انتشار كورونا يثير تخوفات من الركود وتدهور الاقتصاد العالمي بشكل يشبه الأزمة المالية عام 2008 (AFP)
تابعنا

يستمر تأثير انتشار فيروس كوفيد-19 المعروف بكورونا، في الاقتصاد العالمي، بشكل قد يعيد العالم إلى معاناة تشبه تلك التي كانت قبيل الأزمة المالية 2008، حين كان مُثقلاً بالديون، بخاصة أنه بدأ في الصين التي لها أثر كبير على اقتصاد عديد من الدول، ثم انتشر وتفاقم عكسيّاً مع تضاؤل الاقتصاد.

وخلال القرن الماضي كانت حالات الركود دائماً ما تبدأ بفترة متواصلة من ارتفاع أسعار الفائدة، لكن هذه المرة ضرب الوباء الاقتصاد العالمي المثقل بمستويات قياسية من الديون.

تدهور الاقتصاد

واصلت أسعار النفط الخام هبوطها الأربعاء إلى أدنى مستوياتها منذ يناير/كانون الثاني 2016، مدفوعة بارتفاع وتيرة التخوفات العالمية من تفشّي فيروس كورونا وتبعاته الاقتصادية على الأسواق.

يأتي ذلك فيما أعلنت السعودية الثلاثاء، عزمها زيادة صادرات النفط الخام خلال الفترة المقبلة إلى أزيد من 10 ملايين برميل يوميّاً، مقارنة بمتوسط 7.3 مليون حاليّاً، بما يهدّد بتخمة في المعروض.

ونزلت معظم بورصات الشرق الأوسط إلى مستويات متدنية جديدة لعدة سنوات الثلاثاء، إذ نال تنامي القلق من وباء فيروس كورونا من المعنويات، فيما التقطت البورصة السعودية أنفاسها بعد تراجعها على مدى أربع جلسات، حسب وكالة رويترز.

ولا يختلف الأمر في أوروبا، إذ قال وزير المالية الفرنسي برونو لومير إن بلاده ستضخّ 45 مليار يورو، أي ما يعادل 50.22 مليار دولار، في الاقتصاد من خلال إجراءات طارئة لمساعدة الشركات والعمال، في الوقت الذي يُتوقَّع فيه أن ينكمش الناتج الاقتصادي 1% هذا العام بسبب تفشِّي فيروس كورونا.

وبسبب الضغط المفاجئ على المالية العامة ستُضطرّ الحكومة إلى تمزيق خططها لميزانية 2020.

الحزمة -البالغة قيمتها نحو اثنين بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي- ستثقل حتماً كاهل المالية العامة للدولة وتدفع الدَّين العامّ إلى تجاوز الناتج الإجمالي

وزير المالية الفرنسي - برونو لومير

من جانبها، أعلنت إسبانيا عن حزمة ضخمة حجمها 200 مليار يورو لمساعدة الشركات وحماية العمال والفئات الضعيفة المتأثرة بأزمة فيروس كورونا الآخذة في الاتساع.

وقال رئيس الوزراء الإسباني بدرو سانتشث إن "الأزمة الصحية تسببت في توقُّف عجلة الاقتصاد بالبلاد"، لكنه لم يذكر إن كان الأمر قد يصل إلى درجة الانكماش الاقتصادي كما في دول أخرى مثل فرنسا. وقال إن الحكومة ستحتاج إلى ”ميزانية إعادة بناء“ جديدة للتعامل مع ما بعد الوباء عندما ينحسر.

كما تراجعت أسعار النفط الخام الأمريكي بنسبة 3.3% عند أدنى مستوى في 17 عاماً، مدفوعة بإجراءات أمريكية لمكافحة تفشِّي فيروس كورونا.

الفيروس وتدمير الاقتصاد العالمي

وكتب المستثمر الهندي روتشير شارما مقالاً في جريدة نيويورك تايمز الأمريكية، بعنوان "كيف سيدمر فيروس كورونا الاقتصاد العالمي"، أوضح فيه أن فيروس كورونا سيهدّد بإحداث عدوى مالية في اقتصاد عالمي يعاني من نقاط ضعف في عالم أصبح مثقلاً بالديون بشكل كبير أكثر مما كان عليه الحال حين اندلعت الأزمة المالية الأخيرة.

وقال الكاتب إنه في الوقت الذي تتعامل فيه الشركات مع احتمال حدوث توقُّف مفاجئ لتدفقاتها النقدية، سيكون جيل جديد نسبيّاً من الشركات التي تكافح لسداد القروض المتخلدة بذمتها أشدّ تأثراً بهذه الأزمة، فضلاً عن التداعيات الخطيرة للمطارات المهجورة والقطارات الفارغة والمطاعم شبه الفارغة على النشاط الاقتصادي.

كلما طالت مدة وباء كورونا، زاد احتمال حدوث أزمة مالية، ولا سيما في ظل تخلّف شركات "الزومبي" عن سداد ديونها مثلما حدث خلال أزمة الرهن العقاري الخطيرة التي ظهرت عام 2008

المستثمر الهندي روتشير شارما في نيويورك تايمز

ويتساءل الكاتب: لماذا يشعر النظام المالي بالضعف الشديد مرة أخرى؟

ويضيف: "عام 1980 بدأت ديون العالم في الارتفاع بسرعة، إذ بدأت أسعار الفائدة في الهبوط وتضاعفت الديون ثلاث مرات لتصل إلى ذروتها التاريخية بأكثر من ثلاثة أضعاف حجم الاقتصاد العالمي عشية أزمة عام 2008. انخفض الدين في ذلك العام، لكن أسعار الفائدة المنخفضة القياسية سرعان ما غذّت سلسلة جديدة من الاقتراض.

وصُمّمَت سياسات الأموال السهلة التي اتبعها الاحتياطي الفيدرالي، والتي وازنتها البنوك المركزية حول العالم ، للحفاظ على نمو الاقتصادات وتحفيز الانتعاش من الأزمة. وبدلاً من ذلك ذهب جزء كبير من هذه الأموال إلى الاقتصاد المالي، بما في ذلك الأسهم والسندات والائتمان الرخيص لشركات غير مربحة.

وينوه الكاتب بأنه مع استمرار التوسع الاقتصادي أصبح المقرضون أكثر تراخياً بشكل متزايد، إذ قدّموا قروضاً رخيصة للشركات ذات التمويل المشكوك فيه. واليوم وصل عبء الديون العالمية إلى أعلى مستوى له على الإطلاق.

ويبلغ مستوى الدين في قطاع الشركات الأمريكية 75 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، محطماً الرقم القياسي السابق الذي سجله في عام 2008. ويختبئ داخل سوق ديون الشركات التي تبلغ قيمتها 16 تريليون دولار عديد من مثيري الشغب المحتملين، بما في ذلك الزومبي.

وأوضح الكاتب أن الضغوط تضاعفت جرَّاء تراكم الديون لدى الصناعات التي تأثرت بفيروس كورونا، بما في ذلك النقل والترفيه وقطاع السيارات، وربما الأسوأ من ذلك كله، تأثر قطاع النفط.

وقال الكاتب إن "المخاوف تتزايد من انهيار الطلب مقابل وفرة العرض وإغراق السوق، فقد انخفضت أسعار النفط إلى ما دون 35 دولاراً للبرميل، وهو مستوى يُعَدّ متدنّياً للغاية بالنسبة إلى عديد من شركات النفط التي تسعى لسداد ديونها وفوائدها".

بغضّ النظر عما يفعله صانعو السياسة، سيكون الأمر مربوطاً بفيروس كورونا ومدى تراجع انتشاره

نيويورك تايمز

وأضاف أنه على الرغم من أن المستثمرين كانوا دائماً ما يطالبون بعوائد أعلى لشراء السندات الصادرة عن الشركات التي تعاني من أزمات مالية، فإن قيمة أقساط التأمين التي يطلبونها على الديون الأمريكية تضاعفت منذ منتصف فبراير/شباط.

وشدّد على أنه على الرغم من أن العالم لم يشهد بعد ركوداً ناتجاً عن الفيروس، فإن الأمر أصبح في الوقت الراهن يتعلق بوباء نادر للغاية، فعندما تنخفض حركة الأسواق، سيشعر ملايين المستثمرين بأن ثرواتهم ستقلّ، مما سيدفعهم إلى تقليل حجم الإنفاق، حسب الكاتب.

TRT عربي
الأكثر تداولاً