أبو ظبي بمخزون نفطها الضخم نجت نسبياً من أزمة كورونا الاقتصادية في حين دمر الوباء اقتصاد دبي (Reuters)
تابعنا

في الوقت الذي لا تملك فيه موارد نفطية كالتي عند جارتها أبو ظبي، تضررت إمارة دبي بشكل لافت من الأزمة الاقتصادية التي تسبب فيها فيروس كورونا، خصوصاً أن اقتصادها الهش مبني على نموذج يعتمد أساساً على كون الإمارة مركزاً مالياً وتجارياً عالمياً، وممراً دولياً للبضائع والأشخاص، ويركّز على القطاع المصرفي، وقطاعات النقل الجوي والبحري، والتجارة والسياحة والبيع بالتجزئة والعقارات.

ومع دخول الأزمة التي تسبب فيها انتشار وباء فيروس كورونا عالمياً تأثّرت هذه القطاعات بالخصوص، لكونها تعتمد في الأساس على حرية حركة الأموال والبضائع والأشخاص أكثر من أي شيء آخر، وهو ما أصبح متعذراً مع إجراءات الإغلاق حول العالم وداخل إمارة دبي.

في المقابل أغلقت إمارة أبو ظبي أبوابها أمام باقي الإمارات الاتحادية، وحافظت على نوع من الاستقرار الجزئي في وجه الأزمة، إذ رغم أزمة كورونا وانخفاض أسعار النفط فإن الإمارة لجأت إلى صندوقها السيادي "جهاز أبوظبي للاستثمار" لتخفيف آثار الأزمة.

الإمارات "غير" المتحدة

بملصق ترحيب على جوازات السفر وإجراءات وقائية مشدّدة، فتحت دبي قبل أسبوع أبوابها من جديد أمام السياح الأجانب، على أمل إعادة إحياء قطاع السياحة فيها، بعد نحو أربعة أشهر من الإغلاق بسبب كورونا.

قبل ذلك بأسابيع كان حكّام دبي يرسمون خططاً لعودة السياحة وحركة المال والأعمال في البلاد تدريجياً، بعد أزمة اقتصادية خنقت شريان حياة الإمارة الوحيد، إذ إنها لا تعتمد على النفط، على النقيض من جارتها أبو ظبي.

ونشرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية تقريراً بعنوان "دبي وأبو ظبي المتنافستان تواجهان فيروس كورونا بطرق مختلفة"، تناولت فيه معاناة اقتصاد دبي، وابتعاد أبو ظبي عنها، لتتركها وحيدة في مواجهة أزمة اقتصادية خنقتها.

وقالت واشنطن بوست إنه في الوقت الذي بدأت فيه دبي بفتح أبوابها أمام السياح الأسبوع الماضي، "ظلّت بقية الإمارات العربية المتحدة مغلقة أمام الزوار، في تجسيد صارخ لتنافس الأولويات ضمن إمارات البلاد السبع، خصوصاً بين المتنافِسَيْن الرئيسين، دبي والعاصمة أبو ظبي".

وأضافت الصحيفة أن أبو ظبي بمخزون نفطها الضخم وصناعتها الهيدروكربونية نجت نسبياً من هذه الأزمة العالمية، في حين دمر الوباء دبي التي تعتمد على النقل الدولي والتجارة والعقارات وخصوصاً السياحة.

في هذا الصدد، قال الخبير في شؤون الخليج جيم كرين: إن "دبي تهاوت بعد إيقاف حركة السفر وفرض التباعد الاجتماعي، في حين ظلت أبو ظبي غير متأثرة بذلك تقريباً".

وأشارت الصحيفة إلى أن كثيراً من المراقبين يتنبؤون بأن الوباء سيقوّي من سلطة إمارة أبو ظبي على باقي الإمارات الاتحادية، في حين يبدو أن دبي تحاول أن تخطّ طريقها الخاص، خصوصاً أن تعويلها على دعم أبو ظبي المادي سابقاً دفعها إلى أن تكون تابعاً وراء قيادة أبو ظبي في خياراتها السياسية، ما دفعها إلى تحجيم وتقليص علاقاتها التجارية المربحة مع دول كإيران وقطر إرضاء لأبو ظبي.

