تركيا تهدد بإعادة التفكير في الوجود العسكري الأمريكي على أراضيها بعد تصويت مجلس الشيوخ الأمريكي بفرض عقوبات على أنقرة (AA)
تابعنا

انتقدت الخارجية التركية بشدة مشروع القانون الذي اعتمدته لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي لفرض عقوبات على أنقرة بسبب صفقة صواريخ S-400 الروسية، وعملية نبع السلام العسكرية التي قامت بها تركيا لتطهير حدودها شرقي الفرات من التنظيمات الإرهابية، معتبرة إياه "إساءة إلى القرارات السيادية الوطنية".

مشروع القانون الذي صوّت عليه 18 عضواً في لجنة العلاقات الخارجية ورفضه 4 آخرون، يُنتظر أن يُعرض الخميس، على الجمعية العامة لمجلس الشيوخ الأمريكي للتصويت عليه. وترى تركيا أن الدافع وراءه "هو خيبة الأمل العميقة الناجمة عن الضربة القاصمة التي وجهتها تركيا إلى المشروع المُعد بعناية في شمال سوريا منذ مدة طويلة"، حسب بيان لوزارة الخارجية التركية.

المساعي الجارية في الآونة الأخيرة في كلا المجلسين بالكونغرس الأمريكي تأتي في سياق حسابات سياسية داخلية، وتدعمها أوساط مناهضة لتركيا، ولن تفيد هذه المساعي سوى في إلحاق الضرر بالعلاقات التركية الأمريكية.

بيان وزارة الخارجية التركية

وكانت تركيا قد وجهت الرد اللازم على مشروع قانون مشابه اعتمده مجلس النواب الأمريكي في 29 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وهو ما أكده الباحث في الشأن التركي أوكتاي يلماز في حديث لـTRT عربي، الذي اعتبر مشروع القرار "إساءة إلى العلاقات التركية الأمريكية ومخالفاً للتفاهمات التركية الأمريكية فيما يتعلق بعملية نبع السلام".

وقال يلماز: "من العبث أن يأتي هذا القرار بعد انتهاء عملية السلام، ويمكن القول إن المبرر الحقيقي لاستهداف تركيا هو إفشالها مشروع زرع كيان إرهابي انفصالي في المنطقة".

ولطالما ردت تركيا على عقوبات أمريكية، وتحدت القرارات الأمريكية وتعاملت بالمثل في فرض عقوبات مماثلة على مسؤولين أمريكيين. فبعد الخلافات الأمريكية التركية حول قضية القس الأمريكي أندرو برانسون المتهم بقضايا تجسس وإرهاب، فرضت واشنطن عقوبات طالت وزيرَي العدل عبد الحميد غُل والداخلية سليمان صويلو التركيّين، في مسعى منها للضغط على أنقرة والتأثير على اقتصادها.

لكن وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو أبلغ نظيره الأمريكي بعد فرض العقوبات أنه "لا يمكن التوصل إلى نتيجة باستخدام لغة التهديد والعقوبات". وفي إطار المعاملة بالمثل، أعلن الرئيس التركي أن أنقرة ستجمّد ممتلكات وزيرَي العدل والداخلية الأمريكيين في تركيا إن وُجدت.

رد تركيا والوجود الأمريكي فيها

فور الإعلان عن مشروع القرار، جاء الرد التركي بتهديدات أطلقها وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو ببحث الوجود العسكري الأمريكي في البلاد إذا ما قررت فرض عقوبات عليها على خلفية شراء أنقرة أنظمة S-400 الروسية.

في حال فرض الولايات المتحدة عقوبات على تركيا، فإن أنقرة ستبحث مسألة الوجود الأمريكي في قاعدتَي أنجيرليك وكورجيك.

وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو

وأكد جاوش أوغلو على أن تركيا منفتحة على شراء بدائل للمقاتلة F-35 الأمريكية بما في ذلك مقاتلات من روسيا، وذلك بعدما علقت الولايات المتحدة مشاركة أنقرة في برنامج المقاتلة بسبب صفقة S-400، حاثّاً أعضاء الكونغرس الأمريكي على إدراك "أنهم لن يصلوا إلى نتيجة عبر الإملاءات".

وتعليقاً على ذلك، قال أوكتاي يلماز لـTRT عربي إن "تركيا قادرة على تنفيذ التهديدات التي أطلقها وزير الخارجية التركي، حتى لو كانت القواعد مرتبطة بشكل أو بآخر بحلف شمال الأطلسي، وأضاف: "سبق أن فعلتها، فبعد عملية قبرص في القرن الماضي قررت واشنطن فرض عقوبات على أنقرة التي ردت بإغلاق جميع القواعد الأمريكية وإنهاء الوجود العسكري التركي، بما فيها قاعدة إنجرليك التي تُستخدم من قبل أمريكا وقوات الناتو".

وأشار يلماز إلى أنه "في هذه الحالة من الممكن إخراج جميع القوات الأمريكية من دون إخراج عناصر الناتو والبلدان الأخرى، بسبب وجود قواعد كثيرة في عدة ولايات تركية".

بدائل تركيا

قال وزير الدفاع التركي، خلوصي أقار الأربعاء، إن بلاده "ستضطر إلى البحث عن بدائل في حال جرى استبعاد أنقرة من مشروع مقاتلات F-35 بسبب شرائنا منظومة S-400 الروسي".

