الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع شيخ الأزهر أحمد الطيب (Reuters)
تابعنا

ما زالت المعارك مستمرة بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وشيخ الأزهر أحمد الطيب الذي يعتبر ممثلاً عن الأزهر، خاصة بعد مشروع قانون لتنظيم دار الإفتاء المصرية عشية مناقشته في البرلمان، والذي اعتبر الأزهر أنه "يمس باستقلاليته".

وللمعارك بين الأزهر والسيسي تاريخ طويل، فلطالما حاول الأخير وضع يده على الأزهر والسيطرة عليه، باعتباره الجهة الوحيدة الخارجة عن نطاق سيطرة السيسي، فهو لا يملك حق تعيين شيخ الأزهر أو عزله، بفضل تحصين المنصب بعد جهود حثيثة قادها الطيب عام 2012 لإقرار تعديلات بعض أحكام القانون رقم 103 لسنة 1961، المتعلقة بإعادة تنظيم الأزهر والهيئات التي يشملها.

وسبق أن خرجت العديد من القضايا الخلافية على غرار قضايا الطلاق الشفهي وما سمي تجديد الخطاب الديني ومسؤولية التراث عن العنف والإرهاب، وهي القضايا التي أثارت جدلاً بين الطرفين، وسمع بها العالم أجمع في وسائل الإعلام وعلى الهواء مباشرة.

ويشتكي الأزهر بشكل مستمر من تحيز الإعلام المصري الرسمي ضده، فقد أغلقت القنوات التلفزيونية والصحف أبوابها في وجه الأزهر ومشايخه، وشُنت حملات على الأزهر الشريف، ونتيجة لذلك أطلق الطيب، في يونيو/حزيران 2016، "استراتيجية الأزهر" في الإصلاحِ والتَجديد، والتي تتضمن 15 محوراً، وتعتمد على وسائل التواصل الحديثة سواء من خلال شبكات التواصل الاجتماعي أو المحطات الفضائية أو الصحف وغيرها.

من أساء إلى الإسلام أكثر، الدعوة إلى ترك السنة النبوية والاكتفاء بالقرآن فقط، أم الفهم الخاطئ والتطرف الشديد؟ ما سمعة المسلمين في العالم الآن؟

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي

رفض الأزهر وتحيز البرلمان

وفي المعركة الأخيرة أثارت موافقة مجلس النواب المصري على تعديل قانون تنظيم دار الإفتاء بما ينص على تبعيتها لمجلس الوزراء بدلاً من وزارة العدل، واعتبارها كيانا دينياً مستقلاً، حفيظة الأزهر وبعض النواب باعتباره يمس استقلالية الأزهر.

لطالما أثارت الفتاوى الصادرة عن دار الإفتاء المصرية جدلاً واسعاً، في ظلّ تاريخ كبير لها في الخلط بين الدين والسياسة.

وينهي القانون الطريقة التي اعتمدت عام 2012 في عهد الرئيس الراحل محمد مرسي والتي تقضي بانتخاب المفتي من خلال اقتراع سري مباشر، يصوت فيه أعضاء هيئة كبار العلماء التي يترأسها شيخ الأزهر.

ونقلت وسائل إعلام محلية في مصر نص خطاب للأزهر أُرسل إلى رئيس البرلمان على عبد العال، يتضمن رأي هيئة كبار العلماء بالأزهر في مشروع قانون تنظيم دار الإفتاء.

وقال الأزهر: إن "مواد هذا المشروع تخالف الدستور المصري، وتمس باستقلالية الأزهر والهيئات التابعة له، وعلى رأسها هيئة كبار العلماء وجامعة الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية"، موضحاً أن "الدستور المصري نص على أن الأزهر هو المرجع الأساس في كل الأمور الشرعية التي في صدارتها الإفتاء".

وينفي الأزهر ما ذكر في مقدمة القانون المقترح من أن هناك فصلاً بين الإفتاء والأزهر منذ نحو 700 عام، وأن هناك كياناً مستقلاً (دار الإفتاء)، ويؤكد أن مقر الإفتاء في القدم كان في الجامع الأزهر، وأن جميع مناصب الإفتاء في مصر طوال العصر العثماني كانت في يد علماء الأزهر، وأشهرها إفتاء السلطنة والقاهرة والأقاليم.

ويتضمن مشروع القانون المقترح عُدواناً على اختصاص هيئة كبار العلماء بالأزهر واستقلالها، إذ إن الهيئة "هي التي تختص وحدها بترشيح مفتي الجمهورية، وجاء المشروع مُلغياً للائحة هيئة كبار العلماء التي تكفَّلت بإجراءات ترشيح 3 بواسطة أعضاء هيئة كبار العلماء، والاقتراع وانتخاب أحدهم لشغل المنصب".

ويستهدف مشروع القانون إعادة تنظيم كل ما يتعلق بالمفتى من حيث وضعه الوظيفى، وإجراءات تعيينه واختياره، ومدة شغله للمنصب، والتجديد له، وسلطاته، واختصاصاته، ومن ينوب عنه في تسيير شؤون الدار بوجه عام فى أحوال معينة.

محطات من الخلاف

وخلال 5 سنوات اصطدمت آراء أحمد الطيب شيخ الأزهر بالسلطة ومؤيديها في 4 قضايا أثارت جدلاً واسعاً بمصر، حتى قال الرئيس عبد الفتاح السيسي له ذات مرة على الهواء: "تعبتنا يا فضيلة الإمام"، بحسب وكالة الأناضول.

وظهر التباين واصطدام الآراء بين السلطة وشيخ الأزهر رغم تأييده لها في عدة محطات بارزة، أبرزها حين وقف وزير الدفاع آنذاك عبد الفتاح السيسي يتلو بيان عزل أول رئيس مدني منتخب ديمقراطياً في البلاد محمد مرسي من منصبه، ورغم مشاركة الطيب في مشهد 3 يوليو/تموز 2013 برفقة 14 شخصية، فإنه لم يوافق على فض اعتصام رابعة بالقوة.

ويعود الخلاف بين الطيب والسيسي إلى مواقف الأول الرافضة للعنف، والتي بدأت في أعقاب "أحداث الحرس الجمهوري" يوم 8 يوليو/تموز 2013 بعد خمسة أيام من الانقلاب الذي قاده السيسي عندما كان وزيراً للدفاع على الرئيس المنتخب محمد مرسي، حين قتل الجيش عشرات المعارضين. فقد طالب الطيب بفتح تحقيق قضائي، وتشكيل لجنة للمصالحة الوطنية، وإطلاق سراح جميع المعتقلين.

وكانت المرة الثانية في أعقاب فض اعتصام معارضي الانقلاب في ميدان رابعة العدوية يوم 14 أغسطس/آب 2013 بالقوة، ممَّا أدى إلى مقتل وجرح آلاف الأشخاص، وأعلن الطيب حينها في بيان صوتي تبرؤه ممَّا حدث، قبل أن يعتزل في مسقط رأسه بالأقصر.

وفي أعقاب تولي السيسي الحكم منتصف 2014 برزت الخلافات على السطح، وتحولت المؤتمرات التي تجمعه بشيخ الأزهر إلى ساحات مقارعة تتسم بالشد والجذب والهجوم الصريح والتلميح، فضلاً عن أزمات متتالية مثل أزمة تكفير تنظيم الدولة، حيث رفض الطيب في 11 ديسمبر/كانون الأول 2014 تكفير التنظيم كما دعت وسائل الإعلام المحسوبة على النظام.

ولم يترك السيسي منذ توليه السلطة (2014) أي مناسبة إلا وتحدث عن ضرورة تجديد الخطاب الديني، محملاً علماء الأزهر المسؤولية لمواجهة التطرف والطائفية.

ومطلع يناير /كانون الثاني 2015 دعا السيسي خلال كلمة بمناسبة الاحتفال بالمولد النبوي إلى ثورة دينية للتخلص من "نصوص وأفكار تم تقديسها على مئات السنين، تعادي الدنيا كلها".

هذا الكلام أقوله هنا في الأزهر أمام علماء ورجال الدين، والله لأحاججكم أمام الله على ما أقوله حالياً، نحتاج إلى التدقيق بشدة، نحتاج إلى ثورة دينية

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي

ورغم أن دعوة السيسي لقيت ترحيباً كبيراً من قبل نخب ثقافية وإعلامية، فإن الأزهر تصدى لها في أكثر من مناسبة بتأكيده ثوابت التراث الإسلامي، ورفضه المساس بها، وخرج شيخ الأزهر منحازاً لهذا الموقف، والذي لم يسلمه من الهجوم أيضاً.

وأثارت دعوة السيسي لقانون تنظيم حالات الطلاق الشفوي في يناير/كانون الثاني 2017، خلافاً آخر، بعدما أصبحت مصر الأولى عالمياً في حالات الطلاق، وقال السيسي: "إن نسبة الطلاق في مصر كبيرة، وهناك 900 ألف حالة زواج سنوياً، يتم طلاق 40% منها خلال الـ 5 سنوات الأولى للزواج".

وعقب اقتراح السيسي قال الأزهر إن هيئة كبار العلماء فيه ستعكف على درس الأمر من الناحية الشرعية، في حين قالت لجنة الشؤون الدينية في البرلمان، إنها تعتزم إعداد مشروع قانون يلبي اقتراح الرئيس.

وخلصت هيئة كبار العلماء في الأزهر في بيان حينها، إلى صحة "وقوع الطلاق الشفوي المستوفي أركانه وشروطه، من دون اشتراط إشهاد أو توثيق".

وفيما بدا أنه مخالفة لرأي السيسي المعلن في تلك القضية، قالت الهيئة في بيانها: إن "العلاج الصحيح لهذه الظاهرة يكون في رعاية الشباب وحمايتهم من المخدرات بكل أنواعها، وتثقيفهم عن طريق أجهزة الإعلام المختلفة".

إثر ذلك شنت صحف حكومية وخاصة وبرامج تلفزيونية هجوماً على الطيب، تطور إلى تهديد بعزله عبر مشروع قانون في البرلمان لإعادة هيكلة الأزهر.

وأحدث أوجه الخلاف جاءت على الهواء مباشرة خلال الاحتفال بالمولد النبوي أواخر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وبدت كأنها مبارزة كلامية بين السيسي وشيخ الأزهر.

وانحاز الطيب إلى السنة النبوية في كلمته، مؤكداً أنها ثلاثة أرباع الدين، منتقداً من يهاجمها، في حين عقب السيسي قائلاً: "أرجو ألا يفهم أحد كلامي على أنه إساءة إلى أي أحد".

وأضاف السيسي: "الإشكالية في عالمنا الإسلامي حالياً ليست في اتباع السنة النبوية من عدمه".

كما حذر وزير الثقافة الأسبق جابر عصفور في مقال بصحيفة الأهرام من "تحوّل الأزهر إلى سلطة دينية"، مضيفاً: "صُدمتُ.. خطاب الرئيس وخطاب شيخ الأزهر خطابان نقيضان في المنطلقات والدوافع والمبادئ الحاكمة على السواء".

ووصف عصفور خطاب السيسي بأنه عقلاني يناقض خطاباً لشيخ الأزهر يبدو رافضاً للاجتهاد أو النظرة الرحبة.

وطوال السنوات الخمس الماضية لم يسلم الأزهر من حملات شبه مستمرة تحمل انتقادات للطيب ودور المؤسسة، رغم الأحاديث الرسمية التي تشير إلى علاقات طيبة بين الرئاسة والمؤسسة الدينية الأبرز بمصر والعالم الإسلامي.

وكان أبرز تلك الخطوات المناوئة للأزهر في أبريل/نيسان 2017، عقب شروع البرلماني المؤيد للسلطة محمد أبو حامد في التقدم بمشروع قانون إلى مجلس النواب مدعوماً بتأييد العشرات، مطالباً بتعديلات جوهرية على قانون الأزهر.

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً