الشارع العراقي بات لاعباً رئيسيّاً في اختيار رئيس الحكومة (AFP)
تابعنا

تُطرح أسماء وتستثنى أخرى لرئاسة الحكومة العراقية، وبحذر شديد يراعي الرئيس العراقي برهم صالح المكلف اختيار رئيس الوزراء، السياقات الدستورية والتوقيتات الزمنية المحددة لانتهائها.

وتبرز مطالب الشارع الذي يدخل من بوابة الانتفاضة الشعبية ليكون لاعباً رئيسيّاً في اختيار رئيس الحكومة، مثبتاً ذلك برفضه ترشيح النائب في البرلمان محمد السوداني للمنصب. وعلى عكس رغبة شريحة واحدة من النخبة السياسية فإن المحتجين مصرون على اختيار شخصية مستقلة نزيهة بعيدة عن نفوذ الطبقة الحاكمة.

ويعتبر تحديد الكتلة البرلمانية الأكبر كما يحدث دائماً في العراق المأزق الأكبر، إلا أن الأحزاب، بخاصة الشيعية، تقول مصادر عراقية إنها غير متفقة حتى الآن، مما يطرح فكرة تولي الرئيس العراقي المنصب نفسه.

في المقابل أبدت عدة أحزاب تأييديها لشروط المتظاهرين كالتيار الصدري، ليبقى احتمالان لا ثالث لهما: إما اختيار مرشح يؤيده الشارع وإما فرض شخصية غير مقبولة، مما يحتمل أن يقود إلى موجة مواجهات وينذر بموجة عنف أكبر من سابقتها.

شروط الشارع العراقي

بعد العنف الذي يُستخدم ضدّ المتظاهرين في العراق، أصبح من الصعب أن يقتنع المحتجون ويوافقوا على اختيار رئيس للحكومة يخالف شروطهم ومطالبهم التي قُتل المئات من أجل تحقيقها منذ انطلاق الاحتجاجات مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

من يرأس الحكومة بعد عادل عبد المهدي الذي أجبره المحتجين على الاستقالة مطلع ديسمبر/كانون أول الجاري؟ السؤال الذي يؤرِّق المحتجين الذين وزَّعوا بياناً الثلاثاء طالبوا فيه رئيس الجمهورية برهم صالح بتسمية رئيس للحكومة ينسجم مع مطالبهم.

البيان جاء قبل يوم من عقد البرلمان جلسة لهذا الغرض يوم الخميس المقبل، حدد فيه المتظاهرون مواصفات المرشح لمنصب رئيس الوزراء الذي "يجب أن يكون مدنيّاً مستقلّاً لا عسكريّاً، ولا ينتمي إلى أي حزب أو تيار، ومن غير مزدوجي الجنسية، ويتعهد بعدم الترشيح للحكومة المقبلة، وأن يعمل على تحقيق مطالب المحتجين في مدة أقصاها ستة أشهر"، ولم يكُن وزيراً أو بدرجة وزير أو برلماني أو محافظ، وأن يكون نزيهاً وشجاعاً ولم يُتّهم في أي قضية فساد"، حسب البيان.

ويرفض المتظاهرون بشكل قاطع تسمية أي رئيس وزراء يكمل حقبة الفساد الحالية، أو لا يحظى بقبول شعبي، كما طالبوا "بالتزام البرلمان إقرار قانون انتخابات عادل كما دعت إليه ساحات الاعتصام مسبقاً، على أن يعتمد التصويت الفردي 100% والدوائر الانتخابية المتعددة والصغيرة حسب الكثافة السكانية، واعتماد الفائز الحاصل على أكثر من 50% من الأصوات وليس الأكثر عدداً".

وحدّد المتظاهرون سنّ رئيس الوزراء الجديد بـ"أن لا يتجاوز 55 عاماً، وأن يكون قراره عراقيّاً مستقلّاً خالصاً ولا يخضع لضغوط الكتل السياسية أو للتدخلات الخارجية"، محذرين الأحزاب من إدراج أي فقرة تصبّ في مصالحهم لا بمصلحة الشعب، وتحديد موعد للانتخابات المبكرة خلال مدة أقصاها شهر واحد وحلّ البرلمان.

مرشَّحون لا يرضاهم الشارع

يُحاصَر الرئيس العراقي في مأزق سياسي، إذ عليه تكليف رئيس وزراء جديد ضمن المهلة الدستورية المحددة، ومن غير المعروف حتى الآن إذا ما كان المرشح ترتضيه الحكومة والأحزاب أو الحراك.

وتَسلَّم الرئيس العراقي قوائم بأسماء مرشحين لتولِّي منصب رئيس الوزراء، وبعد استبعاد اسم محمد السوداني الذي لاقى معارضة شرسة من الشارع، تبقى ثلاثة أسماء بارزة.

وكشفت مصادر سياسية مطّلعة لوكالة الأنباء العراقية عن تَسلُّم رئيس الجمهورية برهم صالح قائمة تضم عدداً من الأسماء المرشحة لرئاسة الحكومة، وأشارت إلى أن "رئيس الجمهورية قد يذهب لتكليف مرشح رئيس الوزراء بعيداً عن تسمية الكتلة الأكبر عدداً"، مبينة أن "الكتلة الأكبر انتهت بعد ترشيح عادل عبد المهدي لمنصب رئيس الوزراء".

الرئيس العراقي تسلم قائمة تضم أسماء المرشحين لرئاسة الحكومة من بينهم محمد شياع السوداني وأسعد العيداني وقصي السهيل ومصطفى الكاظمي، وتسلم أيضاً قائمة بأسماء مرشحة قد تكون من قبل المتظاهرين أبرزها القاضي رائد جوحي

مصادر مطلعة لوكالة الأنباء العراقية

وأشارت الوكالة إلى أن هذه الأسماء قابلة للتغيير "حسب المتغيرات وتوافق الكتل السياسية"، لافتة إلى أن رئيس الجمهورية سيكلف شخصية لرئاسة الحكومة يضمن مقبوليتها والتصويت عليها في مجلس النواب.

وأكّدَت مصادر أن "الأسماء المطروحة ما زالت على حالها، والخيارات باتت محصورةً بين كل من رئيس جهاز المخابرات الوطني مصطفى الكاظمي، ووزير التعليم العالي قصي السهيل، والنائب محمد شياع السوداني، ووزير النفْط الأسبق محمد إبراهيم بحر العلوم، ومحافظ البصرة أسعد العيداني"، وتشير المصادر إلى أن حظوظ هؤلاء شبه متساوية.

ومن المرشحين مصطفى الكاظمي، وهو صحفي أصبح رئيساً لجهاز المخابرات الوطني منذ 2016، وغير معروف إن كان مرشَّحاً لتيار الحكمة الوطني الذي يتزعمه رجل الدين الشيعي عمار الحكيم، أو منتمياً إلى حزب الدعوة بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي.

ويتمتع الكاظمي بعلاقات جيدة بكل من الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، حسب مراقبين، وألّف عدداً من الكتب، منها "مسألة العراق - انشغالات إسلامية - علي ابن أبي طالب الإمام والإنسان".

أما رائد جوحي، فيشغل منصب المفتش العام لوزارة المالية بعدما كان المفتش العام لوزارة، بالإضافة إلى نفس الوظيفة في جهاز مكافحة الإرهاب، ووزارتي التخطيط والخارجية، كما كان رئيساً لمحكمة الجنايات العراقية العليا.

واندلعت تظاهرات احتجاجية ضدّ ترشيح جوحي في ساحة التحرير ببغداد، لأن المتظاهرين يعتبرونه مرشحاً لحزب الدعوة بزعامة نوري المالكي.

في السياق ذاته يُرجَّح اسم علي علاوي الأكاديمي ووزير التجارة والدفاع في حكومة مجلس الحكم العراقي ووزير المالية في الحكومة العراقية المؤقتة، وهو حاصل على الجنسية البريطانية، وله علاقات جيدة برئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي.

وحين عُرض عليه تولي وزارة المالية، رفض مدّعياً عدم وجود إمكانية لعملية إصلاح جدية في العراق في ظل التركيبة السياسية الحالية".

معضلة الكتلة الكبرى

الكاتب والباحث السياسي بمركز دراسات الشرق الأوسط جاسم الشمري يقول لـTRT عربي، إن "الكتل السياسية والبرلمان ورئيس الجمهورية في مأزق، وأحرجتهم المظاهرات، لأن شروط الجماهير لرئيس الوزراء القادم لا يمكن أن تنطبق على أي شخصية موجودة في الكتل السياسية، ومن هنا تأتي الإشكالية".

ويشير الشمري إلى أن الرئيس العراقي رمى الكرة في ملعب البرلمان لأنه يعلم حقيقة التناحر الموجود داخله، ومثال ذلك سؤال: ما هي الكتلة الكبرى؟ هل هي الكتلة التي فازت بالانتخابات الماضية أم التي شُكّلت في أثناء الجلسة الأولى للبرلمان؟

من جانبه يتحدث مستشار المركز العراقي للتنمية الإعلامية علي فضل الله لـTRT عربي، عن دوافع الرئيس العراقي لرمي الكرة مرة جديدة أمام البرلمان، قائلاً إن "الموضوع مشترك بين كل الطبقة السياسية، المسؤولة أمام الشارع، والمهمّ هو احترام رغبة الشارع، لا الفترة الدستورية ومدتها".

مسألة الكتلة الكبرى كان نوّه بها عادل عبد المهدي الذي قال إنه سيستقيل في حال وجود البديل، وهي مرتكَز تشكيل الحكومة القادمة

مستشار المركز العراقي للتنمية الإعلامية - علي فضل الله

ويؤكّد فضل الله أن الشارع العراقي يزاحم الكتلة السياسية، ويطلب استبدال الرئيس، لكنه لم يحدّد شروطه، ومن الصعب أن تُرضِي الطبقة السياسية مزاج الشارع، "لذلك كان عليها أن يكون لديها إجراء احترازي وقائي قبل استقالة عادل عبد المهدي".

في السياق ذاته يرى الباحث القانوني والمستشار السابق بحكومة نوري المالكي لـTRT عربي، أن أبطال اللعبة الدستورية هم النواب وليس برهم صالح وعادل عبد المهدي، لأنهم على دراية بأن الدستور يقرر حسب المادة 76، إذ يكلّف رئيس الجمهورية الكتلة الأكثر عدداً، وما يفعله هو إجراء تشريفي ليس أكثر، إذ إنه مُلزَمٌ تكليف من تختاره الكتلة النيابية الكبرى.

ويضيف: "ليس لدينا كتلة كبرى، فهي لعبة لا أساس لها، فليس في الدورات البرلمانية كافة كتلة كبرى، فهي التي يجب أن تحصل على أصوات أكثر من نصف أعضاء مجلس النواب، ولو تحالفت كتل معاً فلن يحصل أي منها على أكثر من النصف".

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً