تعمّق الأزمة المعيشية جراء الارتفاع الكبير في أسعار المواد الاستهلاكية وتراجع القدرة الشرائية دفع المواطن اللبناني إلى الشارع (AP)
تابعنا

شهدت ليلة الاثنين/الثلاثاء مواجهات بين المتظاهرين والجيش في مدينة طرابلس اللبنانية، بعد أن قام عدد من المتظاهرين بتحطيم واجهات بعض المصارف، لتؤدي اشتباكات لاحقة مع القوات الأمنية إلى مقتل شاب، الثلاثاء، متأثراً بجروحه فيما أصيب عشرون آخرون، حسب ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية عن مصادر صحية.

وقال مراسل TRT عربي في لبنان، إن المحتجين استخدموا الزجاجات الحارقة (مولوتوف) لإضرام النيران في المصارف، وأضاف أن المواجهات مستمرة إلى حدود عصر الثلاثاء، وأنه من غير المعروف متى ستنتهي.

من جهتها، أصدرت قيادة الجيش بياناً، صباح الثلاثاء، أعربت فيه عن "بالغ أسفها لسقوط شهيد خلال احتجاجات الأمس"، وأكدت أنها "فتحت تحقيقاً في الحادث"، وجددت "تأكيدها احترام حق التعبير عن الرأي شرط أن لا يأخذ التحرك منحى تخريبياً يطال المؤسسات العامة والخاصة"، مع دعوة "المواطنين للالتزام بالإجراءات الأمنية".

وعمل الجيش حتى وقت متأخر من صباح الثلاثاء على تطويق التحركات، وأعلنت قيادته في بيان تعرض ثلاثة مصارف وعدد من الصرافات الآلية للحرق، واستهداف آلية عسكرية ودورية في المدينة، ما تسبب في إصابة أربعين عسكرياً، وأفادت عن توقيف تسعة أشخاص "لإقدامهم على رمي المفرقعات والحجارة".

وقطع عشرات المتظاهرين طرقاً عدة في البلاد خلال الليلتين الأخيرتين، كما نظموا تحركات احتجاجية أمام عدد من المصارف، فيما عمل الجيش على فتح الطرق ما أوقع 14 إصابة أخرى في صفوفه وأوقف أربعة متظاهرين.

غلاء وبطالة وانهيار اقتصادي

تأتي موجة التحركات الجديدة في البلاد في خضم انهيار اقتصادي، بدأت ملامحه منذ العام الماضي، ما دفع مئات آلاف اللبنانيين إلى الشوارع بشكل غير مسبوق في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ناقمين على الطبقة السياسية التي يتهمونها بالفساد وفشلها في تحسين الوضع الاقتصادي. وعلى الرغم من أن موجة الحراك الأولى أطاحت بالحكومة السابقة، إلّا أن الحكومة الجديدة لم تتمكن منذ مطلع العام من اتخاذ أي إجراء يخفّف من معاناة المواطنين.

وجاءت التحركات مساء اليوم الثالث من شهر رمضان، بعد أن تعمّقت الأزمة المعيشية وارتفعت شكاوى المواطنين جراء الارتفاع الكبير في أسعار المواد الاستهلاكية وخسارة قدرتهم الشرائية.

وفاقمت إجراءات الإغلاق التي اتخذتها الحكومة منذ منتصف مارس/آذار في إطار مكافحة فيروس كورونا الأعباء المعيشية الملقاة على عاتق المواطنين، بالتزامن مع بلوغ سعر صرف الليرة، في الأسبوع الأخير، عتبة أربعة آلاف مقابل الدولار في السوق الموازية فيما السعر الرسمي ما زال مثبتاً على 1507 ليرات.

نشهد الآن موجة ثانية للثورة اللبنانية، تطالب بمغادرة النظام السياسي الحالي واستبداله بنظام يستطيع أن يؤمن العدالة الاجتماعية

مكرم رباح - باحث سياسي لبناني

وانعكس هذا إلى حد كبير على القدرة الشرائية للمواطنين، إذ قدّر وزير الاقتصاد راوول نعمة، الثلاثاء، نسبة ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية بـ55٪، حسب وكالة الصحافة الفرنسية.

وبحسب تقديرات رسمية، يرزح 45٪ من اللبنانيين حالياً تحت خط الفقر، فيما خسر عشرات الآلاف مورد رزقهم أو جزءاً من رواتبهم خلال الأشهر الستة الماضية، بعد أن أقفلت عدد من الشركات أبوابها ومن بينها مجمعات تجارية وفنادق وشركات صغيرة ومتوسطة.

انفجار اجتماعي؟

منذ توليها مهامها مطلع العام الجاري، أعلنت حكومة التكنوقراط التي شكلها حسان دياب خلفاً لسعد الحريري، أنها ستنكبّ على وضع خطة إنقاذية للنهوض بالاقتصاد وإجراء إصلاحات ملحة، وعلى إعادة هيكلة الديون، دون أن تُقدم بعد على أي إجراء عملي وسط تفاعل أزمة السيولة وشح الدولار.

وفي قراءته للأحداث، قال الباحث السياسي مكرم رباح، إننا نشهد الآن "موجة ثانية للثورة اللبنانية"، تتخطى "الجوع والحرمان" وتطالب بمغادرة النظام السياسي الحالي و"استبداله بنظام يستطيع أن يؤمن العدالة الاجتماعية".

وأضاف رباح، في حديثه لـTRT عربي، أن الطبقة السياسية الحاكمة اليوم "لم تبادر بالقيام بأي خطوة إصلاحية، وتلقي اللوم على النظام المصرفي الذي لا يتحمل مسؤولية هذا السقوط على الرغم من أنه مذنب أيضاً".

من جهته، قال الخبير الاقتصادي سامي نادر: "حتى الآن، لم تفعل الحكومة شيئاً باستثناء تعليق دفع سندات اليوروبوند. لم تتخذ أي إجراء باتجاه الإصلاح"، حسب ما نقلته عنه وكالة الصحافة الفرنسية.

ويرى نادر أن الحكومة، التي هاجم رئيسها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بشدة محملاً إياه مسؤولية التدهور السريع في سعر الصرف، "تطرح مقاربة غير متوازنة بتركيزها على الموضوع النقدي والمصرفي، وهو ضروري جداً، لكن من دون إغفال أو القفز فوق الإصلاحات في الكهرباء والقطاعات المنتجة والمرفأ".

ويحذّر نادر من أن البلاد "مقبلة على انفجار اجتماعي لا محالة، مع خسارة الليرة نحو 200٪ من قيمتها، وانحسار القدرة الشرائية للمواطنين"، مبدياً خشيته من "سقوط حر من دون أي كابح أو مظلة".

وفي ظل الحاجة إلى ضخ أموال في الاقتصاد اللبناني، يقول نادر إنّ "اللجوء إلى صندوق النقد الدولي، على سوئه، بات الخيار الوحيد لإبقاء قطاع الإنتاج حياً، ولحماية شبكات الأمان الاجتماعي".

أعلنت قيادة الجيش اللبناني تعرض ثلاثة مصارف وعدد من الصرافات الآلية للحرق (Reuters)
TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً