تضارب المواقف السعودية من التطبيع مع إسرائيل  (AA)
تابعنا

تتضارب المواقف السعودية من التطبيع مع إسرائيل، حتى إن المتابع لتصريحات المسؤولين السعوديين يجد صعوبة في تحديد موقف البلد الإسلامي الأكبر من مسألة التطبيع التي تهافتت إليها دول عربية كالإمارات والبحرين.

وحتى العائلة الحاكمة ورجال الدين في السعودية دخلوا في هذا الجدل، ففي إحدى خطب الجمعة التي ألقاها إمام المسجد الكبير في مكة، عبد الرحمن السديس، ثارت عاصفة من التساؤلات حول مغزى حديث السديس عن التسامح مع غير المسلمين، وتطرقه في ذلك بصفة إيجابية إلى علاقة نبي الإسلام مع اليهود، وقد فُهمت الخطبة على أنها رسالة سياسية إيجابية من السعودية خاصة مع اتفاقيات التطبيع التي وقعت في تلك الفترة بين إسرائيل وبعض دول الخليج.

تسلسل التطبيع السعودي

وطرأت في الفترة السابقة بعض التغيرات على العلاقات بين تل أبيب والرياض، إذ أعلنت الأخيرة بداية سبتمبر/أيلول الماضي فتح مجالها الجوي لبعض الرحلات بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة، وجاء هذا الإعلان مباشرة عقب التفاهم بين الإمارات وإسرائيل الذي تبعه هبوط طائرة إسرائيلية في أبو ظبي. وقبلها بأكثر من عامين في مارس/آذار 2018 أصدرت الرياض لشركة الطيران الهندية رخصة استخدام الأجواء السعودية لرحلات مباشرة بين نيودلهي وتل أبيب.

وليس ببعيد الأخبار التي توالت عن زيارة سرية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتياهو لمدينة نيوم السعودية ولقائه ولي العهد السعودي، وشكَّل الخبر الذي نشرته وسائل إعلام إسرائيلية وأكده وزير بحكومة نتنياهو عن زيارة الأخير ولقائه ولي العهد، نقلة نوعية في الخطوات التي تخطوها الرياض نحو تطبيع العلاقات مع تل أبيب على نهج أبو ظبي والمنامة، على الرغم من نفي الرياض للخبر.

واستغرقت الزيارة السرية التي أجراها نتنياهو ورئيس جهاز المخابرات الخارجية "الموساد" يوسي كوهين اللذان غادرا في طائرة خاصة مطار بن غوريون قرب تل أبيب إلى منطقة نيوم، مدة 5 ساعات، وفق الإعلام الإسرائيلي.

وبينما نفى وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان في وقت لاحق لقاء بن سلمان مسؤولين إسرائيليين، لم ينفِ مكتب نتنياهو ذلك معقّباً: "لا تعليق". وحتى اللحظة لم يصدر تعقيب من واشنطن حول هذه الأنباء.

وأظهرت مواقع تتبُّع الرحلات الجوية، من بينها FlightAware وADS-B Exchange، تتبع طائرة تجارية خاصة يستخدمها المسؤولون الإسرائيليون غالباً وهي تحلق من إسرائيل باتجاه المملكة العربية السعودية ومدينة نيوم يوم الأحد، ثم عادت الرحلة إلى تل أبيب بعد ساعات قليلة.

وبدوره نشر آفي سخرف محرر النسخة الإنجليزية لصحيفة هآرتس العبرية صورة لخريطة، قال إنها توضح خط سير الطائرة التي نقلت نتنياهو ورئيس الموساد للقاء بن سلمان في نيوم.

وعلقت صحيفة يديعوت أحرونوت على اللقاء الأخير بين بن سلمان ونتنياهو، قائلة: إن "السعودية تريد التقدم في مسار التطبيع مع إسرائيل".

وذكرت الصحيفة أن ولي العهد السعودي يدعم التطبيع مع إسرائيل، لكن والده الملك سلمان بن عبد العزيز هو من يعترض على ذلك. وتقول المملكة إن تسوية النزاع الإسرائيلي الفلسطيني شرط مسبق لتطبيع العلاقات، على الرغم من مؤشرات التقارب بينهما في السنوات الأخيرة.

للسعودية مكانة مهمة بوصفها مركز المحور الذي يواجه إيران. أتمنى أن تسهم شبكة العلاقات السرية بيننا على مر السنين في إرساء قاعدة استراتيجية راسخة يقوم عليها التطبيع معها

وزير الجيش الإسرائيلي السابق - موشي يعلون

وبدورها قالت صحيفة نيويورك تايمز: إنه "في الأسابيع الأخيرة حصل مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون على انطباع بأن العرش السعودي بات أكثر استعداداً للتوصل إلى اتفاق تطبيع مع إسرائيل، بخاصة مع غياب الاحتجاجات الكبيرة في الدول التي طبَّعت العلاقات وهي الإمارات والبحرين والسودان".

ورأت الصحيفة الأمريكية في تقرير لها أن السؤال الرئيسي لدى السعوديين هو: كيف سيؤثر المضي قدماً في التطبيع في الأيام الأخيرة لإدارة ترمب، على مكانتهم في واشنطن وعلاقتهم بإدارة بايدن القادمة؟

ويرى الباحث الإسرائيلي أوري غولدبرغ أنه "على الرغم من لقاء نتنياهو وبن سلمان وبومبيو في مدينة نيوم السعودية، فإن الملك سلمان يعارض اتفاق التطبيع مع إسرائيل، لهذا يتصرفون (المجتمعون في اللقاء) كأنهم يخططون لانقلاب على العرش لتتويج ولي العهد"، قبل تولي بايدن رسمياً.

وقبل وقت قصير من مغادرة تلك الرحلة لإسرائيل أشار نتنياهو إلى التغيير المستمر في العلاقات مع المزيد من دول الخليج. وقال: "إذا واصلنا السير في هذا الطريق لتعزيز قوة إسرائيل وتقوية الروابط مع العالم العربي المعتدل الذي يدفع باتجاه الاستقرار والتقدم، فسنرى المزيد من الدول العربية التي توسع دائرة السلام".

تضارب المواقف السعودية

وعلى الرغم من كل ما ذُكر سابقاً، نجد تضارباً كبيراً في تصريحات المسؤولين السعوديين فيما يخص التطبيع مع إسرائيل، فالأمير تركي الفيصل آل سعود، رئيس المخابرات السعودية السابق، اتهم إسرائيل بممارسة "النفاق"، وقال: إنها "تدّعي من جهة أنها مهددة وجودياً وتريد السلام، لكنها من جهة أخرى تحتل الأراضي الفلسطينية وتقصف الدول العربية وتمتلك السلاح النووي".

الإسرائيليون يريدون إقامة علاقات مع السعودية لكنهم يرسلون كلابهم الهجومية في وسائل الإعلام الدولية ضد السعودية

رئيس المخابرات السعودية السابق - الأمير تركي الفيصل آل سعود

ومضى قائلاً: "الجرح المفتوح لا يمكن علاجه بمسكنات الألم، لا يمكن تسميته باتفاقيات إبراهيم، دون دور للسعودية".

وأضاف الفيصل: "أعلنوا (إسرائيل) الحرب ضد حماس باعتبارها حركة إرهابية، أعربوا عن رغبتهم في أن يكونوا أصدقاء للسعودية... جميع الحكومات الإسرائيلية تعتبر آخر قوى العالم الغربي الاستعمارية".

وتنص المبادرة العربية من عام 2002 على إقامة دولة فلسطينية معترف بها دولياً على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وحل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين، وانسحاب إسرائيل من هضبة الجولان السورية المحتلة والأراضي التي ما زالت محتلة في جنوب لبنان، مقابل اعتراف الدول العربية بإسرائيل، وتطبيع العلاقات معها. وترفض إسرائيل المبادرة العربية، وتطالب الدول العربية بتطبيع العلاقات معها دون إنهاء احتلالها للأراضي العربية.

لكن في المقابل، هناك تصريحات سعودية تدعم التطبيع، كتصريح وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، الذي أكد أن بلاده كانت أول بلد عربي يضع التطبيع الكامل مع إسرائيل على الطاولة، فمنذ عام 1992 بادر الأمير الملك فهد بن عبد العزيز عندما كان ولياً للعهد في قمة فاس بالمغرب للسلام مع إسرائيل، وما زال لدينا نفس الرؤية، التي تجعل إسرائيل جزءاً طبيعياً من المنطقة، حيث يكون لديها علاقات كاملة طبيعية مع جيرانها في المنطقة".

وأوضح: "يمكننا استخدام هذه الاتفاقات كنقطة انطلاق لعلاقات جديدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وتسوية هذا النزاع بشكل عادل ومنصف يمنح الفلسطينيين دولة ذات سيادة وكرامة، وفقاً للمبادرة العربية للسلام لعام 2002، وأعتقد أن هذا ما ينبغي التركيز عليه".

اتفاقات "ابراهام" للسلام التي وقعتها الإمارات والبحرين مع إسرائيل يمكن أن نراها خطوات في المسار الصحيح

وزير الخارجية السعودي - فيصل بن فرحان

أما السفير السعودي السابق في واشنطن، الأمير بندر بن سلطان، فقد سبق أن هاجم القيادات الفلسطينية، واتهمها بتضييع القضية، في مقابلة مع قناة العربية.

وقال بن سلطان إن تعليق القيادات الفلسطينية على اتفاق الإمارات والبحرين مع إسرائيل، كان "مؤلماً ومتدنياً". وأضاف: أن "تجرُّؤ القيادات الفلسطينية على دول الخليج غير مقبول، ومرفوض"، معتبراً أن قضية فلسطين "نهبتها إسرائيل والقيادات الفلسطينية".

خلاف بين أفراد العائلة السعودية الحاكمة

وتظهر هذه التصريحات وغيرها الجدال المحتدم بين المسؤولين في السعودي وأفراد العائلة السعودية الحاكمة بين بعضهم البعض، حول إبرام اتفاق سلام مع إسرائيل، وهو ما أظهره تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، وضح أن هناك خلافاً بين الملك سلمان بن عبد العزيز وابنه وليايلعهد محمد بن سلمان حول التقارب مع إسرائيل، إذ يعتبر الملك من أنصار المقاطعة العربية لإسرائيل لفترة طويلة، فضلاً عن مطالبته بدولة مستقلة للفلسطينيين.

وقالت الصحيفة الأمريكية بناء على مصادر مطلعة، إن الملك السعودي قد ذهل إزاء إعلان اتفاق السلام بين إسرائيل والإمارات، في 13 أغسطس/آب الماضي، بينما لم يتفاجأ ولي العهد من الأمر.

وأوضحت "وول ستريت جورنال" أن "الأمير محمد قد خشي من أن يعيق والده اتفاقاً لا يساعد كثيراً في حل الدولة الفلسطينية" وفقاً للمصادر، مضيفة أن الأمير محمد "لم يخبر والده بخصوص الاتفاق المخطط له (الإمارات مع إسرائيل)، والذي لم تُذكر فيه دولة فلسطينية".

وإثر إبرام اتفاق السلام الإماراتي الإسرائيلي، أمر "الملك سلمان الغاضب وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، بالتأكيد على التزام السعودية بإقامة دولة فلسطينية"، دون الإشارة إلى اتفاق السلام الأخير.

وكتب أحد أفراد الأسرة الحاكمة، مقالاً في صحيفة سعودية، كرر فيها موقف المملكة، ملمحاً في نفس الوقت إلى أنه كان على الإماراتيين الضغط على الإسرائيليين للحصول على مزيد من التنازلات، حسب الصحيفة

وقال مسؤول رفيع بإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب للصحيفة الأمريكية، إن ولي العهد السعودي قد عرض موقف المملكة إزاء العلاقات مع إسرائيل خلال اجتماع، وقد وافق خلال الاجتماع على فتح المجال الجوي السعودي مع إسرائيل، وأخبر كوشنر بأنه في حال موافقة البحرين على السلام مع إسرائيل "فسيكون هناك مسار واضح للقيام بذلك".

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً