يواصل السوريون  الثورة على النظام وما ارتكبه من جرائم حرب بحقهم (AFP)
تابعنا

لم يستطع العالَم وقف المجازر المروّعة التي ارتكبها النظام السوري والمليشيات الداعمة له بحق المدنيين السوريين الذين تتواصل معاناتهم منذ منتصف مارس/آذار2011، اليوم الذي انطلقت فيه الثورة السورية والتي تدخل الأحد عامها العاشر مخلفة مئات آلاف القتلى والجرحى والمعتقلين وملايين اللاجئين الذين فروا حفاظاً على حياتهم.

ومن المطالبة بالحرية والديمقراطية إلى الدمار، هكذا بدأت الثورة السورية لكنها لم تنتهِ بعد، وما زال قمع النظام السوري مستمرّاً، ونتيجة لعدم احتواء هذه المطالب المشروعة، قُسمت سوريا لتصبح ساحة حرب تقودها المطامع الدولية، وتشارك عديد من الدول في تلك الحرب بشكل مباشر أو بالوكالة.

وتوسعت رقعة الظلم هناك مع سيطرة التنظيمات الإرهابية على مساحة واسعة من البلاد، مثل تنظيم داعش الإرهابي الذي اتخذ من الرقة معقلاً له، وتنظيم PKK/YPG الإرهابي الذي حاول السيطرة على شمال سوريا والمناطق الحدودية مع تركيا قبل تدخل الجيش التركي الذي طهر المنطقة الحدودية من فلول التنظيم، بالإضافة إلى عديد من التنظيمات التي اتخذت من التشدد عباءة لها باسم الثورة، والمجموعات المحلية أو الخارجية الصغيرة الموالية لهذه الجهة أو تلك.

لكن النظام السوري وداعميه كانوا الأكثر تأثيراً على الإطلاق والأكثر قدرة على مواصلة الظلم والقتل، فكان لروسيا دور كبير في دعم النظام بقصف المدنيين وإحداث المجازر واستهداف المدارس والمشافي والصحفيين، إذ بدأت تدخُّلها العسكري عام 2015 بالإضافة إلى قتال المليشيات الإيرانية إلى في صفوف الأسد وعناصر من حزب الله اللبناني، ليكون لكل من تلك الجهات مجزرة خاصة بها بحق المدنيين السوريين، وبحجة القضاء على الإرهاب.

وتنتشر في شمال شرق البلاد قوات أمريكية في مناطق سيطرة التنظيمات الإرهابية PKK/YPG، الذين حاولوا إنشاء إدارة ذاتية عملت تركيا على تطهيرها بشنّها ثالث هجوم عسكري على مناطقهم.

وأصبح المجال الجوي السوري ساحة لتصفية الحسابات الإسرائيلية مع إيران وفصائل المقاومة الفلسطينية، إذ لا تكفّ الطائرات الحربية الإسرائيلية عن اختراق الأجواء واستهداف مواقع للجيش السوري أو للمقاتلين الإيرانيين وحزب الله، بهدف منع الإيرانيين من ترسيخ وجودهم، واغتيال قادة الفصائل الفلسطينية.

وتشير الإحصائيات إلى مقتل 384 ألف شخص على الأقلّ بينهم أكثر من 116 ألف مدني، فيما خلّفَت الحرب عدداً كبيراً من الجرحى والمعوَّقين، إضافة إلى عشرات آلاف المعتقلين والمفقودين.

ويدفع المدنيون الثمن الأكبر في الحرب الدائرة في سوريا، حسب تصريحات للأمين العامّ للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إذ "لم يجلب عقد من القتال إلا الدمار والفوضى".

إدلب.. أسوأ كارثة إنسانية

وما زالت قوات النظام السوري تسيطر على 70% من مساحة البلاد، وتعمل على توسيع نطاق سيطرتها، وآخر ما حققته تقدُّم استراتيجي في محافظة إدلب حيث بدأت قوات النظام وداعميه بشنّ هجمات هناك منذ إبريل/نيسان، وسُجلت أسوأ كارثة إنسانية منذ بدء النزاع، حسب وكالة الصحافة الفرنسية.

وأدّت محاولات نظام الأسد السيطرة على المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية، وخرقها للاتفاقيات التي ضمنت وقف إطلاق النار في مناطق خفض التصعيد، إلى نزوح ملايين السوريين من إدلب وريف حلف إلى الحدود التركية-السورية، مما سبّب أسوأ أزمة إنسانية في تاريخ الثورة السورية، إذ بقي السوريون في العراء بلا خيام تؤويهم ودون أدنى مقومات الحياة الإنسانية، في فصل الشتاء، بالإضافة إلى مقتل مئات المدنيين في القصف العشوائي.

استأنف التحالف العسكري السوري-الروسي في أبريل/نيسان عملياته العسكرية ضدّ إدلب، بهجمات عشوائية وأسلحة محظورة. شهدت المناطق التي استعاد النظام السيطرة عليها مصادرة الممتلكات وهدم المنازل والاعتقالات التعسفية على نطاق واسع

هيومن رايتس ووتش

واستخدمت قوات النظام والقوات الروسية تكتيكات تذكر باستيلاء التحالف على حلب والغوطة، عن طريق الذخائر العنقودية المحظورة دوليّاً، والأسلحة الحارقة، والأسلحة المتفجرة ذات التأثير الواسع في المنطقة بما فيها البراميل المتفجرة ذات التصنيع البدائي ضدّ المدارس والمنازل والمستشفيات، وتدمير البلدات الرئيسية في المنطقة وقتل أكثر من ألف مدني، بينهم أكثر من 300 طفل.

ودمرت القوات السورية-الروسية أكثر من 50 منشأة صحية كليّاً أو جزئيّاً. كما استهدفت روسيا وسوريا المستشفيات باستخدام إحداثيات قدمتها الأمم المتحدة لروسيا من خلال آلية أممية لإنهاء النزاع، وَفْقاً لمنظمة "أطباء من أجل حقوق الإنسان" وغيرها من المنظمات الإنسانية.

وأدَّى التدخل التركي العسكري وعملية درع الربيع التي تهدف إلى وقف وحشية النظام وهجماته وإعادة النازحين إلى منازلهم، إلى تطبيق هدنة باتفاق روسي تركي، لكن وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ الأسبوع الماضي لم يخلُ من خروقات لنظام الأسد.

في منتصف أغسطس/آب، قتل التحالف العسكري السوري-الروسي 20 مدنيّاً في غارة على مجمع للنازحين في بلدة حاس بإدلب. كان الهجوم غير قانوني وشكّل جريمة حرب

هيومن رايتس ووتش

انتهاكات متنوعة

وألحقت الحرب دماراً كبيراً بالمنازل والأبنية والبنى التحتية والمدارس والمستشفيات، واستنزفت الاقتصاد وقطاعاته على وقع انخفاض قيمة الليرة مقابل الدولار بشكل غير مسبوق وارتفاع قياسي في أسعار الموادّ الاستهلاكية، حسب وكالة الصحافة الفرنسية.

وقالت الأمم المتحدة إن "الفئة الكبرى من السوريين تحت خط الفقر، في وقت يحتاج فيه ملايين الأشخاص إلى الدعم لإعادة بناء حياتهم وموارد رزقهم وخلق وظائف ومصادر دخل والحفاظ عليها".

ولا يتوقف الأمر عند الخسائر الاقتصادية، بل أدّت الأحداث المروّعة إلى فقد التوازن النفسي لدى عديد من السوريين، إذ أوردت في تقرير أن "الناس بحاجة إلى المساعدة للتعامل مع التداعيات النفسية والعقلية التي نجمت عمَّا مروا به خلال سنوات الحرب".

وقدّر "مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية" (أوتشا) أن 11.7 مليون شخص في سوريا سوف يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية والحماية في 2019.

وطور النظام السوري إطاراً قانونيّاً وسياسيّاً لاستغلال تمويل المساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار من أجل تعزيز مصالحه الخاصة، بدلاً من تأمين التمويل لتلبية الاحتياجات الحيوية للسكان، حسب تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش بعنوان "نظام مغشوش".

وقالت هيومن رايتس ووتش في التقرير العالَمي 2010، إن مجموعات الإغاثة، ووكالات الأمم المتحدة، والجهات المانحة المشاركة في جهود إعادة الإعمار التي تنطوي على انتهاكات، أو تسمح بحرف المساعدات عن غايتها دون بذل التحقُّق الواجب، خاطرت بالتواطؤ مع انتهاكات النظام لحقوق الإنسان.

وأشارت في التقرير إلى إنه في شمال شرق سوريا، كان عدد المدنيين الذين قُتلوا ونطاق الدمار نتيجة لهجمات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة وحليفها المحلي المتمثل بالتنظيمات الإرهابية في مناطق سيطرة تنظيم داعش الإرهابي، مؤشّراً على عدم اتخاذهم جميع الاحتياطات اللازمة لحماية المدنيين.

وأضافت: "بقي مصير الآلاف الذين اختطفهم داعش مجهولاً، مع عدم اتخاذ خطوات من قبل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة أو النظام السوري لتحديد مصيرهم. رغم التركيز الدولي على الأشخاص الذين اعتقلتهم وأخفتهم الحكومة السورية، بما فيه من قبل المبعوث الخاص ومجلس الأمن، لم يتحقق تقدم كبير بشأنهم".

واحتُجز أو أُخفِي عشرات الآلاف منذ 2011، غالبيتهم العظمى من قبل قوات النظام. مات آلاف رهن احتجاز الحكومة السورية بسبب التعذيب وظروف الاحتجاز الرهيبة. وفي 2019 حدّثَت الحكومة سجلات مئات يُعتقد أنهم فُقدوا أو تُوُفّوا، لكن لم يتلقَّ أي من أسرهم رفات أحبائها أو معلومات إضافية من السلطات، حسب التقارير الدولية.

موجة نزوح

أدّت العمليات العسكرية إلى نزوح أكثر من 600 ألف شخص في إدلب وحماة، و180 ألفاً على الأقلّ في شمال شرق سوريا، وَفْقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أوتشا.

ويضمّ شمال غرب سوريا 3 ملايين مدني، نصفهم على الأقل مهجَّر مرة واحدة على الأقلّ، حسب الأمم المتحدة.

نزح أكثر من ستة ملايين سوري داخل البلاد، يقيم عدد كبير منهم في مخيمات عشوائية فيما بات أكثر من 5.6 مليون سوري لاجئين في دول أخرى، لا سيما لبنان وتركيا والأردن

الأمم المتحدة

وحصل أكثر من 3.6 مليون لاجئ سوري في تركيا منهم نصف مليون في إسطنبول وحدها، على حماية. لكن اللاجئيين السوريين يعانون في بلدان أخرى، مثل لبنان الذي يستضيف نحو 1.5 مليون لاجئ سوري، وروج للعودة بلا هوادة، واتخذ خطوات فعالة للحدّ من تدفُّق اللاجئين ابتداءً من أبريل/نيسان.

ألحقت الحرب في سوريا دماراً كبيراً بالمنازل والأبنية والبنى التحتية والمدارس والمستشفيات (AFP)
تدخل الثورة السورية عامها العاشر بمزيد من المعاناة الإنسانية (AFP)
أدّت العمليات العسكرية في سوريا إلى موجات نزوح غير مسبوقة (AFP)
مجازر مروّعة  ارتكبها النظام السوري والمليشيات الداعمة له بحق المدنيين السوريين (AFP)
TRT عربي
الأكثر تداولاً