ما لم يحدث بشكل كامل.

السعودية تعتبر أن جهودها أثمرت بتوقيع اتفاق الرياض، إذ قال الملك سلمان بن عبد العزيز إن بلاده "تأمل أن يفتح اتفاق الرياض الباب أمام تفاهمات أوسع للوصول إلى حل سياسي للأزمة وفقاً للمرجعيات الثلاث ويتيح للشعب اليمني العزيز استشراف مستقبل يسود فيه الأمن والاستقرار والتنمية".

المملكة لا تنشد الحرب لأن يدها التي كانت دوما ممتدة للسلام أسمى من أن تلحق الضرر بأحد إلا أنها على أهبة الاستعداد للدفاع عن شعبها بكل حزم ضد أي عدوان

العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز

وبينما أعلن عن عودة رئيس الحكومة معين عبد الملك، إلى العاصمة المؤقتة عدن قادماً من الرياض، برفقة 5 من وزراء حكومته، اتضح لاحقاً أن عدداً من أعضاء الحكومة اليمنية مُنعوا من العودة إلى عدن، مما اعتبره مراقبون عودة منقوصة، وإخلالاً بأحد أهمّ بنود اتفاق الرياض، بما ينذر بانهياره.

وبعد ساعات من عودة رئيس الحكومة وعدد من الوزراء إلى عدن قال وزير التربية والتعليم في الحكومة اليمنية إنه مُنع من العودة، لكنه لم يُشِر إلى الجهة التي منعته، رغم كونه جنوبياً، وما إذا كان المجلس الانتقالي الجنوبي يقف خلف هذا المنع أم أطراف في التحالف.

منعونا اليوم من العودة إلى الوطن !

Posted by ‎وزير التربية والتعليم/ الجمهورية اليمنية‎ on Monday, 18 November 2019

من جانبه طالب الاتحاد الأوروبي "جميع الأطراف اليمنية المعنية بالامتثال بأحكام الاتفاق وإبداء التعاون بإخلاص على أرض الواقع لضمان تنفيذ الاتفاق بسلاسة وفي وقته"، معتبراً ذلك تطوراً هامّاً وخطوة أولى في تنفيذ اتفاق الرياض.

عودة منقوصة

وفي الوقت المتوقَّع أن يؤدي فيه التنفيذ الكامل للاتفاق إلى تمهيد الطريق أمام اتفاق سياسي شامل للنزاع برعاية الأمم المتحدة، يرى محللون أن ما جرى تنفيذه حتى الآن من الاتفاق يُعتبر شكليّاً.

وقال الكاتب الصحفي ومدير تحرير صحيفة "المصدر" اليمنية علي الفقيه، إن العودة المنقوصة للحكومة اليمنية جاءت "بهدف حفظ ماء الوجه وتوجيه رسالة بأن اتفاق الرياض نجح وأنه في طريقه إلى التنفيذ".

ويرى الفقيه في حديث لوكالة الأناضول، أنه "لن يترتب على هذه العودة أي شيء إلا أن تصبح الحكومة مسؤولة أمام المواطنين عن توفير الخدمات باعتبارها موجودة"، لافتاً إلى أن موضوع انعدام الرواتب والخدمات كان يُحرِج القوة المسيطرة على الأرض "المجلس الانتقالي الجنوبي".

وتشعر السعودية أن تنفيذ اتفاق الرياض يشكل تحدِّياً لها، وبالتالي تدفع بكل ثقلها إلى المضي في تنفيذ بنوده ولو اقتصر التنفيذ على الجانب الشكلي، حسب الفقيه.

الكاتب الصحفي ورئيس تحرير موقع "يمن مونيتور" محمد الشبري، يوافق الفقيه الرأي، إذ يقول في تصريحات لوكالة الأناضول إن "العودة المنقوصة للحكومة اليمنية إلى عدن بمثابة انقلاب واضح على اتفاق الرياض الذي رعته السعودية باعتبارها قائدة التحالف لدعم الشرعية في اليمن"، معتبراً أن "العودة المنقوصة للحكومة تعني انتصاراً كبيراً للجماعات المسلَّحة، وتهشيماً لما تبقى من صورة الشرعية لدى اليمنيين".

ويؤكّد الشبري وجود ضغط إماراتي قوي لتمكين الجماعات المسلحة التي تدعمها أبو ظبي، ويأتي المجلس الانتقالي في صدارة تلك الجماعات، مرجحاً أن الإمارات تقف وراء تحول الانتقالي إلى ندّ للحكومة الشرعية، وفصيل يتفاوض معها ويقتسم النفوذ مثله مثل الحوثي تماماً الذي ينازع الحكومة صلاحياتها".

اتفاق لا يُعَوَّض

في المقابل ترى الحكومة اليمنية أن الاتفاق إيجابي ويجب تطبيقه، معتبرة أن عودتها إلى عدن إيفاء بأول استحقاقات الاتفاق، حسب تصريحات رئيس الحكومة اليمنية معين عبد الملك، خلال اجتماع له.

وأشار رئيس الحكومة اليمنية إلى أن "اتفاق الرياض ليس انتصاراً لطرف على آخر، وكل من يحاول تقديمه بهذه الصورة إنما يعبّر عن فهمه القاصر وسوء نيته"، مؤكّدًا أن "الاتفاق مكسب للدولة وللشعب اليمني ولكافة القوى السياسية والاجتماعية، وغايته توحيد كافة القوى والجهود داخل بنية الدولة وتحت لوائها".

معركتنا واحدة في استعادة الدولة وإجهاض المشروع الإيراني الخبيث في اليمن والمنطقة، ولن نقبل أن يُزَجَّ بنا في معارك جانبية

رئيس الحكومة اليمنية - معين عبد الملك

ودعا رئيس الوزراء اليمني إلى عدم تفويت الفرصة في تنفيذ اتفاق الرياض "التي لن تتكرر" حسب وصفه.

لعبة المتغيِّر والثابت

وحسب مراقبين، قد يتأخر تنفيذ اتفاق الرياض مثلما تأخر التوقيع عليه، "وهي حالة مكرَّسة في الذهنية اليمنية، تراكمت طوال سنوات، وهو هاجس تجارب اتفاقات سابقة ومشابهة آلت إلى الفشل والتعثُّر في حدِّها الأدنى، إن لم تتصاعد إلى حالة عنف، حسب الكاتب اليمني علوي بن سميط.

ويعوّل بن سميط في مقال له بجريدة الأيام اليمنية، على "حالة الضمان في تنفيذ الإجراءات لهذا الاتفاق المتمثلة في قوة التحالف بالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة باعتبارهما مَن صاغا الوثيقة ووصلا بها إلى حد التوقيع".

ويدّعي الجميع أنه منتصر من وجهة نظره، حسب بن سميط، "فالشرعية بمفهومها إنها أوقعت الجنوبيين وصرفت نظرهم وتفكيرهم من استعادة دولتهم وأنهم بهذا التوقيع لعبوا لعبة المتغير لتحقيق ثوابتهم استعادة دولة الوحدة اليمنية في شكلها الجديد (اليمن الاتحادي)، إلا أن هذا الأمر في القريب المنظور أشبه بالمثالية".

في المقابل استطاع "الانتقالي الجنوبي أن يتلاعب سياسيّاً بالمتغير وصولاً إلى الثابت، أي الهدف باستعادة الدولة الجنوبية وتحقيق المصير، وهو هدف يلتقي فيه وبه مع المكونات الجنوبية الأخرى التي تسعى لتلك الغاية" حسب بن سميط.

TRT عربي
الأكثر تداولاً