بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات الأوروبية 51%، وهي النسبة العليا منذ 20 عاماً (AP)
تابعنا

شهدت انتخابات البرلمان الأوروبي في دورتها التي تُعقد كل 5 سنوات، إقبالاً غير مسبوق من الناخبين في شتى أنحاء الدول الأوروبية، بنسبة مشاركة بلغت 51%، وهي النسبة العليا منذ عشرين عاماً، في ما يعكس شعور المواطن الأوروبي بالتهديد وسط أزمات سياسية عصفت بالقارة العجور.

وللمرة الأولى في الانتخابات الأوروبية، تواجه القوتان الكبريان في البرلمان الأوروبي تراجعاً ملحوظاً، وهما الحزب الشعبي الأوروبي (يمين وسط) والتحالف الديمقراطي للاشتراكيين (يسار وسط)، مما سيؤدي إلى فشلهما في تشكيل الأغلبية لهذه الدورة وفقاً للتقديرات الأولية.

وتمكن التيار اليميني الشعبوي في فرنسا وإيطاليا وبريطانيا من تحقيق تقدم كبير سيتيح له تعزيز موقفه بنسبة قد تصل إلى ثلث المقاعد البرلمانية، على الرغم من فشله في الوصول إلى الأغلبية كما كان يطمح.

تراجع ماكرون وتحالف فرنسي إسباني محتمل

تتقدم ماريان لوبان زعيمة حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف، على حزب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (الجمهورية إلى الأمام) بفارق طفيف ولكن حاسم، وفقاً للنتائج الأولية.

ويرى محللون أن هذه النتيجة تعكس "رغبة الفرنسيين في معاقبة الحزب الحاكم"، حسب مراسلة TRT عربي في باريس، التي أشارت إلى أن النتيجة لم تكن مفاجئة بعد حراك السترات الصفراء في ويأس الشارع الفرنسي من سياسات ماكرون الاقتصادية.

ودفعت النتائج الأولية الرئيس الفرنسي ماكرون لتقديم اجتماعه برئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، يوم الاثنين، لإجراء المحادثات الأولى حول التحالفات المحتملة في البرلمان، بعد أن حقق الحزب الاشتراكي بقيادة سانشيز فوزاً بـ20 مقعداً من أصل 54 في إسبانيا، ليكون بذلك أقوى الأحزاب الوطنية بين الديمقراطيين الاجتماعيين في أوروبا، الذين يحتلون المرتبة الثانية بعد المحافظين.

إيطاليا.. سالفيني يقترب من أهدافه

جاءت التقديرات الأولية في إيطاليا كما كان متوقعاً، حيث تصدر حزب (الرابطة) بقيادة وزير الداخلية اليميني المتشدد ماتيو سالفيني النتائج الأولية بنسبة تصل إلى 31 بالمئة، بفارق كبير عن النسبة التي حصل عليها في الانتخابات السابقة عام 2014 والتي لم تتعدّ 6.2 بالمئة.

صعود متوقع للتيار الشعبوي في إيطاليا بعدما ركز جهوده في السنوات القليلة الماضية على تقديم حزبه بزعامة سالفيني، بوصفه المخلص للمواطن العادي من فشل النخب السياسية في تحقيق أي إنجاز يذكر، وبرفع شعارات طرد اللاجئين والمهاجرين والعودة إلى مفهوم الدولة القومية كحل وحيد لمواجهة الأزمة الاقتصادية الطاحنة.

بريطانيا.. الشعب مع بريكست؟

تصدر حزب (بريكست) الجديد بقيادة نايجل فاراج النتائج الأولية للانتخابات في المملكة المتحدة بعد حصوله على نحو 31.5 بالمئة من الأصوات حتى الآن، وهو ما يعكس احتجاج الشعب البريطاني على إخفاق حكومة تيريزا ماس التي استقالت بعد فشلها في إخراج بلادها من الاتحاد الأوروبي، قبل بدء الانتخابات كما كان مقرراً، وليحصل حزبها على المركز الرابع.

المجر.. التحالفات سؤال المستقبل الأكبر

تشير النتائج الأولية إلى اكتساح الحزب الحاكم في المجر (فيدس) برئاسة زعيمه ورئيس الوزراء اليميني فيكتور أوربان، بنسبة قد تبلغ نحو 56 بالمئة.

عبر أوربان عن أمله في أن تعزز نتائج الانتخابات موقف القوى السياسية الرافضة للهجرة في أنحاء أوروبا كافة بعد إدلائه بصوته، وأضاف "نرفض الهجرة، ونريد أن نرى في الاتحاد الأوروبي زعماء بمقدورهم رفض الهجرة ويريدون وقفها لا إدارتها".

ورفض أوربان التصريح بموقفه من التحالفات السياسية، إذ لم يوضح إذا كان سينضم إلى التحالف الحزبي الجديد الذي سيتزعمه نائب رئيس الوزراء الإيطالي، ماتيو سالفيني، اليميني المتشدد الذي يتبنى موقفاً معادياُ للهجرة وتتفق سياساته مع سياسات أوربان، مؤكداً أن التحالفات السياسية في البرلمان هذا العام هي "سؤال المستقبل الكبير".

ألمانيا.. تراجع التحالف الحكومي وتقدم "الخضر"

في ألمانيا تراجعت أحزاب التحالف الحكومي والممثلين في حزبي المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والحزب الاشتراكي الديمقراطي، وفقاً للنتائج والتقديرات الأولية.

وفي مفاجأة غير متوقعة تقدم حزب الخضر المعارض إلى المركز الثاني، وهو ما سيكون له انعكاس واضح على السياسة الألمانية في الفترة المقبلة حسب مراسل TRT عربي.

تحديات كبرى تواجه تشكيل التحالفات

انقسمت المنافسة بين الأحزاب المؤيدة لاستمرار الاتخاد الأوروبي التي ركزّت في برامجها الانتخابية على تحقيق دور أقوى لأوروبا في العالم وقضايا الهجرة وحماية المناخ وسياسات التجارة، أما البرامج التي طرحتها الأحزاب التي تشكّك في جدوى الاتحاد الأوروبي وتدعو إلى حلّه، فقد ركزت على قضيتها الأهم التي تثيرها في كل المحافل الدولية وهي إغلاق الحدود وطرد المهاجرين واللاجئين من خلال العودة إلى مفهوم الدولة القومية.

وقد أكدت الأحزاب القومية واليمينية المتطرفة على موقفها في أثناء اجتماعها من شتى أنحاء أوروبا بقيادة سالفيني، قبل أسبوع من بدء التصويت، إذ تَعهَّدَت بـ"إعادة تشكيل القارة الأوروبية" بعد الانتخابات.

وتسعى الأحزاب الفائزة إلى تشكيل عدد من التحالفات، يتم حسمها بعد الدخول إلى البرلمان، وذلك بهدف تحقيق أغلبية يمكنها توجيه القرارات. لكن في انتخابات البرلمان الأوروبي لهذا العام، يبدو أن الأزمات التي تواجهها السياسة في القارة العجوز سوف تنعكس على موازين القوى.

فقد بدأت نُذر الأزمة في الظهور بعدما طالب قادة القوة الكبرى في البرلمان الممثلة في (الحزب الشعبي الأوروبي) التي حافظت على مكانتها بعدد مقاعد يقدر بنحو 179 مقعداً وفقاً للنتائج الأولية، بأن يتولى زعيمهم مانفريد فيبر، المثير للجدل، رئاسة المفوضية الأوروبية.

بينما رفضت القوة الثانية في البرلمان والممثلة في الاشتراكيين الديمقراطيين أن يتولى فيبر الرئاسة، وهو ما يعني جولات مقبلة من المفاوضات الشاقة من أجل حسم المنافسة على المناصب الرئيسية في المؤسسات الأوروبية، بخاصة في ظل فقدان القوتين الأساسيتين في البرلمان قدرتهما على تشكيل أغلبية لتمرير النصوص التشريعية كما كان عليه الأمر في الدورات السابقة.

ليس هذا هو التحدي الوحيد، فقد جاء صعود دعاة حماة البيئة، وارتفاع عدد مقاعدهم من 52 إلى 70 وفقاً للنتائج الأولية التي سُجلت في فرنسا وألمانيا، ليحتم على القوى الأساسية في البرلمان أن تجد طريقة للحوار معهم والوصول إلى حلول تجمع كل الأطراف على تباينها.

زعيم حزب الرابطة اليميني المتشدد ماتيو سالفيني بعد إدلائه بصوته في الانتخابات الأوروبية (AP)
TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً