المدن التونسية تشهد موجة واسعة من الاحتجاجات المنددة بتدهور الوضع الاقتصادي المتفاقم بسبب وباء كورونا والتدابير المتخذة ضده (AA)
تابعنا

بعد مرور عقد كامل من الزمان على اندلاع الثورة التونسية أواخر عام 2010، لا يبدو أن التحوّلات الجذرية التي طرأت على المشهد السياسي قابلتها تغيّرات مكافئة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، إذ تعاني البلاد أزمة اقتصادية متفاقمة زاد حدتَها تفشي وباء كورونا.

احتجاجات وعنف

لليوم الثالث على التوالي، شهدت تونس العاصمة ومدن تونسية أخرى، احتجاجات ليلية خرج فيها شباب اعتراضاً على الإجراءات الاحترازية المشددة التي فرضتها السلطات بهدف الحد من انتشار وباء كورونا، وتردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية.

واشتبك مئات الشبان مع عناصر الشرطة في أماكن متفرقة في وقت متأخر الاثنين، ورشقوها بالحجارة والقنابل الحارقة في العاصمة، فيما استخدمت قوات الأمن الغاز المسيل للدموع ومدافع المياه في محاولة لتفريق المحتجين.

وقال صحفيون من رويترز إن نحو 300 شاب اشتبكوا مع الشرطة في حي التضامن بالعاصمة، فيما تحدث مقيمون في القصرين وقفصة وسوسة والمنستير عن أعمال عنف في شوارع تلك المدن، كما وقعت مواجهات محدودة في نابل وباجة، إضافة إلى مناطق أخرى من العاصمة مثل الكرم والعمران والملاسين.

وتأتي أحداث الشغب والاحتجاجات في أعقاب الذكرى العاشرة للثورة التي جلبت الديمقراطية لكنها لم تجلب سوى قليل من المكاسب المادية لمعظم التونسيين وسط تزايد الغضب من تردي الخدمات العامة والبطالة المزمنة التي ارتفعت نسبتها من نحو 12% في 2010 إلى 18% العام الماضي.

ومع عدم وجود خطة واضحة للاحتجاجات أو قيادة سياسية أو دعم من الأحزاب الرئيسية، ليس من الواضح ما إذا كانت ستكتسب زخماً أم ستخمد كما حدث في العديد من جولات الاحتجاجات التي وقعت خلال الأعوام التالية لـ2011.

اعتقالات ودعوات للتهدئة

من جانبها، ردّت السلطات الأمنية على الاحتجاجات بشنّ حملة اعتقالات طالت 632 شخصاً حتى مساء الاثنين، وبررت الداخلية على لسان المتحدث باسمها خالد الحيوني تلك الاعتقالات، بما وصفته بـ"أعمال شغب في أنحاء البلاد شملت أعمال نهب وهجمات على الممتلكات".

في المقابل دعت منظمة العفو الدولية إلى ضبط النفس، واستشهدت بلقطات مصورة تظهر أفراداً من الشرطة يضربون ويجرّون أشخاصاً بعد احتجازهم، وقالت إن على السلطات أن تفرج فوراً عن حمزة نصري جريدي، وهو ناشط حقوقي اعتُقِل الاثنين.

أمّا الرئيس التونسي قيس سعيد فقد ناشد الشباب عدم التعرض لـ"الأعراض والممتلكات" خلال الاحتجاجات، محذِّراً ممن يسعى للمتاجرة بفقر المواطنين، و"هو لا يتحرك إلا في الظلام" بهدف "بثّ الفوضى".

وحذّر سعيد "ممن يسعى بكل الطرق إلى توظيفهم (المواطنين) والمتاجرة بفقرهم وبؤسهم، وهو لا يتحرك إلا في الظلام، وهدفه ليس تحقيق مطالب الشعب بقدر سعيه لبثّ الفوضى، ثم تجاهل الضحايا منهم"، دون توضيح المقصود بكلماته.

وتابع بأن "إدارة الشأن العام لا تقوم على تحالفات ومناورات، بل على قيم أخلاقية ومبادئ ثابتة لا يمكن أن تكون موضوع مساومة أو ابتزاز، كما لا يمكن أن تكون الفوضى طريقاً إلى تحقيقها".

فشل في استرجاع الأموال

بالإضافة إلى الأسباب الهيكلية للأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد، والتي فاقمها وباء كورونا والتدابير المتخذة لاحتوائه، فإن حالة من الإحباط العام تسود المجتمع التونسي الذي ظن كثير من أفراده أن مجرد القضاء على الاستبداد ومحاربة الفساد ستُترجَم إلى مكتسبات اقتصادية.

ويزيد الإحباطَ عدمُ قدرة الدولة التونسية على استعادة الأموال المهرّبة إلى الخارج خلال فترة حكم الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، لما كان يمكن أن يقدّمه ذلك لو حدث، من دفعة معنوية وإن لم يكن الأثر المادي المباشر كبيراً.

لا توجد إرادة سياسية حقيقية لاسترجاع الأموال المهرّبة، فمعظم من حكموا بعد الثورة كانت لهم مصالح مباشرة وغير مباشرة مع عائلة بن علي

مهاب القروي - عضو الهيئة التنفيذي لمنظمة "أنا يقظ"

فرغم مرور عقد على مطالب استرجاع الأموال المهربة، لم تسترجع تونس إلا مبالغ زهيدة مقارنة بحجم الأموال التي هُرِّبت، وذلك لأسباب عدّة وفق ما قاله مهاب القروي عضو الهيئة التنفيذية لمنظمة "أنا يقظ" للأناضول.

ويرى القروي أن أهمّ تلك العوامل يتمثل في "عدم وجود إرادة سياسية حقيقية لاسترجاع هذه الأموال، فمعظم مَن حكم بعد الثورة كانت له مصالح مباشرة وغير مباشرة مع عائلة بن علي".

ويضيف أن "الصعوبات الكبيرة التي واجهتها تونس في استرداد الأموال المنهوبة والمجمدة في أرصدة بنكية بعدد من الدول، كانت بسبب تعقيدات قانونية وتقنية، وعدم إبداء الدول التي تحتضن مصارفها الأرصدة المصادرة تعاوناً في هذا الشأن".

ويلفت القروي إلى أن عدم التعاون "أثّر في الإجراءات المتبعة"، موضحاً أن "الدول الأوروبية تعلل عدم رجعها الأموال المنهوبة إلى تونس، بعدم حصول الأحكام القضائية على صيغتها النهائية إلى الآن".

ويرجع ذلك وفق القروي، إلى "استمرار المتهمين في الفرار خارج البلاد، وتجنُّب مواجهة القضاء التونسي منذ نحو 10 سنوات رغم ضمانات المحاكمة العادلة التي أقرّتها الحكومة".

ومن الأسباب الأخرى التي أدّت إلى عدم التمكن من استرداد الأموال، حسب القروي، "تشتُّت مجهودات الدولة وعدم تركيز لجنة أو جهة واحدة على هذا الملف، الذي تتولى مسؤوليته في كل مرة وزارة أو جهة مختلفة، وآخرها إعلان الرئيس سعيد تشكيل لجنة جديدة من الرئاسة تُعنَى بملف الأموال المنهوبة المودعة في الخارج".

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً