تعتبر الاحتجاجات الأكبر التي يشهدها لبنان منذ أعوام (Reuters)
تابعنا

مع فرض الحكومة اللبنانية ضرائب جديدة على المواطنين، في بلد تتزايد فيه الأزمة الاقتصادية التي باتت عبئاً على المواطنين، تفجرت حالة غضب كبيرة ساخطة على الواقع ومطالِبة بإسقاط الحكومة، تُرجمت بخروج مظاهرات لا تزال مستمرة لليوم الثاني على التوالي.

وبعدما شهد ليل الخميس وفجر الجمعة مواجهات مع القوى الأمنية في العاصمة بيروت، نزل آلاف المحتجين إلى الشوارع في المدن والمناطق الرئيسية في لبنان، منذ ساعات الصباح الأولى، وعملوا على قطع الطرق الرئيسية في البلاد، لا سيما الطريق السريع الساحلي والطريق الدولي مع سوريا بالإطارات المشتعلة والحواجز الإسمنتية.

وتعتبر هذه الاحتجاجات الأكبر التي يشهدها لبنان منذ أعوام، وتختلف عن سابقتها بمشاركة كل أطياف الشعب فيها من مختلف الطوائف والدوائر، موجهين انتقادات إلى جميع الزعماء السياسيين مسلمين ومسيحيين دون استثناء.

ونتيجة لهذا التوتر في الشارع اللبناني، قرر مجلس الوزراء اللبناني في بيروت إلغاء جلسة الحكومة التي كانت مقررة الجمعة، حسب مراسل TRT عربي.

ونقل المراسل عن مصادر مطلعة قولها إن عدداً من الوزراء اللبنانيين سيقدمون استقالاتهم.

وكان من المرجح أن يعلن رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري استقالة الحكومة بعد خطابه مع الشعب حسب ما نقله مراسل TRT عربي عن مصادر مطلعة، إلا أنه لم يفعل، واكتفى بإمهالشركائه في الحكومة72ساعة لدعم الإصلاحات في لبنان متهماً بعضهم بتعطيل عمله.

وبرر الحريري غضب اللبنانيين قائلاً إنه"رد فعل طبيعي على فشل الأطراف السياسية في حل الأزمات الاقتصادية"، وأكد أن"البلاد تمر بظرف عصيب ليس له سابقة في تاريخ لبنان، ومن الضروري تغيير القوانين القديمة التي لا تتناسب والواقع الحالي".

من جانبها، قالت وزيرة الداخلية ريّا الحسن إنه"لا استقالة لرئيس الحكومة سعد الحريري في الوقت الراهن، لأن الاستقالة لا تحقق أي هدف"، وهذا ما وافقها عليه وزير الخارجية اللبناني جبران باسيلفي رده على دعوات المحتجين لاستقالة الحكومة، قائلاً"إن أي بديل للحكومة الحالية سيكون أسوأ بكثير".

وفي وقت سابق، أبدى ثلاثة رؤساء حكومة سابقين في لبنان(فؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي وتمام سلام) تفهمهم للاحتجاجات التي تشهدها البلاد، لكنهم رفضوا أي تصعيد وأبدوا دعمهم لرئيس الوزراء سعد الحريري.

اجتماع الطوائف

تخشى الطبقة السياسية في لبنان من الاحتجاجات الأخيرة لأن فيها ما يميزها عن ما سبقها، ويرجح الكاتب والمحلل السياسي أمين قمورية سبب الخشية، في أن الاحتجاجات شملت كل الفئات والطوائف اللبنانية.

ويقول قمورية لـTRT عربي، إنه لم يعد بإمكان الطبقة السياسية حماية نفسها بالطوائف، مشيراً إلى أن الشعب اللبناني يريد أن يرى بعينه تحولات جديدة فعلاً لا قولاً فقط، وإعادة النظر بالعديد من القضايا من بينها قانون انتخابي جديد وإسقاط الحكومة والمجيء بحكومة انتقالية مختلفة بالكامل.

وفي سياق تأثير الاحتجاجات وتخوّف المسؤولين في لبنان، أعلن وزير الاتصالات اللبناني محمد شقير التراجع عن فرض رسم 20 سنتاً عن كل يوم استخدام لخدمة الواتساب، والتي أقرته الحكومة في إطار جلسات مناقشة موازنة العام 2020.

ويوافق الكاتب الصحفي اللبناني سمير منصور رأي قمورية، إذ يرى أن المحتجين أظهروا قوة كبيرة من خلال استبعادهم للأعلام الحزبية واقتصارهم على رفع العلم اللبناني.

ويقول منصور لـTRTعربي، إن الحريري أمام خيارين، إما أن يحصل على تسهيلات من الأطراف السياسية المشاركة في الحكومة أو يستقيل.

ويضيف"خيار الحصول على التسهيلات مرجح جداً لأن جميع الأطراف السياسية والكتل النيابية والحزبية بما فيهم خصوم سعد الحريري يدركون أنه في حال استقالته ليس من السهل تشكيل حكومة جديدة، وستغدو بحكومة تصريف أعمال محدودة الصلاحية".

من جانبه، حمّل المحامي والحقوقي اللبناني طارق شندب الحكومة الحالية والحكومات السابقة مسؤولية الأحداث في لبنان، مرجحاً استقالة الحريري بعد انتهاء مهلة72ساعة.

وقال شندب لـTRT عربي، إن إقدام رئيس الحكومة على الاستقالة أمر خطير ومخيف في الوقت الراهن، لأن رئيس الحكومة يتمتع بعلاقات اقتصادية وسياسية وشخصية مع دول العالم، ما يعطي طمأنينة لهذه الدول من أجل الاستثمار في لبنان، فوجوده هو مؤشرة قوة للحكومة، ولكن الأمر لا يكفي لأن الكثير من الفرقاء السياسيين يريدون الاحتفاظ به كشماعة لحفظ الحكومة ودعم لبنان مقابل الاستمرار في تمرير سياستهم وفرض أمر واقع.

وأضاف"الحاكم الفعلي على الأرض اللبنانية هو حزب الله، وهو يعاني ضيقاً مادياً وحصاراً اقتصادياًبخاصة من قبل الإدارة الأمريكية، لذلك رئيس الحكومة هو الوحيد الذي يستطيع أن يعطي قبول أمام دول العالم من أجل الاسثمار في لبنان".

إسقاط الحكومة

طالبت المواجهات التي تجددت الجمعة، بين متظاهرين في منطقة رياض الصلح في العاصمة بيروت وقوى الأمن المسؤولة عن حماية مقر رئاسة الحكومة اللبنانية، بإسقاط الحكومة.وأدت إلى إصابة4من المتظاهرين بإصابات طفيفة حسب وسائل إعلام محلية.وعمد بعض الشبان إلى رمي مفرقعات نارية على قوى الأمن، فيما قال الصليب الأحمر اللبناني إن قرابة30حالة إغماء عالجها أفراده جراء مواجهات رياض الصلح.

من جهتها، أعلنت قوى الأمن الداخلي(الشرطة)، أن عدد الإصابات بين عناصرها وصل إلى60في مختلف مناطق البلاد منذ مساء الخميس.

وتسببت الصدامات بين المحتجين وقوات الأمن وما تلاها من تصعيد في مقتل شخصين وجرح العشرات، حسب وكالة أسوشيتد برس.

وكُتب على إحدى اللافتات"نطالب بوقف رواتب جميع أعضاء البرلمان ورئيس الوزراء والوزراء، يسقط اللصوص"، حسب وكالة رويترز.

وجاءت الاحتجاجات تلبية لدعوات عبر مواقع التواصل الاجتماعي انتشرت عقب إعلان الحكومة تضمين ضرائب جديدة في موازنة العام القادم تطال قطاع الاتصالات المجانية عبر الهاتف الخلوي، وغيره، بهدف توفير إيرادات جديدة لخزينة الدولة.

ونشرت صحف محلية قرارات حكومية بفرض ضريبة على مكالمات واتساب تصل إلى نحو6دولارات شهرياً، بالإضافة إلى رفع الضريبة على القيمة المضافة من11إلى14%.

ودعا ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي إلى استمرار التحركات حتى إسقاط الحكومة، التي تفرض عليهم الضرائب في ظل معاناتهم أزمة اقتصادية تضرب البلاد منذ فترة.

ويواجه لبنان تحديات اقتصادية، تتمثل في تراجع المؤشرات الاقتصادية وارتباك سوق الصرف المحلية، وتذبذب وفرة الدولار، وارتفاع سعر الصرف في السوق السوداء فوق1650ليرة/دولاراً، مقابل 1507 رسمياً.

نصائح باستقالة الحكومة

قال رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط فجر الجمعة، إنه اقترح على الحريري أن يستقيلا سوياً من الحكومة، عقب اندلاع احتجاجات رفضاً لفرض ضرائب جديدة.

وحث سمير جعجع زعيم حزب القوات اللبنانية المسيحي الماروني الحكومة على الاستقالة مع استمرار الاحتجاجات، متهماً النخبة السياسية بالمسؤولية عن الأزمة الاقتصادية.

وكتب جعجع على حسابه بموقع تويتر"أفضل ما يمكن أن يقدمه الرئيس سعد الحريري في هذه اللحظات الحرجة والعصيبة هو تقديم استقالة هذه الحكومة تمهيداً لتشكيل حكومة أخرى مختلفة تماماً وجديدة تماماً تستطيع قيادة عملية النهوض الاقتصادي المطلوبة في البلد".

ويبدو أن الحكومة اللبنانية بدأت تتخوف من غضب الشارع، محاولة امتصاص غضبه، فقد تحدث وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل الجمعة، بلهجة مخففة تحاول احتواء الشارع، قائلاً إن على الحكومة عدم فرض أي ضرائب جديدة وأن تعمل على وقف الفساد وتنفيذ إصلاحات طال تأجيلها، محذراً من أن الاحتجاجات الحاشدة قد تؤدي إلى فتنة.

وتقول وكالة رويترز إن الاحتجاجات جاءت في وقت يحذر فيه خبراء اقتصاد ومستثمرون ووكالات تصنيف ائتماني من أن الاقتصاد اللبناني المثقل بالدين والنظام المالي المتخم بالفساد على شفا الانهيار أكثر من أي وقت مضى منذ الحرب التي اجتاحت البلاد في الثمانينيات.

وأضافت الوكالة"ضغط حلفاء أجانب على الحريري لإجراء إصلاحات تعهد بها منذ وقت طويل، لكنها لم تحصل أبداً بسبب مصالح شخصية، بدءاً بإصلاح بعض الأصول الحكومية".

ومع الحروب التي شهدها لبنان بين عامي1975و1990، لا يزال يعاني من أحد أعلى معدلات الدين العام في العالم بالنسبة لحجم الاقتصاد، إذ تضرر النمو الاقتصادي بسبب النزاعات وعدم الاستقرار في المنطقة، وبلغ معدل البطالة بين الشباب أقل من35عاماً37%.

وأدى تباطؤ تدفقات رأس المال إلى لبنان إلى تفاقم الأزمة، إذ تعتمد البلاد منذ أمد بعيد على التحويلات المالية التي يرسلها المغتربون لتلبية الاحتياجات المالية التي تشمل عجز الموازنة الحكومية، في وقت عجز فيه المستوردون عن توفير دولارات بسعر الصرف المحدد.

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً