الإمارات العربية المتحدة سعت ولا تزال منذ سنوات للسيطرة على زمام الأمور في جمهورية مصر العربية (Reuters)
تابعنا

سعت الإمارات العربية المتحدة ولا تزال منذ سنوات إلى السيطرة على زمام الأمور في جمهورية مصر العربية، إذ قدمت دعماً مالياً وسياسياً غير مسبوق لدعم عبد الفتاح السيسي في انقلابه على الرئيس المنتخب محمد مرسي، وصار لها بذلك شأن كبير في القاهرة التي تُعَدّ حليفة لها في محافل مختلفة.

وبينما تميز التحالف بين مصر السيسي وإمارات محمد بن زايد بقوته خلال السنوات الماضية، فإنه يصعب على أبو ظبي أن تحافظ على ولائها لحلفائها كما سبق وجرى مع السعودية في اليمن، إذ بدأت تتكشف مع الأيام بوادر خلاف إماراتي-مصري مردّه مساعٍ إماراتية للاستيلاء على مكانة مصر السياسية والاقتصادية، وصولاً إلى محاولة السيطرة على البلاد ضمن مخطط بعيد المدى من خلال التأثير في الجيل القادم.

إلى جانب ذلك، وفي ظل تقارب الإمارات مع إسرائيل، تسعى أبو ظبي لإقامة تحالفات سياسية واقتصادية مع تل أبيب من شأنها أن تسبب ضرراً بالغاً لمصر على أصعدة مختلفة، إذ يجري التنسيق لنقل النفط الإماراتي والسعودي عبر مواني إسرائيل بدلاً من قناة السويس من ناحية، في حين تحاول الإمارات سحب بساط التأثير الإقليمي من تحت مصر من ناحية أخرى.

كشفت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أن الإمارات تحاول شراء "الجيل القادم" في مصر عبر مناهج التعليم في المدارس، مشيرة إلى أن أبو ظبي قدّمت لمصر منذ عام 2015 نحو 100 مدرسة كان يُنظر إليها في السابق على أنها مجرد "هدية" من دولة صديقة.

وتقول الصحيفة في مقال تحت عنوان "الإمارات تشتري مصر"، إن "الإمارات لم تنظر إلى مدارسها في مصر على أنها مجرد هدية ودعم للشعب، بل كانت ترى فيها استثماراً من نوع آخر".

وتشير إلى أن "الاستثمارات الإماراتية في مصر تثير قلق كثيرين هناك، بخاصة الاستثمارات في مجال التربية والتعليم، والذين يخشون أن تكون الإمارات قادرة على تشكيل نخبة مصرية جديدة من خلال مدارسها".

الصحيفة الإسرائيلية توضح نقلاً عن تقارير صدرت في مصر، أن مواطنين كثراً قدّموا شكاوى مؤخراً لأعضاء في البرلمان حول الدورات التي يتلقاها أولادهم في المدارس، إلى جانب دورس التاريخ والجغرافيا والدين التي يشيرون إلى أنها "مقبولة من الإمارات لا مصر".

للمزيد إقرأ:

وتقول إن "آباءً أكدوا أن الدروس تنطوي على أخطاء كثيرة تتعلق بالوقائع التي تشوه التاريخ، بما يعني أن الأطفال "لن يتعرفوا على وطنهم وتاريخهم بشكل سليم".

وتنقل الصحيفة عن أعضاء في البرلمان المصري وإعلاميين مختلفين قولهم إن "هناك خشية من أن يكون كل ما يجري مؤامرة إماراتية لتشكيل هُوية الجيل القادم في مصر".

وحسب الصحيفة، فقد بدأت مؤسسة "جميس" المعنية بمجال التعليم والتي اشترى مركزها في الإمارات نِسَباً من مدارس خاصة في مصر بالتعاون مع شركة "هيرمس" المصرية، بدأت عام 2018 الانخراط في أعمال تجارية في مصر بشكل ينتهك القانون المصري نفسه، إذ اشترت نحو 50% من أسهم مدارس مختلفة، فيما لا يسمح القانون لشركات أجنبية بامتلاك أكثر من 20%.

وتوضح أن الشركة أكدت عزمها أيضاً استثمار نحو 300 مليون دولار في بناء 30 مدرسة خاصة بمصر مؤخراً.

وتقول إن "الإمارات تحاول السيطرة على مناحي الحياة المختلفة في مصر عبر سياسات أخرى بعيداً عن التربية والتعليم، إذ سعت للاستثمار في المستشفيات والمراكز الصحية، وشركات نفط وتحلية مياه، مؤكدة أن "السيسي لا يبدو متأثراً بما يجري".

التنافس الإقليمي

في سياق آخر، وضمن سلسلة تقارير حول العلاقات الإماراتية-المصرية، يقول المحلل السياسي لصحيفة "هآرتس" تسفي بار إيل في تقرير تحت عنوان "أبوظبي تتحول من حليفة لمصر إلى منافستها على التأثير الإقليمي"، إن "الإمارات تحاول سحب بساط التأثير من تحت مصر عبر وسائل مختلفة".

ويوضح: "لم يشارك الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في التوقيع على المصالحة الخليجية، واكتفى بإيفاد وزير خارجيته سامح شكري، في وقت تشير فيه تقارير من مصر إلى أن السيسي ممتعض من إزالة شرط إغلاق قناة الجزيرة وكذلك شرط تراجع قطر عن دعم الإخوان المسلمين من لائحة شروط المصالحة مع قطر".

ويشير إلى أن السيسي لا يستطيع معارضة مساعي السعودية لتحسين صورتها أمام الإدارة الأمريكية، "لذلك اختار عدم المشاركة في المصالحة مع قطر بشكل شخصي في مناورة سياسية معروفة"، لافتاً إلى أن مصر بدأت تشعر مؤخراً بأن حراكاً خليجياً يجري من دول مختلفة بخاصة الإمارات، لتحجيم دور مصر في الشرق الأوسط وكذلك أمام الإدارة الأمريكية.

يقول المحلل إن حالة "التوتر بين مصر والإمارات تفاقمت مع توقيع أبو ظبي اتفاق تطبيع مع تل أبيب، إذ إن السيسي لم يكُن طرفاً في المفاوضات التي أجراها محمد بن زايد في حينها".

وينقل عن جهات مصرية قولها: "السيسي ربما كان يعرف بعضاً مما يجري، لكنه لم يكُن متحمساً للخطوات الإماراتية، لأنه لطالما سعى لأن يحتفظ بمركزه الخاص، لكونه الجهة المعنية في الخطوات السياسية العربية تجاه إسرائيل من جهة، وخشية من أن يسحب الاتفاق البساط من تحت أرجل مصر، لكونها المدير الحصري للملف الإسرائيلي عربياً، ويحوّل الإمارات إلى "عرّاب السلام"، وهو لقب لطالما احتفظت به مصر من اتفاقية كامب ديفيد، وعليه تقوم علاقاتها مع الولايات المتحدة.

ويرى المحلل أيضاً أن التوتر بين مصر والإمارات يشمل ليبيا، "إذ ترصد مصر تراخياً إماراتياً مؤخراً تجاه دعم خليفة حفتر، وبوادر تخلٍّ عن ذلك والاستهانة ببقاء حكومة الوفاق الوطني، وفي حين تعتقد مصر أن حكومة الوفاق تشكّل خطراً عليها فإن الإمارات لا ترى بالحرب الليبية سوى ساحة لبسط نفوذها بالمنطقة".

ويقول إن "مصر غير مرتاحة نتيجة شعورها ببدء الإمارات فرض سيطرتها ونفوذها على المنطقة العربية وكذلك القرن الإفريقي، فالإمارات تعهدت بمساعدة إثيوبيا مؤخراً بثلاثة مليارات دولار كي تخرج من أزمتها المالية"، ويأتي ذلك في ظلّ التوتر بين أديس أبابا والقاهرة على خلفية سدّ النهضة الذي بلغ حد التهديد العسكري.

ويوضح أن "مصر طلبت من الإمارات الضغط على إثيوبيا بما يتعلق بسد النهضة واستخدام الضغط المالي لدفعها إلى تقبُّل شروط مصر والسودان، لكن الإمارات لم تقم قط بما هو كافٍ في هذا السياق.

إضافة إلى ذلك، حسب الصحيفة، تخشى مصر أن يتحول القرن الإفريقي إلى حاضنة للاستخبارات الإسرائيلية بفضل التعاون الاستخباراتي بين أبو ظبي وتل أبيب، كما أن الحديث المتزايد عن حراك إماراتي-إسرائيلي لحفر قناة مائية تربط إيلات بميناء حيفا وكذلك مساعي نقل نفط الخليج عبر مواني إسرائيل بدلاً من قناة السويس، "كل ذلك يزيد خشية مصر من تضررها سياسياً واقتصادياً".

TRT عربي
الأكثر تداولاً