عناصر الشرطة الفرنسية تعتدي على أحد المتظاهرين الذين خرجوا اعتراضاً على "قانون الأمن الشامل" (AA)
تابعنا

تشهد المدن الفرنسية على مدار الأسابيع الأخيرة، تصاعداً غير مسبوق في معدلات العنف الذي تمارسه قوات الشرطة ضد مواطنين، سواءً كانوا في مظاهرات أو من طالبي اللجوء أو مجرد عابرين في الشوارع.

واحتجاجاً على مشروع قانون يُعرف بـ"الأمن الشامل"، خرج أكثر من 130 ألف شخص حسب الحكومة، و500 ألف حسب المنظمين، في مظاهرات عمّت عدة مدناً فرنسية السبت، منددين بالقانون الذي يرون أنه ينتهك الحريات، بعد دعوات أطلقتها منظمات للصحفيين وأحزاب يسارية ونقابات ومنظمات غير حكومية للدفاع عن الحريات، إلى التظاهر.

اعتداء على المتظاهرين

وذكر موقع "فرانس 24" أن "منظمي عشرات التجمعات في فرنسا يعتبرون أن القانون ينتهك الحريات في بلد تهزه منذ الخميس قضية جديدة تتعلق بعنف الشرطة".

ويقيد مشروع القانون نشر صور ضباط الشرطة في أثناء عملهم، مع فرض عقوبة بالسجن لمدة عام واحد وغرامة قدرها 45 ألف يورو على أي شخص ينشر صوراً لوجه ضابط شرطة أو درك أو أي علامة تعريفية في أثناء أداء وظيفته من أجل "إلحاق الأذى الجسدي أو النفسي به".

كما يضع مشروع القانون إطاراً لاستخدام كاميرات المراقبة والطائرات من دون طيار لمكافحة الإرهاب ومراقبة التظاهرات.

من جهتها، تؤكد الحكومة الفرنسية أن "مشروع القانون يهدف إلى حماية العناصر التي تتعرض لحملات كراهية ودعوات للقتل على شبكات التواصل الاجتماعي مع كشف تفاصيل من حياتهم الخاصة".

سلسلة من الاعتداءات

وتأتي اعتداءات الشرطة الأخيرة على المتظاهرين في سياق سلسلة من الاعتداءات التي تمارسها عناصر الأمن ضد مواطنين في مناسبات مختلفة.

ففي آخر تطور نددت منظمة "مراسلون بلا حدود"، السبت، بارتكاب الشرطة الفرنسية أعمال عنف "غير مقبولة" ضد مصور سوري، أصيب خلال مشاركته في تظاهرة احتجاج على قانون "الأمن الشامل" وعنف الشرطة في باريس.

وحدث ذلك حين كان المصور السوري أمير الحلبي (24 عاماً) يغطي التظاهرة في ساحة الباستيل بصفته صحفياً مستقلاً.

وأعلن الأمين العام لـ"مراسلون بلا حدود" كريستوف دولوار، أن أمير أصيب "بجروح في وجهه جراء ضربة هراوة". وأضاف دولوار في تغريدة عبر تويتر "كل تضامننا مع أمير الحلبي"، مشدداً على رفض "عنف الشرطة غير المقبول". وتابع: "جاء أمير من سوريا إلى فرنسا بحثاً عن الأمان، مثلما فعل العديد من الصحفيين السوريين الآخرين، بلاد حقوق الإنسان يجب أن لا تُهددهم بل تحميهم".

ونشر دولوار صورة للحلبي على سرير في المستشفى، وقد لفّ رأسه بضمادات في حين كان أنفه لا يزال ينزف، في صورة التقطتها المصورة الصحفية المستقلة غابرييل سيزار التي كانت إلى جانبه وفقدت أثره خلال تدخّل للشرطة في أحد الشوارع الصغيرة، على حد قولها.

وقالت سيزار: "كانت الشرطة تعرف أننا صحفيون، كنّا نقف عند حائط، ونصرخ صحافة! صحافة!"، وتابعت: "ألقى بعض المتظاهرين مقذوفات ثم تدخّلت الشرطة مستخدمة الهراوات"، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية. وأضافت: أن "أمير كان المصوّر الوحيد الذي لم يكن يضع خوذة أو شارة، فقدتُ أثره ثمّ وجدته محاطاً بأشخاص ووجهه ملطخ بالدماء وملفوف بضمادات".

اعتداءات سابقة على الصحفيين

وقبل نحو 10 أيام، اعتدت الشرطة الفرنسية على عدد من الصحفيين الذين كانوا يتولون مهمة تغطية فعاليات احتجاجية مناهضة لمشروع قانون الأمن الشامل بالعاصمة باريس.

ونشر موقع "إنفو فرانسيز" مقطعاً مصوراً يظهر عناصر الشرطة وهي تلاحق عدداً من الصحفيين كانوا موجودين للتصوير والمتابعة. وذيّل الموقع المقطع بعبارة: "حرية الإعلام: الشرطة تعامل الصحفيين بعنف في أثناء تغطيتهم تظاهرة ضد قانون الأمن الشامل في باريس الليلة الماضية".

وقبل أيام استخدمت الشرطة الفرنسية الغاز المسيل للدموع، في أثناء تفكيكها لمخيم جديد للاجئين وسط باريس. وأفاد مراسل الأناضول بأن المخيم الجديد أقيم لإيواء مئات اللاجئين الذين تم إجلاؤهم من ملاجئ مؤقتة في ضاحية "سان دوني" الأسبوع الماضي دون توفير المأوى لهم.

والخميس نقلت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي مشاهد تعرض شاب من أصل إفريقي بالعاصمة الفرنسية باريس، لعنف "عنصري" من قبل 3 عناصر من الشرطة. وحسب المشاهد فإن الشاب يعمل منتجاً موسيقياً، ورأى سيارة شرطة لدى خروجه من منزله مساء السبت، إلى الاستوديو الخاص به في المنطقة 17 بباريس، وكان لا يرتدي كمامة.

وحتى لا تخالفه الشرطة لعدم ارتداء كمامته، بموجب تدابير الوقاية من فيروس كورونا، سارع بالدخول إلى المبنى الذي يضم مكتبه، إلا أن الشرطة لحقت به. وأظهرت كاميرات مراقبة الاستوديو 3 عناصر شرطة يضربون الشاب ميشيل مدة 20 دقيقة، داخل مكتبه.

"حرية التعبير" الانتخابية

وفي مفارقة لافتة، يستعد البرلمان الفرنسي لمناقشة مقترح قانون يجرم تداول صور مسيئة إلى الشرطة بوسائل التواصل الاجتماعي، في الوقت الذي يُصرّ فيه ماكرون على التمسك بموقفه المدافع عن نشر صور مسيئة إلى النبي محمد، بذريعة حرية التعبير.

ويرى مراقبون أن تصرفات ماكرون وتصريحاته لا تنطلق من موقف أصيل في الدفاع عن الحق في حرية التعبير، بقدر ما تحركها دوافع "انتهازية" في محاولة لجذب أصوات اليمين المتطرف، والاستفادة من الزخم الذي يحيط بصعود الإسلاموفوبيا في الغرب، لا سيما بعد إخفاقه في عدد من الملفات على رأسها الاقتصاد والوضع الصحي العام، في وقتٍ تتصدر فيه فرنسا الدول الأوروبية في عدد الإصابات بفيروس كوفيد-19 وتتجاوز فيه عدد وفياتها 45 ألفاً.

من جهتها حذّرت منظمة العفو الدولية من أنه في حال إقرار القانون الجديد، فإن الحكومة الفرنسية ستنتهك ميثاق الأمم المتحدة الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966، الذي يحمي حرية التعبير.

وتشير المنظمة الحقوقية الدولية إلى أن موقف ماكرون المروِّج لهذا القانون ليس جديداً على فرنسا التي وصفت سجلها في حرية التعبير بأنه "قاتم"، لافتة إلى أنه في كل عام يُدان آلاف الأشخاص بتهمة "ازدراء الموظفين العموميين". وخلصت المنظمة غير الحكومية إلى أن "الحكومة الفرنسية ليست نصيرة حرية التعبير كما تزعم، ففي 2019 أدانت محكمة فرنسية رجلين بتهمة الازدراء، بعد أن أحرقا دمية لماكرون خلال مظاهرة سلمية".

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً