لقاء الأحزاب اليمينية بقيادة ماتيو سالفيني في مدينة ميلانو الإيطالية (AFP)
تابعنا

في جناحه الخاص بفندق بريستول الفاخر في العاصمة باريس، وبسترته السوداء المعتادة، يتواجد المستشار الخاص للرئيس الأمريكي السابق، ستيف بانون بالقرب من قصر الإليزيه والرجل الذي لا يحبه إيمانويل ماكرون، إذ حزم أمتعته للبقاء لفترة طويلة على ما يبدو.

لا يبدو المتحدث الرسمي باسم الطبقات الشعبية الغاضبة، على حد تعبير صحيفة لو باريزيان التي حاورته قبل أيام من الانتخابات المفصلية للبرلمان الأوروبي، يكلف نفسه عناء الانتخابات كثيراً هذه المرة، إذ يجلس أمام محاوره وفي يده مشروب طاقة وعيناه صوب النسخة اليومية من صحيفة فاينانشال تايمز، إلا أنه لخص رؤيته للانتخابات في كلمة واحدة قالها لصحفية لوباريزيان، "زلزال كبير سيحصل في أوروبا".

ليس بعيداً عن باريس، كان أصدقاء بانون وعلى رأسهم وزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني وزعيمة الجبهة الوطنية الفرنسية مارين لوبان، يحشدون أمام الكاتدرائية القوطية في مدينة ميلانو الإيطالية، إذ تعهدوا هذه المرة بإعادة تشكيل القارة الأوروبية بعد انتخابات البرلمان الأوروبي.

اليمين.. وجه أوروبا الجديد

في اليوم التالي لتنصيب دونالد ترمب كرئيس للولايات المتحدة في يناير/كانون الأول 2017، انضم سالفيني ولوبان إلى قادة اليمين المتطرف في القارة، على خشبة مسرح كوبلنز في ألمانيا، لإعلان دعمهم لرجل البيت الأبيض الجديد، قالت لوبان للحشود وقتها إن "عام 2016 كان العام الذي استيقظ فيه العالم الأنغلوسكسوني" في إشارة إلى تصويت استفتاء بريطانيا على مغادرة الاتحاد الأوروبي، لافتة إلى أن "عام 2017 سيكون العام الذي يستيقظ فيه سكان العالم الأوروبي".

إلا أن إيمانويل ماكرون كان له رأي آخر حسب تعبير بانون، إذ كان الحاجز الأكبر أمام استمرار المد الشعبوي الأوروبي الذي بدأ بخروج بريطانيا من الاتحاد، عندما فاز بنتيجة ساحقة على غريمته مارين لوبان في انتخابات مايو/أيار من ذلك العام.

بعدها بأيام، أعلن ستيف بانون عن تأسيس مجموعة "the movement" لغرض إنشاء "مجموعة عمومية يمينية شعبية" يمكن أن تفوز بما يصل إلى ثلث المقاعد البالغ عددها 751 مقعداً في البرلمان الأوروبي، حسب تعبيره.

هذه الحركة كانت تهدف إلى توحيد الأحزاب الشعبوية في جميع أنحاء أوروبا، بدءاً من حزب سالفيني في إيطاليا وتيار رئيس الوزراء فيكتور أوربان في المجر إلى حزب البديل بألمانيا وحزب الحرية النمساوي، لخوض الانتخابات الأوروبية برؤية واحدة من أجل "الاستيلاء على البرلمان القاري".

في هذا السياق يأتي تواجد بانون في فرنسا كمهندس لتيار اليمين الشعبوي الذي وحّده، الأمر الذي دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى إعلان تنديده قبل أيام من بدء الاقتراع بما سماه تواطؤ القوميين الأوروبيين مع أطراف خارجية تريد تفكيك القارة، مشيراً بالاسم إلى ستيف بانون.

في السياق ذاته، أعلن رئيس حملة ماكرون ستيفان سيجورني أن وجود بانون في فرنسا "يعد هجوماً على سيادة الانتخابات" واصفاً ذلك بأنه "استراتيجية تجعله يريد القيء من قِبل الشعبويين" فيما نشرت ناثلي لويسو، المرشحة في الانتخابات الأوروبية عن حزب ماكرون، أن "ستيف بانون لا يخفي حتى رغبته في التدخل في استطلاعات الرأي".

معضلة الشعبويين

"المتطرفون موجودون في بروكسل ويحكمون أوروبا منذ 20 عاماً، نحن نريد بناء اتحاد أوروبي مختلف"

شكلت هذه الكلمات التي قالها سالفيني في اجتماع ميلانو الأخير، إشكاليات جانبية قديمة عدة بين الأحزاب اليمينية في أوروبا، فالزعيم الإيطالي الذي سعى بكل جهد لتوحيد الشعبويين نحو رؤية واحدة، أعاد مرة أخرى بقصد أو بلا قصد ملف الموقف من الاتحاد الأوروبي.

فمارين لوبان لا تزال ترى أن كيان الاتحاد مضر بأوروبا وهي التي دعت عام2017 لـ"فريكست" وانفصال دول أوروبا الكبرى نفسها من الاتحاد، فيما طالما طالبت الأحزاب اليمينية في هولندا لـ"نيكست" أيضاً، سالفيني نفسه كان صاحب حملة مناهضة التعامل باليورو المعروفة بـ"Basta euro"، إلا أن هذه الرؤية الجديدة له قد لا تروق كثيراً لزعماء اليمين في أوروبا حسب وول ستريت جورنال.

من ناحية أخرى، ليس ماكرون هو الوحيد القلق من تدخل القوى الخارجية في الانتخابات ودعم الأحزاب الشعبوية وبخاصة الأثرياء الروس والمقربين من موسكو، بل إن زعماء اليمين المتطرف الآخرين من الدول الأوروبية الأقرب قليلاً لروسيا جغرافياً يشاركونه هذا الشعور، إذ قال أحد أعضاء البرلمان الأوروبي عن حزب الشعب الدنماركي اليميني المتطرف لصحيفة الغارديان الشهر الماضي "إن الدب الجريح خطير".

وحسب فوكس فإن سالفيني ولوبان على حد سواء، أهم أصدقاء روسيا ويعتبران الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حليفاً استراتيجياً.

لهذا السبب رأت المجلة أن الشعبويين دائماً ما يدخلون الانتخابات بأصوات متناثرة تؤثر على تمثيليتهم، وعلى الرغم من تطور وحدتهم هذه المرة، فإن عدم الفوز بالأغلبية في البرلمان الأوروبي وعدم الوصول إلى التأثير على المفوضية الأوروبية، الذراع التنفيذي للاتحاد الأوروبي والكيان الوحيد المخول له التقدم بالتشريعات، يعني عدم التغيير في المشهد السياسي والنظام الأوروبي الحالي.

لحظة فاصلة؟

بالنسبة لدول أوروبا التقليدية، لا تبدو الأوضاع في أحسن أحوالها بالنسبة لهم، فبريطانيا تواجه مصيرها بالخروج من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق حتى اللحظة، فيما تم إضعاف أنجيلا ميركل في ألمانيا، والتي تنتهي مسيرتها بعد فترة قصيرة، وبقي ماكرون يدافع لوحده عن "أوروبا التي تحمي أوروبا"، فيما يبدو تعبيراً عن شعوره بعدم الأمان لمستقبل القارة العجوز.

أصبح من شبه المؤكد حسب فوكس أن اليمينين الشعبويين سوف يحققون مكاسب في الانتخابات الحالية للبرلمان الأوروبي والتي لا تعني الأغلبية، لكن يمكنهم تقليص الأغلبية التي يحتفظ بها يسار الوسط ويمين الوسط، ويرجح بعض الخبراء احتمالية أن يحصل اليمين المتطرف على ثلث المقاعد.

لكن من المحتمل أن يكون مدى ما يفعلونه على الدول الكبرى أكثر من الاتحاد الأوروبي نفسه، وهذا ما تعنيه نتائج الانتخابات الحالية حسب المجلة، إذ وصفت ذلك بأنه "أسوأ سر في الانتخابات البرلمانية الأوروبية: إنها استفتاء حول السياسة الوطنية للدول".

المثال الواضح هو بريطانيا، حيث الانتخابات الأوروبية هي التعبيرة الأولى للجدل حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إذ يتصدر زعيم اليمين نايجل فارغ وحزبه بريكست الجديد، الذي يتمثل برنامج حملته الرئيسية في ضرورة مغادرة الاتحاد الأوروبي، استطلاعات الرأي في بريطانيا. فيما يأتي المحافظون وزعيمتهم رئيسة الوزراء تيريزا ماي في المركز السادس.

في فرنسا، تحوّل السباق البرلماني الأوروبي إلى مرحلة جديدة من الانتخابات الرئاسية المقبلة، على الرغم من أن الحركة التي يتزعمها الرئيس ماكرون لا تزال تتفوق على الجبهة الوطنية، إلا أن هذه الانتخابات تعتبر التحدي الأكبر لها في أعقاب احتجاجات السترات الصفراء التي هزت البلاد منذ أشهر.

المستشار السابق للرئيس الأمريكي وزعيم حركة "the movemet" ستيف بانون في باريس (le parisien)
TRT عربي
الأكثر تداولاً