أزمةٌ سابقة عمّقها الوباء

دبي التي لم تكد تتعافى من آثار الأزمة المالية لعام 2008، والتي كانت تحاول التعافي من اختناق اقتصادها بعد موجة هبوط أسعار النفط عام 2014، زادتها أزمة كورونا اختناقاً، وأغلقت في وجهها أبواباً أخرى، من قبيل طلب النجدة من أبو ظبي الغنية بالنفط.

فقبل انتشار الوباء ووصوله إلى الإمارات كانت دبي تعيش فعلاً أزمة اقتصادية، تمثّلت بالأساس في أزمة العقارات وفي صادرات الألمنيوم إلى الولايات المتحدة، وفي الضغط الأمريكي على إيران اقتصادياً، والتي كانت تعتبر شريكاً مهماً لإمارة دبي.

دبي تهاوت بعد إيقاف حركة السفر وفرض التباعد الاجتماعي في حين ظلت أبو ظبي غير متأثرة بذلك تقريباً

جيم كرين - خبير في شؤون الخليج (واشنطن بوست)

عن ذلك علّق في وقت سابق جون غامبريل، الصحفي المختص في شؤون الخليج وإيران، قائلاً إن قيمة سوق عقارات دبي كانت قد انخفضت بـ30٪ منذ عام 2014، وإن التعويل على حدث "إكسبو 2020" لإنعاشه بات معلقاً الآن، بعد تأجيل المعرض حتى عام 2021.

ويشير تقرير سابق نشرته أسوشيتد برس إلى أن التعريفات الجمركية التي فرضتها السلطات الأمريكية على الألمنيوم ذهبت بـ10.5٪ من صادرات دبي من هذا المعدن إلى أمريكا، كما أن الحرب التجارية التي أطلقتها إدارة ترمب على الصين هددت قطاع الشحن والنقل البحري في دبي، إذ إن 60٪ من صادرات الصين كانت تمر بأسواق دبي الحرة لتصل إلى أوروبا وإفريقيا لاحقاً.

ويبدو أن أزمة الوباء عرّت واقعاً سابقاً يظهر مدى ارتباط دبي بالتجارة العالمية، والاقتصاد المعولم الذي يدخل اليوم مرحلة الشكّ والمراجعة، وهو ما أكده في وقت سابق أنور قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات، بقوله إن مرحلة ما بعد الأزمة "ستطرح أسئلة عن العولمة"، خلال مشاركته في ندوة لـ"معهد بيروت".

من جهة أخرى لم يكن الواقع الجيوسياسي في المنطقة بمعزل عن أزمة دبي الاقتصادية، إذ يشير تقرير لـصحيفة فاينانشال تايمز إلى أن الأزمة تجد جذورها في أسباب عديدة منها الضغط المتزايد على إيران التي تعد شريكاً تجارياً مهماً لدبي، وكذلك تأثيرات الحصار على قطر الذي خفض ثقة المستثمرين العالميين.

بدورها أشارت مؤسسة كابيتال إيكونوميكس للأبحاث إلى أن دبي تعدّ "أكثر اقتصادات الشرق الأوسط هشاشة وتأثراً بإجراءات الإغلاق" التي تلت انتشار فيروس كورونا، وقالت المؤسسة في تقرير سابق لها إنها تعتقد أن "اقتصاد دبي سيتقلص بما لا يقل عن نسبة 5 إلى 6٪ هذه السنة".

ورغم أن الإمارة تخطّت نسبياً أزماتها السابقة فإن هذه الأزمة تبدو الأقوى، إذ قال تيم كلارك، رئيس شركة طيران الإمارات، إحدى كبرى الشركات المتضررة في الإمارة: إن "مجموع كل الأزمات التي واجهناها سابقاً لا يعادل ما نعيشه اليوم".

تضررت دبي بعد إيقاف السفر وحركة الطيران ومن ثم توقف السياحة التي تعدّ قطاعاً مهماً في الإمارة (Reuters)
TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً