الأزمة في العراق تتفاقم مع انتهاء المهلة الدستورية لتسمية رئيس وزراء جديد (AFP)
تابعنا

يسيطر الفراغ الدستوري على الحالة السياسية في العراق مع انتهاء المهلة القانونية لتسمية رئيس للحكومة بعد استقالة رئيسها السابق عادل عبد المهدي، الأمر الذي يُوحِي بفشل النخبة الحاكمة في تلبية مطالب الشعب وإيجاد رئيس للحكومة يلبي طموحاته.

وعلى الرغم من إعلان رئاسة الجمهورية العراقية تلقِّيها طلباً من تحالف البناء لترشيح وزير التعليم العالي في حكومة تصريف الأعمال قصيّ سهيل لرئاسة الحكومة المقبلة، في كتاب رسمي وجّهه الرئيس العراقي برهم صالح إلى البرلمان لتوضيح أن كتلة البناء هي الكتلة الكبرى، إلا أن الخطوة زادت استفزا ز الشعب.

ردّ الشارع كان بقطع المحتجين طرقاً رئيسية في محافظة كربلاء بالإطارات المشتعلة احتجاجاً على ترشيح سهيل، وإغلاق الأسواق التجارية، كما شهدت محافظة سماوة والمحافظات الجنوبية وبغداد مظاهرات حاشدة مناهضة لسهيل.

الرئيس يلوّح بالاستقالة

وتستمرّ الأزمة السياسة في العراق بسبب النزاع على ترشيح رئيس للحكومة، فيما يزيد الفراغ السياسي تأزُّم الأوضاع.

والاثنين لوّح الرئيس العراقي برهم صالح بتقديم استقالته احتجاجاً على ضغوط قال إنه تَعرَّض لها من بعض القوى السياسية المقربة من إيران من أجل قبول مرشَّحها لرئيس الحكومة المقبلة.

وقالت مصادر مقربة من رئاسة الجمهورية إن صالح تَعرَّض لضغوط من كتلة البناء التي ترشح قصي سهيل لرئاسة الحكومة.

ويصمم المحتجون على مطالبهم في الوقت الذي تتطور فيه مظاهر احتجاجاتهم السلمية، إذ أعلن متظاهرو ساحة التحرير وسط بغداد الاثنين، البدء بحملة الإضراب عن الطعام تزامناً مع دخول البلاد في فراغ دستوري، عقب انتهاء مهلة الرئيس لتكليف مرشح الكتلة الأكبر لتشكيل الحكومة.

وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صور لمتظاهرين يضعون شريطاً لاصقاً على أفواههم، ليعبّروا بذلك عن بدء الإضراب مع اقتراب ساعة حسم اختيار رئيس الوزراء الجديد والتصويت على قانون الانتخابات.

يقول الخبير في القانون الدستوري الدكتور طارق حرب لـTRT عربي، إن "الضغوط التي يتعرض لها الرئيس برهم صالح باتت واضحة"، لكنه أشار في الوقت ذاته إلى أنه يعتقد أن صالح لم يفكّر في الاستقالة إطلاقاً، "لكنه ربما يمتعض جراء الإجراءات غير الدستورية أو التهديدات، ولن يصل الأمر إلى حد الاستقالة".

ويوضح أن "العراق تحكمه السلطات كافة ولم تغِب إحداها عن المشهد، ويمكن تعريف المشهد بأنه يفتقر إلى حكومة تتدخل في الشؤون الكبرى، لأنه تحكمه الآن حكومة تصريف أعمال يومية فقط".

ترشيح سهيل والاستفزاز الشعبي

يؤكّد الأكاديمي والباحث السياسي العراقي كاظم المقدادي في حديث لـTRT عربي، أن الرفض الشعبي الذي قوبل به ترشيح سهيل يدل على أن من اختاره لم يكُن يقصد تهدئة الشارع، "لأنه أصلاً لم يوفق في وزارة التعليم العالي، وهو خارج شروط ومتطلبات الجماهير العراقية الموجودة في ساحات الاعتصامات والمظاهرات، كما أنه مزدوج الجنسية وضمن الطبقة السياسية الفاسدة".

ويشير المقدادي إلى أن "اختيار هذا المرشح يعني وجود تمرُّد على إرادة الشارع والمرجعية الديني المتمثلة في المرجع الديني آية الله علي السيستاني الذي تنسجم تصريحاته ومواقفه مع مطالب المحتجين".

ويعتقد المقدادي أن الأحزاب السياسية تريد الالتفاف على مطالب الشارع وتريد من يُبقي لها الهيمنة على السلطة في البلاد، لأنه منذ الأول من أكتوبر قوبلت الشرارة الأولى للاحتجاجات بالرصاص الحي، وحدثت مجزرة في ظل وصول عدد القتلى إلى أكثر من 500 وجرح ما يزيد على 20 ألفاً بينهم 5 آلاف معاق.

لدى الطبقة السياسية التي بدأت الآن بمرحلة التحايل تجاهل كامل، وهي مستمرة في اللعبة، لكن الشعب سيبقى هو الأقوى

الأكاديمي والباحث السياسي - كاظم المقدادي

ويؤكّد الباحث السياسي صحة الأخبار المتداولة بأن المرشح سهيل جاء بإرادة خارجية، بالأخص إيرانية، قائلاً: "من أيد ترشيحه هو رئيس الوزراء السابق نوري المالكي ومنظمة مرتبطة بإيران، وأطراف عديدة أكدت الترشيح، بما يثبت وجود تدخل خارجي".

ويضيف: "ما يحدث أن رئيس الجمهورية يلوّح بالاستقالة، لأن سهيل قُدّم رسميّاً مرشَّحاً، ولا يستطيع رئيس الجمهورية أن يرشحه لأنه لا يتفق ومطالب الشارع، بما يعني أننا دخلنا في فراغ دستوري وأمني خطير، فالأجهزة الأمنية لا يديرها الجيش العراقي أو وزارة الداخلية، بل مليشيات".

حل الانتخابات المبكرة

وللخروج من الاضطرابات الحالية التي يمر بها العراق، دعا المرجع الديني آية الله علي السيستاني الجمعة، إلى إجراء انتخابات نيابية مبكرة. وأشار في خطبة الجمعة التي ألقاها ممثله عبد المهدي الكربلائي في مدينة كربلاء إلى إن "أقرب الطرق وأسلمها للخروج من الأزمة الراهنة وتفادي الذهاب إلى المجهول أو الفوضى أو الاقتتال الداخلي هو الرجوع إلى الشعب بإجراء انتخابات مبكرة".

ويقول إن الانتخابات يجب أن تأتي "بعد تشريع قانون منصف لها، وتشكيل مفوضية مستقلة لإجرائها، ووضع آلية مراقبة فاعلة على جميع مراحل عملها تسمح باستعادة الثقة بالعملية الانتخابية"، وَفْقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.

وجاءت دعوة السيستاني بعد انتهاء المهلة الدستورية لتسمية رئيس جديد للحكومة وفشل البرلمان في الموافقة على قانون انتخابات جديد.

ويعلّق الباحث السياسي نجم القصاب على دعوة السيستاني في حديثه لـTRT عربي بأن "مثل هذه الخطوة مختلفة عن كل الخطوات السابقة لأنها رفعت الفيتو ووضعت خطوط المرحلة المستقبلية للحياة السياسية، بخاصة أن البعض كان يفسّر هذه الخطب بأنها قريبة من رأي الأحزاب السياسية".

وقد تدفع هذه الخطوة برأي القصاب لإجراء انتخابات، فقد بدأت المناقشة والتصويت على أغلب مواد القانون الانتخابي الجديد الذي جاءت به الحكومة الاتحادية، واستبدال قضاة مستقلين بمفوضية الانتخابات، "وهي خطوات فيها نية صادقة للذهاب إلى انتخابات مبكرة".

ويرجح الباحث السياسي ظهور عدة سيناريوهات، من ضمنها استمرار عادل عبد المهدي حتى إجراء انتخابات، أو اختيار شخصيات قريبة من الشارع، "إلا أن الشعب يرفض كل الشخصيات القريبة من الأحزاب".

محتجون يضعون شريطاً على أفواههم تعبيراً عن بدء الإضراب عن الطعام (AFP)
TRT عربي
الأكثر تداولاً