وشدد الوزير على أن "أنظمة الدفاع الجوية والصاروخية ليست خياراً بل مسألة حتمية من أجل أمن 82 مليون مواطن يعيشون في تركيا التي تقع تحت تهديد جوي صاروخي كبير"، مشيراً إلى أن عملية توريد منظومة S-400 تسير كما هو مخطط له، بهدف تلبية الحاجة إلى نظام دفاع جوي صاروخي بشكل عاجل.

الجهود المبذولة لتصميم نظام دفاع صاروخي بعيد المدى وتصنيعه بإمكانيات وطنية مستمرة على قدم وساق، وخلال السنوات القليلة المقبلة سنبدأ استخدام أنظمة الدفاع الصاروخية قصيرة ومتوسطة المدى

وزير الدفاع التركي خلوصي أقار

وتابع: "عندما تنتهي صلاحية استخدام مقاتلات F-16 سيتوجب علينا اقتناء جيل جديد من المقاتلات الحربية، ونتمنى أن تتصرف واشنطن بشكل يتناسب مع روح الشراكة الاستراتيجية بيننا". مشيراً إلى أن ألف قطعة لمشروع مقاتلات F-35 تُصنّع في تركيا، وأن تركيا شريك في تصنيعها وهي تقوم بكامل واجباتها تجاه هذه الشراكة.

وتحدث الصحفي المتخصص في الشأن التركي محمد العباسي لـTRT عربي عن الخيارات المطروحة أمام تركيا مقابل العقوبات، مشيراً إلى أن اجتماع الحكومة التركية الذي ترأسه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ناقش البدائل وسبل مواجهة فرض العقوبات الأمريكية على أنقرة، بخاصة أنها تشتمل على تصدير F-35 وعدم مشاركة تركيا في تصنيع هذه الطائرة.

وقال العباسي إن الحكومة التركية وضعت خطة لمواجهة هذه العقوبات، وقد يعلن أردوغان لاحقاً عن تفاصيلها.

وعن الرد ببحث الوجود العسكري الأمريكي على الأراضي التركية، أكد العباسي أن هذا الرد سيكون مؤثراً جداً على أمريكا، "لأن القواعد العسكرية من أهم عناصر المكونات الفاعلة في العلاقات الثنائية بين البلدين"، مشيراً إلى أن "تركيا من الممكن أن تقوم بإغلاق القواعد الأمريكية، كما فعلت ذلك عام 1975 ردّاً على حظر الكونغرس الأمريكي تصدير السلاح إلى تركيا".

وعن تأثير التجاذب على العلاقات بين البلدين على المستوى السياسي والاقتصادي، قال العباسي إنه "بعد إقرار مجلس الشيوخ للعقوبات على تركيا، سيذهب القرار بعد التصويت عليه إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، وإذا وافق عليه ستدخل العلاقات التركية الأمريكية مرحلة حرجة جداً، وستضطر تركيا إلى اتخاذ إجراءات حاسمة في مواجهة الولايات المتحدة من بينها تفعيل العلاقات مع روسيا، وكما قال وزير الدفاع التركي خلوصي أقار بأن تركيا ستلجأ إلى بدائل أخرى ومن حقها أن تستورد الصواريخ من أي مكان لأن الأمر يتعلق بحماية الأمن القومي التركي".

ويضيف: "يوجد توافق في البيت الأمريكي تجاه مسألة العقوبات على تركيا، بين الحزبين في مجلس الشيوخ وفي لجنة التسليح الخاصة بالبنتاغون، أما موقف البيت الأبيض فسوف يتبلور بعد صدور القانون، وإذا صدر فمن المرجح أن يرفضه ترمب، لأن العلاقات بين البلدين جيدة".

تناقضات أمريكية

التناقض الأمريكي يبدو واضحاً في سياستها تجاه تركيا، وهو ما يعكس عمق الخلافات الداخلية في الولايات المتحدة، فعلى هامش القمة الـ70 لحلف شمال الأطلسي التي عُقدت في العاصمة البريطانية لندن قدم الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الرئيس الأمريكي إشادة علنية بتركيا على ما تقوم به على الحدود السورية، مشيراً إلى وجود "التزام تام بوقف إطلاق النار" على الحدود السورية.

وخلال اللقاء الذي استمر 30 دقيقة بعيداً عن وسائل الإعلام، تباحث الزعيمان في المسألة السورية، وأعلن البيت الأبيض في بيان، أن الزعيمين ناقشا سبل رفع حجم التجارة بين البلدين إلى 100 مليار دولار، إضافة إلى تحديات الأمن الإقليمي وأمن الطاقة.

ترمب أيضاً أجاب على قضية امتلاك تركيا لصواريخ S-400 الروسية، وقال: "من حقها أن تقتني هذه الصواريخ لأن إدارة أوباما لم تعطِها الباتريوت"، ما أوقف الجدل حول هذه المسألة التي واجهت تعقيدات كبيرة في الفترة السابقة.

من جانبه، قال جون رود مستشار وزارة الدفاع الأمريكية للشؤون السياسية، إن بلاده تواصل التشاور مع تركيا لإيجاد مخرج لأزمة منظومة S-400 وأوضح أن بلاده تواصل الحوار مع تركيا من أجل حل هذه الأزمة بطريقة إيجابية.

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً