استولى جنود متمردون على السلطة وخرجوا إلى الشوارع واعتقلوا الرئيس كيتا ورئيس الحكومة ومسؤولين آخرين (AFP)
تابعنا

في الساعات الأولى من فجر الأربعاء، أعلن التلفزيون الرسمي في مالي، استقالة رئيس البلاد إبراهيم أبو بكر كيتا الذي خرج في كلمة مقتضبة مقدماً استقالته ومعلناً حلّ الحكومة والبرلمان قائلاً: "لا أريد أن تراق الدماء لإبقائي في السلطة".

إعلان أتى بعد أن اعتقل جنود متمردون الرئيس كيتا ورئيس الحكومة ومسؤولين آخرين بينهم وزير المالية ورئيس البرلمان، واقتادوهم إلى قاعدة كاتي العسكرية التي تبعد 15 كلم شمال غرب العاصمة باماكو، حسب وسائل إعلام محلية. فما الذي أوصل مالي إلى هنا؟

ماذا حدث بالضبط؟

تحت تهديد السلاح، وبإطلالة بدا فيها مرهقاً واضعاً كمامته، أعلن كيتا استقالته بعد ساعات من احتجازه مع رئيس الوزراء بوبو سيسي ومسؤولين كبار آخرين.

وقال من قاعدة عسكرية في كاتي خارج العاصمة باماكو حيث كان محتجزاً: "إذا أرادت بعض عناصر قواتنا المسلحة اليوم أن ينتهي هذا من خلال تدخلها، فهل لدي حقاً أي خيار؟".

وفي وقت سابق أظهرت لقطات مصورة على وسائل التواصل الاجتماعي كيتا وسيسي في قافلة عسكرية محاطة بالجنود المسلحين في كاتي، فيما لم يتضح على الفور من يقود التمرد ومن سيحكم في غياب كيتا أو ما الذي يريده المتمردون.

لاحقاً، قال الجنود الذين قاموا بالانقلاب العسكري إنهم يعتزمون تشكيل حكومة مدنية انتقالية تنظّم إجراء انتخابات جديدة.

وفي بيان بثه التلفزيون الرسمي، الأربعاء، قال متحدث باسم المتمردين، الذين أطلقوا على أنفسهم اسم "اللجنة الوطنية لإنقاذ الشعب"، إنهم قرروا التحرك للحيلولة دون تفاقم الفوضى في البلاد.

ودعا الكولونيل إسماعيل واجو المتحدث باسم اللجنة، الذي وقف محاطاً بالجنود، المجتمع المدني والحركات السياسية في مالي للانضمام لهم وصياغة شروط انتقال سياسي يفضي إلى إجراء انتخابات.

وقال: "بلدنا ينزلق إلى حالة من الفوضى والانفلات وانعدام الأمن وذلك في مجمله بسبب أخطاء من يتحكمون في مصيره".

حركة 5 يونيو

منذ يونيو/حزيران الماضي، خرج عشرات آلاف المتظاهرين إلى شوارع باماكو، مطالبين كيتا بالاستقالة بسبب ما قالوا إنها إخفاقاته في معالجة تدهور الوضع الأمني والفساد.

في المقابل عمل تحالف بين قوى المعارضة وقادة دينيين تشكّل تحت اسم "حركة 5 يونيو/حزيران" على تأجيج الغضب الشعبي في ظل الاقتصاد المتردي في البلاد والفساد الحكومي والنزاع العسكري المستمر منذ ثماني سنوات مع الجهاديين.

والشهر الماضي لقي 11 شخصاً مصرعهم على مدى ثلاثة أيام من الاضطرابات والتظاهرات المناهضة لكيتا، في أسوأ نزاع سياسي تشهده مالي منذ سنوات.

وحض رؤساء حكومات "المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا" (إيكواس) في 27 يوليو/تموز على تشكيل حكومة وحدة لتهدئة الأزمة، لكن سرعان ما رفضت حركة 5 يونيو هذا الاقتراح وأصرت على استقالة الرئيس كيتا، ثم أضافت مطلباً آخر باستقالة رئيس الوزراء سيسي أيضاً.

أين تقف فرنسا؟

وفي خضمّ الأحداث وقبل استقالة كيتا، كان الزعيم المعارض البارز في مالي الإمام محمود ديكو الذي يتمتع بشعبية واسعة، قد اتهم فرنسا بالقيام بتحرك في الأروقة لحماية الرئيس، متسائلاً: "لماذا تتدخل فرنسا في اختيار رئيس وزراء مالي".

وأشار الى أن رئيس الوزراء بوبو سيسي، الذي سبق أن طالبه ديكو بالاستقالة خلال مواجهة بينهما أواخر الشهر الماضي، لا يتمتع بالشرعية في المجتمع المالي، إلّا أن سيسي بقي ثابتاً في موقعه مع تعمّق المأزق السياسي.

ووجه ديكو الاتهام إلى فرنسا بأنها "هي من تقف وراء آي.بي.كاي في هذه القرارات"، مستخدماً الاسم المختصر الذي يُعرف به الرئيس إبراهيم أبو بكر كيتا في مالي.

ولفرنسا وجود فعلي في مالي حتى بعد استقلالها، وتركّز هذا الوجود بعد أن أدى تمرد عام 2012 في قاعدة كاتي ذاتها إلى انقلاب عسكري أطاح حينها بالرئيس أمادو توماني وعجل بسقوط شمال مالي في أيدي تنظيمات متشددة لا يزالون ينشطون في شمال ووسط البلاد.

أطلقت فرنسا حينها "عملية برخان" الفرنسية لمكافحة المقاتلين في منطقة الساحل، وأرسلت حوالي 5100 جندي، لكن عمليتها ظلت متعثّرة، إلى أن قامت في الأشهر الأخيرة بتكثيف هجماتها في المنطقة خصوصاً في المنطقة المعروفة باسم "الحدود الثلاثة" بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو.

سياسياً، وعلى الرغم من أن فرنسا كانت داعمة للرئيس كيتا، إلا أنها باتت مع اشتداد الحراك وصعود قوى رافضة للدور الفرنسي في البلاد حتى قبل استقالة الأخير، تبحث عن مخرج سياسي يضمن استمرار دورها وتأثيرها ومصالحها في البلاد حسب وسائل إعلام فرنسية.

يعد الإمام محمود ديكو زعيماً معارضاً بارزاً يتمتع بشعبية واسعة (AFP)
خلال الأشهر الماضية خرجت مظاهرات تطالب كيتا بالاستقالة بسبب إخفاقاته في معالجة تدهور الوضع الأمني والفساد (AFP)
TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً