وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة أكد لنظيره الليبي محمد سيالة أن الاتفاق السياسي الموقَّع بالصخيرات، هو المرجعية الأساسية لأي حل سياسي في ليبيا (AFP)
تابعنا

تباينت مواقف الدول العربية من مبادرة السيسي الأخيرة تجاه الأزمة الليبية، بشكل يعكس الاختلاف العميق بينها تجاه قواعد الحل السياسي لإنهاء الاقتتال في هذا البلد النفطي، وبات جلياً أن دول المنطقة المغاربية ليست على نفس موجة باقي الدول، خصوصاً الموقف المغربي.

وينبني الموقف المغربي على رغبة المملكة في الوقوف على الحياد وعدم الانحياز، مؤكداً وقوفه على مسافة واحدة من جميع الأطراف الليبية، ومتمسكاً باتفاق الصخيرات، ورافضاً المبادرة المصرية، وبشكل خفي دعم الإمارات لحفتر، في الوقت الذي لم يعُد فيه خفياً الخلاف الصامت بين الرباط وأبو ظبي.

رفض مبادرة السيسي والتمسّك باتفاق الصخيرات

بحضور الانقلابي خليفة حفتر، ورئيس مجلس نواب طبرق عقيلة صالح، طرح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ما سمّاه "بيان القاهرة" لوقف إطلاق النار في ليبيا، والتزام حظر تصدير السلاح إلى طرفي النزاع، والعمل على التوصل إلى تسوية سياسية.

ورحّب كل من الإمارات والسعودية والأردن والبحرين إلى جانب روسيا وبعض الدول الأوروبية بإعلان القاهرة، فيما تجاهلته الحكومة الليبية الشرعية، ورفضته تركيا، ونأت الولايات المتحدة بنفسها عنه.

وقوبلت المبادرة المصرية برفض وتجاهل الجزائر وتونس والمغرب، إذ تمسكت الخارجية المغربية باتفاق الصخيرات، الموقع في 2015، والمعروف باسم الاتفاق السياسي، كمرجعية وحيدة للحل في ليبيا.

وقالت الخارجية الليبية في بيان ساعتها، إن وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، أكّد لنظيره الليبي محمد سيالة، "أن الاتفاق السياسي الموقَّع بالصخيرات، هو المرجعية الأساسية لأي حل سياسي في ليبيا".

وتتمسك الرباط بالقرارات التي اتُّخذت في "لقاء الصخيرات"، الذي جرى توقيعه تحت رعاية أممية بمدينة الصخيرات المغربية، في 17 ديسمبر/كانون الأول 2015، لإنهاء الصراع في ليبيا.

في هذا الصدد قال تاج الدين الحسيني، الأكاديمي والخبير في العلاقات الدولية، إن بلاده "تطالب الفرقاء الليبيين بحوار مباشر والتمسك بالقرارات التي اتخذت في لقاء الصخيرات، علماً أن هذا الاتفاق كان يدعو الأطراف إلى التزام فترة انتقالية لغاية إجراء انتخابات".

واعتبر أن اتفاق الصخيرات كفيل بإنهاء النزاع على أساس أن الجميع وافق عليه، وحظي بتزكية مجلس الأمن والمجتمع الدولي.

ولفت الحسيني إلى أن بلاده كانت معنية بالاستدعاء لمؤتمر برلين، ما دامت معنية بالنزاع في منطقة المغرب العربي، بالإضافة إلى استضافتها الأطراف والتوصل إلى اتفاق الصخيرات، الذي يشكل خارطة طريق للفرقاء الليبيين من أجل التوصل إلى نتائج إيجابية.

وكان المغرب عبّر عن استغرابه لإقصائه من مؤتمر برلين، وقالت الخارجية المغربية في بيان، إن "المملكة كانت دائماً في طليعة الجهود الدولية الرامية إلى تسوية الأزمة الليبية".

وأضاف البيان أن "المملكة اضطلعت بدور حاسم في إبرام اتفاقات الصخيرات، التي تشكّل حتى الآن الإطار السياسي الوحيد الذي يحظى بدعم مجلس الأمن وقبول جميع الفرقاء الليبيين، من أجل تسوية الأزمة في هذا البلد المغاربي الشقيق".

حياد دون تَخلٍّ عن الدور الإقليمي

في العموم، يتّسم موقف الرباط من الملف الليبي بالحياد دون الوقوف مع هذا الطرف أو ذاك، والتركيز على ضرورة الحوار بين مختلف أطراف الأزمة، في محاولة لمسك العصا من الوسط.

في هذا الصدد، اعتبر الخبير المغربي في العلاقات الدولية، محمد العمراني بوخبزة، اعتبر أن موقف بلاده إزاء الأزمة الليبية واضح، و"يتمثل في الحياد ودعوة الأطراف للحوار، مع رفض أي تدخل أجنبي".

وأضاف أن الرباط لا يمكنها التخلي عن دورها في إيجاد حل للملف الليبي، نظراً لانتماء ليبيا إلى "الفضاء المغاربي"، بالإضافة إلى ما يمثله من تحدٍ للحفاظ على الأمن القومي للمغرب.

وأوضح أن القرب الجغرافي لليبيا يفرض حضور هذا الملف في الأجندة الخارجية للرباط، رغم طبيعة وخصوصية السياسة الخارجية لبلاده، التي تتسم بـ"التكتم" وعدم الاعتماد على "الجانب الدعائي"، بل على "البحث عن مخرجات وقرارات ذات نتائج إيجابية".

وذكر العمراني بوخبزة بكون بلاده "استطاعت أن تكون فضاء للحوار بين مختلف مكونات الأطراف الليبية في الصخيرات، وهو ما أدى إلى التوصل لاتفاق"، وأبرز أن "ضمان استقرار ليبيا هو ضمان استقرار للمنطقة ككل".

بدوره، اعتبر تاج الدين الحسيني، أنه في ظل هذا الصراع بين حكومة الوفاق الوطني الشرعية وميليشيات حفتر "بات الأمر يتعلق بوجود عدة محاور".

وأوضح أن بلاده "اختارت الحياد الإيجابي حيال الأزمة الليبية، دون الوقوف مع هذا الطرف أو ذاك، لكن في الوقت نفسه "تدعو للحوار بينهما والتمسك بقرارات الصخيرات".

وقال الحسيني إن "عدداً من الدول (لم يحددها) بدأت ترفض هذا التوجه، خصوصاً أنها تعتبر أن الرباط لا يريد دعم طرف على حساب الآخر"، في إشارة إلى دور الإمارات بالأساس.

توتر صامت مع الإمارات

موقف المغرب الأخير من الأزمة الليبية يأتي في سياق "توتر صامت" في العلاقات بين الرباط وأبو ظبي، يطفو على السطح بين فينة وأخرى، لأسباب أبرزها موقف الرباط المحايد من الحصار المفروض على قطر ضمن الأزمة الخليجية القائمة منذ عام 2017، وكذلك موقفها من الأزمة الليبية، بجانب انسحاب المملكة من الحرب في اليمن.

في هذا السياق قال خالد الشيات، أستاذ العلاقات الدولية في "جامعة محمد الأول"، إن "الأزمة المستعصية بين المغرب والإمارات لم تُعد اليوم تخفى على أحد".

وذكر الشيات أن "المغرب كان دائماً على علاقة جيدة مع الإمارات والسعودية، لكن هؤلاء من خلال سياساتهم الرعناء أصروا على فقد هذا الحليف الاستراتيجي، ولم يرُقهم موقف الرباط من حصار قطر والتدخل الخارجي في اليمن وليبيا وغيرهما من الدول".

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً