شكل وقف إطلاق النار في ليبيا أرضية جديدة للبدء بعملية سياسية تفتح الطريق نحو حل سياسي شامل (Reuters)
تابعنا

استنفار الانقلابي خليفة حفتر مليشياته مؤخراً لخوض حرب جديدة ضد الحكومة الشرعية في طرابلس اصطدم لحد الآن برفض ثلاث دول من أكبر داعميه لهذه الخطوة، لم تكن بينها الإمارات.

فكل من روسيا ومصر وفرنسا رفضت جميعاً تهديدات حفتر بإشعال حرب جديدة في ليبيا، خلال خطاب ألقاه في 24 ديسمبر/كانون الأول المنصرم، بمناسبة الذكرة الـ69 لاستقلال البلاد.

فرنسا تتراجع عن دعم الحل العسكري

باريس الداعم الأوروبي الرئيسي لحفتر لم تتحمس لخطابه "الحربي"، ودعت "كل الأطراف" إلى "الامتناع عن استئناف الأعمال العدائية".

ففي 28 ديسمبر/كانون الأول شدد المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية على أنه "لا حل عسكري في ليبيا. الأولوية لتطبيق اتفاق وقف إطلاق النار".

والموقف الفرنسي يتماهى هذه المرة مع الجهود الأمريكية الداعمة لملتقى الحوار السياسي الهادف لتشكيل مجلس رئاسي وحكومة جديدين، والتحضير لانتخابات عامة مقررة في 24 ديسمبر/كانون الأول 2021.

فرغم أن المواقف السابقة لباريس اتسمت بالتناقض بين القول والفعل، فإن دعمها العسكري الفاضح لحفتر "تقلص" بعد انكشاف دورها السلبي خلال عدوانه على طرابلس.

وزار وزير الداخلية الليبي فتحي باشاغا إلى باريس، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، واستقباله من ثلاثة وزراء فرنسيين أقوياء، هم وزير الداخلية جيرالد دارمانان، ووزير الخارجية جان إيف لودريان، رجل حفتر في الحكومة الفرنسية، ووزيرة الجيوش فلورانس بارلي.

ووقع باشاغا، حينها، مع شركات فرنسية مذكرات تفاهم لشراء مروحيات وأنظمة بيومترية لاستعمالها في أغراض أمنية ومدنية.

وكانت تلك خطوة لمحاولة سحب فرنسا من المحور الداعم لحفتر، أو على الأقل اتخاذها مواقف أكثر حيادية وأقل عدائية ضد الحكومة الليبية، وهو نفس الهدف الذي قاد باشاغا إلى القاهرة قبلها بأيام.

مصر لن تسمح للإمارات بالعبث بمصالحها

زيارة وفد مصري رفيع المستوى إلى العاصمة الليبية طرابلس بعد ثلاثة أيام من تهديدات حفتر، ثم اتصال وزير الخارجية المصري سامح شكري هاتفياً بنظيره الليبي محمد سيالة، يعكس ضمنياً رفض القاهرة لأي مغامرة تهدد استقرار المنطقة.

خصوصاً أن المتحدث باسم وزارة الخارجية محمد القبلاوي، كشف في تغريدة له أن الوفد المصري "وعد الجانب الليبي بإعادة عمل السفارة من داخل طرابلس في أقرب الآجال. كما تم الاتفاق على ضرورة وضع حلول عاجلة لاستئناف الرحلات الجوية الليبية للقاهرة".

ومن يسعى لفتح سفارة له في طرابلس بعد 6 سنوات من غلقها واستئناف الرحلات الجوية، من المستبعد أن يدعم حرباً جديدة.

ويتوافق هذا الطرح مع ما نقله موقع "مدى مصر"، عن مصدر مسؤول قوله: إن "زيارة الوفد المصري (إلى طرابلس) أتت على خلفية استياء القاهرة من التحرك الإماراتي لفرض حرب أهلية في ليبيا".

وتأكيد مصدر ليبي مطلع للموقع أن "المصريين أبلغوا نظراءهم الليبيين أنهم لن يقبلوا بالعودة إلى الحرب".

وهذا التصريح يكشف أن تهديد حفتر بالعودة إلى الحرب ليس سوى نتيجة لتحريض إماراتي، غير مبال بالتداعيات الخطيرة على استقرار ليبيا ودول الجوار إذا تجددت المعارك.

فعودة الحرب ستجر ليبيا إلى الفوضى، وهي البيئة المناسبة للجماعات الإرهابية لبناء "إماراتها" في البلاد، واستهداف دول الجوار بما فيها مصر.

لذلك لا يعد خيار الحرب مثالياً للقاهرة، خاصة مع تغير الكثير من المعطيات مقارنة بأبريل/نيسان 2019، بشكل قد يؤدي إلى انهيار مليشيات حفتر وتقهقرها إلى ما وراء خط سرت الجفرة.

وأهم هذه المتغيرات صعود جو بايدن لرئاسة الولايات المتحدة، الذي من المتوقع أن يؤدي إلى تصعيد أمريكي ضد الوجود الروسي في ليبيا، ما سيدفع النظام المصري إلى الابتعاد قليلاً عن موسكو والاقتراب من المقاربة الأمريكية للحل السياسي، وتفادي الوقوع تحت طائلة العقوبات.

لا حرب من دون روسيا

روسيا التي تعتبر أحد أهم الداعمين لحفتر، بفضل شركة فاغنر الأمنية الموجودة بمرتزقتها على الأرض، قدمت إشارات إلى رفضها هي الأخرى لسيناريو خوض حرب جديدة في ليبيا.

واستقبل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في 30 ديسمبر/كانون الأول، نظيره الليبي محمد سيالة، في أول زيارة لمسؤول من الحكومة الشرعية إلى روسيا، منذ نحو عام.

كما أن هذه الزيارة جاءت عقب 20 يوماً من إطلاق طرابلس سراح روسيين، أُلقي القبض عليهما في مايو/أيار 2019، بتهمة "التجسس".

حيث عبر لافروف عن تطلع بلاده "لتثبيت وقف إطلاق النار في ليبيا رغم بعض الخروقات".

في حين طالبه سيالة بدعم روسيا لخروج المقاتلين الأجانب، في إشارة إلى مرتزقة فاغنر على الخصوص.

ولعبت مرتزقة فاغنر دوراً أساسياً في اقتراب مليشيات حفتر من وسط طرابلس نهاية ديسمبر/كانون الأول 2019، قبل أن تنهار هذه المليشيات بعد بضعة أيام من انسحاب فاغنر من جنوبي العاصمة أواخر مايو/أيار 2020.

4 عواصم تعيد تشكيل المشهد الليبي

لقاء سيالة ولافروف سبقه بيوم واحد لقاء الأخير وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو بسوتشي، حيث اتفق الجانبان على "مواصلة الإسهام الكامل في تطبيع الوضع في ليبيا عن طريق الحوار الشامل بين جميع القوى السياسية الرئيسية بالبلاد".

كما اتصل لافروف هاتفياً بوزير الخارجية المصري عقب يوم واحد من خطاب حفتر الذي هدد فيه بالعودة إلى الحرب واستهداف القوات التركية في ليبيا.

تلا ذلك زيارة وفد عسكري تركي رفيع المستوى برئاسة وزير الدفاع خلوصي أقار إلى طرابلس، حذر فيه مليشيات حفتر من أنها ستُعتبر أهدافاً مشروعة إذا حاولت مهاجمة القوات التركية في ليبيا.

وبشكل شبه متزامن وصل الوفد المصري برئاسة نائب رئيس جهاز الاستخبارات العامة اللواء أيمن بديع، للقاء مسؤولين ليبيين في الحكومة الشرعية بينهم وزير الداخلية القوي فتحي باشاغا.

فخلال الأسبوع الأخير من عام 2020 جرت لقاءات واتصالات مكثفة بين أربع عواصم، أنقرة وطرابلس والقاهرة وموسكو، بشكل غير مسبوق وعلى مستويات عليا، مباشرة عقب "خطاب الحرب" الذي أطلقه حفتر .

وهذه الاتصالات المتزامنة، التي من المستبعد أن تكون مجرد مصادفة، قد تكون تحضيراً لإعادة تشكيل مشهد ليبي جديد، يفكك محاولات إلقاء البلاد مجدداً في مستنقع الفوضى، خاصة مع الجمود السياسي الذي وصل إليه ملتقى الحوار الذي ترعاه الأمم المتحدة.

AA
الأكثر تداولاً