الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال لقائه جنود بلاده في العراق
تابعنا
ما المهم: بعد أسبوع من إعلان بدء الانسحاب الأميركي من سوريا اتجه دونالد ترمب إلى العراق، في زيارة غير رسمية، التقى فيها قوات بلاده المتمركزة في قاعدة عسكرية غربي البلاد، وقال أثناءها إن الولايات المتحدة قد تنفّذ عمليات في سوريا انطلاقاً من العراق.

وأثارت الزيارة حفيظة العراق الرسمي والشعبي، خصوصاً أنها جاءت بدون تنسيق مع الحكومة، ولم يتخللها أي لقاء بين ترمب والمسؤولين العراقيين.

المشهد: مساء الأربعاء، عدد قليل جداً من الصحافيين الإقليميين كانوا يتناقلون تغريدة حساب ويكيليكس عبر "تويتر"، والتي كانت تشير إلى أنّ الطائرة الرئاسية الأميركية تتجه إلى الشرق الأوسط.

وبعد وقت قصير، تناقلت وكالات الأنباء العالمية خبر وصول ترمب إلى العراق، برفقة زوجته، في زيارة قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز، إنّ هدفها "تفقد قواتنا والقيادة العسكرية العليا لشكرهم على خدماتهم ونجاحهم وتضحياتهم وتمني عيد ميلاد سعيد لهم".

على غرار أسلافه، "رفض ترمب أن يتم استقباله استقبالاً رسمياً في العراق"، كما قال الكاتب العراقي علاء اللامي. الأمر الذي حاولت الحكومة العراقية برئاسة عادل عبد المهدي توضيحه ببيان، الخميس، وقالت فيه إنّه "كان من المفترض أن يجري استقبال رسمي ولقاء ثنائي"، مستدركةً بأنّ "تبايناً في وجهات النظر أدّى إلى الاستعاضة عن اللقاء بمكالمة هاتفية تناولت تطورات الأوضاع، خصوصاً بعد قرار الانسحاب من سوريا، والتعاون المشترك لمحاربة داعش وتوفير الأمن والاستقرار لشعوب وبلدان المنطقة".

ألمح الرئيس الأميركي فيما بعد إلى السبب وراء الطابع الفجائي والسري لزيارته، قائلاً إنّه "من المحزن جداً عندما تنفق سبعة تريليونات دولار في الشرق الأوسط أن يتطلب الذهاب إلى هناك كل هذه السرية الهائلة والطائرات حولك، وأعظم المعدات في العالم، وأن تفعل كل شيء كي تدخل سالماً"، وأضاف "لو رأيتم ما الذي كان علينا المرور به في الطائرة المظلمة ونوافذها المغطاة بستائر، بحيث لا يوجد أي ضوء في أي مكان، ظلام شديد السواد".

ومن قاعدة عين الأسد، أعلن الرئيس الأميركي أنّ بلاده "لا تستطيع أن تبقى شرطي العالم، إنّه أمر غير عادل عندما يقع العبء علينا". وقال رداً على أسئلة صحفيين إنّه لا ينوي إطلاقاً سحب القوات الأميركية من العراق، بل يرى "على العكس" إمكانية استخدام هذا البلد "قاعدة في حال اضطررنا للتدخل في سوريا". وأشار إلى أنّه "قد هزمنا (تنظيم داعش بالضربة القاضية"، ولم يستبعد العودة للمساعدة في سوريا إذا تطلبت الظروف ذلك، مخففاً بالتالي من الرهانات بعد تعرضه لانتقادات باعتبار إعلانه الانسحاب من هذا البلد سابقاً لأوانه.

وفي هذا الصدد، قال "إذا رأينا تنظيم داعش يقوم بشيء لا يعجبنا، بإمكاننا ضربهم بسرعة وبقوة فائقتين بحيث إنهم لن يدركوا حتى ما يحصل لهم".

خلفيات ودوافع: تندرج زيارة الرئيس الأميركي إلى العراق ضمن خانتين، الأولى أنّها تأتي بعد أسبوع من إعلانه بدء الانسحاب من سوريا، أما الثانية فإنّ التقليد المتبع في الولايات المتحدة منذ اعتداءات 11 سبتمبر/أيلول يقضي بأن يتفقد الرؤساء الأميركيون القوات المنتشرة في مناطق الحرب، وقد تعرض ترمب لانتقادات شديدة لعدم قيامه بذلك حتى الآن منذ توليه منصبه.

بخصوص مسألة سوريا، فقد دافع عن قراره بسحب القوات من هناك، مؤكدا مرة جديدة أن تنظيم داعش المصنّف إرهابياً "مهزوم بشكل شبه تام". كما أنّه دافع عن سياسة "أميركا أولاً" التي يتبعها، لافتاً إلى أنّ الولايات المتحدة تخوض معارك نيابة عن دول أخرى منذ فترة طويلة. وقال "لا نريد أن نكون عرضة للاستغلال بعد الآن من جانب دول تستخدمنا وتستخدم جيشنا القوي لحمايتها. إنها لا تدفع في مقابل ذلك لكنها ستكون مضطرة الى ذلك". وأضاف "نحن منتشرون في جميع أنحاء العالم. نحن في بلدان لم يسمع بها معظم الناس. بصراحة، هذا أمر سخيف".

لا نريد أن نكون عرضة للاستغلال بعد الآن من جانب دول تستخدمنا وتستخدم جيشنا القوي لحمايتها

دونالد ترمب ــ الرئيس الأميركي

ردود الأفعال: أثار الطابع غير الرسمي والفجائي للزيارة انتقادات من قبل عدة أطراف سياسية عراقية، وفي السياق أصدرت كتلة الإصلاح والإعمار البرلمانية بياناً، قالت فيه إنّه بعد "الانتهاك الصارخ لرئيس أميركا لسيادة العراق كأنّ البلاد ولاية من ولاياته، يجب عقد جلسة طارئة لمجلس النواب لبحث موضوع تمركز القوات الأمريكية في العراق والقواعد العسكرية الأميركية"، مشددة على أنّ انسحاب هذه القوات من سوريا "ليس مسوغاً أو مبرراً لبقائها في العراق وجعله قاعدة تابعة لها في المنطقة والشرق الأوسط".

انسحاب القوات الأميركية من سوريا ليس مسوغاً أو مبرراً لبقائها في العراق وجعله قاعدة تابعة لها

كتلة الإصلاح والإعمار البرلمانية

كما حذر عضو لجنة العلاقات الخارجية البرلمانية رامي السكيني، من انجرار الحكومة العراقية خلف مخططات واشنطن "المشبوهة والمريبة" ومحاولاتها "جرّ العراق الى خطوات مشبوهة داخل سوريا".

في هذا الصدد، شرح الباحث العراقي هشام الهاشمي لـTRT أنّ "الزيارة مستفزة خاصة أنه لم يكن هناك تنسيق مع القيادات العراقية، الأمر الذي دفع قوى وأحزاباً إلى إصدار الكثير من البيانات لتشريع قانون انسحاب القوات الأجنبية".

على صعيد آخر، كان لافتاً أنّ مجلة "نيوزويك" نقلت عن مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية، انتقاده لالتقاط ترمب وزوجته صوراً علنية ونشره فيديوهات مع القوات المتواجدة في عين الأسد، إذ إنّ ذلك "يُعدُّ خرقاً للبروتوكول القاضي بالحفاظ على سرية مواقع القوات الخاصة وحماية الرجال والنساء الواقفين على خط المواجهة في كل صراع سري أو علني تكون الولايات المتحدة طرفاً فيه".

التالي: يتصاعد الجدل في العراق حول تداعيات الزيارة، بالأخص في ظل احتمال انعقاد جلسة للبرلمان لبحث تواجد القوات الأجنبية، أو "استخدام العراق بصفتها قاعدة عسكرية". في هذا الصدد، يذكر الصحفي عمر الشاهر أنّ "هذه هي تصرفات ترمب وهذه طريقة أدائه السياسي، ولكن في كل الأحوال ووفقاً لكل المقاربات، ما قام به يُمثّل إهانة للعراق، والحكومة حاولت أن تشرح وتبرر لاحقاً، ولكن في الحقيقة فإنّ هذا صدر بعدما غادر ترمب الأجواء العراقية".

ويقول الشاهر في حديث لـTRT عربي "كنا نعلم أنّ العراق سيتحوّل إلى قاعدة عمليات أميركية في ما يتعلق بالشأن السوري"، مشيراً إلى أنّه "إذا كان هذا يتم وفق بنود اتفاق التعاون الإستراتيجي (الموقع عام2011) فلا مانع ما دام الخصم هو داعش، إلا أنّ السماح لواشنطن باستخدام قاعدة عسكرية عراقية للقيام بترتيبات سياسية في سوريا، فهذا أمر يجب أن ترفضه بغداد". ويضيف إن "حديث السيادة في العراق بات شيئاً مؤسفاً".

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً