السيسي يجتمع مع شيوخ وأعيان القبائل الليبية الموالية لحفتر ويعد بتدخل عسكري (الرئاسة المصرية)
تابعنا

في الوقت الذي أعلن فيه الجيش الليبي التابع لحكومة الوفاق المعترف بها دولياً، استعداده لخوض معركة "سرت" ودفع بتعزيزات كبيرة إلى منطقتي أبو قرين والوشكة القريبتين من المدينة، ارتفعت حدة التصعيد على الجانب الآخر، حتى وصلت إلى أقصاها بتوعد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الداعم لمليشيات الانقلابي حفتر، بأن بلاده "لن تقف مكتوفة الأيدي" أمام التحشيد العسكري للهجوم على المدينة الاستراتيجية.

استعدادات ميدانية متبادلة

نقلت وكالة الأناضول عن مصدر في الجيش الليبي فضّل عدم الكشف عن هويته، أن "معركة تحرير سرت باتت قاب قوسين أو أدنى من انطلاقها، وإن لم تُحدد حتى اللحظة ساعة الصفر بعد"، لافتاً إلى إرسال الجيش تعزيزات كبيرة إلى المناطق المتاخمة للمدينة.

وأضاف المصدر أن الجيش "استكمل بالفعل كل التجهيزات المطلوبة، وينتظر التعليمات من القائد الأعلى رئيس المجلس الرئاسي للحكومة فائز السراج"، كما أفاد برصد انسحاب عناصر من مرتزقة "فاغنر" (الروس) إلى شرق سرت، بعد استكمالهم عملية تلغيم محيط المدينة وإعادة تمركزهم.

في المقابل، أفادت مصادر مطلعة فضلت عدم الكشف عن هوياتها، للأناضول، بوصول تعزيزات عسكرية لمليشيات الانقلابي حفتر لمدينة الجفرة (وسط)، بينهم مسلحون أغلبهم من مرتزقة "الجنجويد" السودانيين .

كما أعلن الجيش الليبي رصد وصول إمدادات عسكرية من مصر إلى مدينة طبرق شرقي ليبيا، لدعم مليشيات حفتر، وبث المركز الإعلامي للجيش الأربعاء، صورة لسيارات نقل مخصصة لحمل الأسلحة والعتاد الحربي، يقف بمحاذاتها أشخاص يرتدون زياً عسكرياً، من دون ذكر أي تفاصيل أخرى.

وبالتزامن مع تلك التطورات الميدانية، رُصِدت تحركات عسكرية مصرية قرب الحدود مع ليبيا، كان أبرز شواهدها مناورات "حسم 2020" التي قال الجيش المصري إنها تستهدف "الاستعداد لما تمر به المنطقة من متغيرات حادة وسريعة".

النية السياسية لدى القاهرة بتدخل مصري ظاهر ورسمي لا تزال ضعيفة

جلال حرشاوي - باحث سياسي في معهد كلينغنديل

السيسي يتوجّه إلى القبائل

على الصعيد السياسي، اجتمع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بمشايخ وأعيان قبائل ليبية موالية لحفتر، في القاهرة، وقال لهم إن بلاده "لن تقف مكتوفة الأيدي"، في إشارة إلى معركة سرت المرتقبة.

وتنتقد أطرافٌ ليبية استخدام السيسي ورقة القبائل في الصراع الليبي لدعم حليفه الاستراتيجي حفتر، والتأليب على الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً.

وشدد السيسي على الرفض المصري لما وصفه بـ"تحوّل ليبيا إلى ملاذ آمن للخارجين عن القانون"، داعياً أبناء القبائل الليبية إلى الانخراط فيما وصفه بـ"جيش وطني موحد وحصر السلاح في يد دولة المؤسسات دون غيرها".

وبرر تصريحاته السابقة بشأن اعتبار مدينتي سرت والجفرة "خطاً أحمر" بقوله: "الخطوط الحمراء في سرت والجفرة هي دعوة للسلام".

وفي يونيو/حزيران الماضي، قال السيسي خلال تفقده قاعدة عسكرية متاخمة لليبيا، إن "تجاوز سرت والجفرة خط أحمر"، في تصريح اعتبرته الحكومة الليبية المعترف بها دولياً "إعلان حرب وتعدياً على سيادة ليبيا".

وازدادت حدة التوتر بعد أن أجاز مجلس نواب طبرق الموالي لحفتر، لمصر "التدخل عسكرياً في ليبيا، بدعوى "حماية الأمن القومي" للبلدين.

في المقابل، وصفت وزارة الخارجية الليبية تصريحات السيسي بأنها "تدخُّل سافر" في الشأن الداخلي للبلاد.

وقال المتحدث باسم الوزارة محمد القبلاوي، في تصريحات لقناة "الجزيرة" الإخبارية، إن "حديث السيسي تكرار لتصريحاته السابقة، وهو تدخل سافر في الشأن الليبي"، معتبراً أن "خطاب السيسي لا يهدف للسلام كما قال، لكنه هو من يؤجج الصراع (الليبي)".

على الرغم من تصعيد الرئيس المصري، اعتبر الباحث في معهد كلينغنديل بمدينة لاهاي الهولندية جلال حرشاوي أن "النية السياسية لدى القاهرة بتدخل مصري ظاهر ورسمي لا تزال ضعيفة"، مقللاً من أهمية التصعيد الكلامي، ومؤكداً أن "مصر لديها مشكلات أخرى حالياً"، وفقاً لما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية.

وأضاف حرشاوي أن المرتزقة الروس المنتمين لمجموعة فاغنر يشكِّلون العمود الفقري للمنظومة التي وُضِعت (من قبل المؤيدين لمليشيات حفتر) لحماية سرت، بمساندة وثيقة من بعثة إماراتية تنشط بشكل كبير على الصعيد اللوجستي.

في المقابل لفت حرشاوي إلى التحديات التي تواجه الجيش الليبي، والمتمثلة في ضرورة "اجتياز حقل ألغام مضادة للأفراد غرب سرت"، قبل الوصول إلى المدينة.

التوجه إلى مجلس الأمن

على الجانب الآخر أعلنت وزارة الخارجية الليبية تقديمها طلباً رسمياً لمجلس الأمن الدولي لعقد جلسة للجنة العقوبات، بـ"حضور الدول المتورطة في دعم العدوان على طرابلس".

وقال المتحدث باسم الوزارة محمد القبلاوي في بيان، إن البعثة الدائمة لليبيا في مجلس الأمن "قدّمت.. طلباً رسمياً لرئاسة المجلس لعقد جلسة استماع هذا الشهر للجنة العقوبات، و فريق الخبراء الخاص بليبيا".

وأضاف القبلاوي: "نسعى أن تكون الجلسة بحضور الدول المتورطة في انتهاك حظر السلاح، والتي ساهمت في دعم العدوان على طرابلس وضواحيها منذ شهر أبريل/نيسان العام الماضي".

وأشار القبلاوي إلى أن "هذا الطلب يأتي في إطار مساعي الخارجية الليبية لكشف الدول التي ساهمت وما زالت في دعم المليشيات والمرتزقة والانقلابيين، في محاولات يائسة لعسكرة الدولة، والسيطرة على مقدرات البلاد".

#عملية_بركان_الغضب: المتحدث باسم وزارة الخارجية محمد القبلاوي: وزارة الخارجية قدّمت من خلال البعثة الدائمة لليبيا...

Posted by ‎عملية بركان الغضب‎ on Thursday, 16 July 2020

الدور التركي

في خضم التطورات المذكورة، يرى محللون أن تركيا عازمة على الاستمرار في شراكتها مع حكومة الوفاق الوطني الليبية، ودعمها حتى النهاية.

في هذا الصدد، يشير الباحث الجزائري ومشرف دراسات العالم العربي في مركز الجزيرة للدراسات الحواس تقية، إلى أن "الدور التركي مهم في إفشال هجوم حفتر على طرابلس"، مرجِّحاً أن "يترسخ الدعم التركي لليبيا مستقبلاً، فتركيا باتت تعتبر ليبيا جزءاً من أمنها القومي، بعد أن وقّعت معها اتفاقية (في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي) تحدد مناطق الصلاحية البحرية بين البلدين".

ويضيف تقية في حوارٍ أجرته معه وكالة الأناضول، أن "تركيا تمكنت بفضل هذه الاتفاقية من كسر العزلة التي حاولت مصر وإسرائيل واليونان وقبرص الجنوبية فرضها عليها في شرق البحر الأبيض المتوسط"، وبالتالي فإن أنقرة "لن تسمح أبداً بسقوط ليبيا في يد هذه القوى؛ لأنها ستلغي الاتفاقية وتعزل تركيا عبر حرمانها من التأثير في شرق المتوسط".

أُرجِّح أن يترسخ الدعم التركي لليبيا مستقبلاً.. فتركيا باتت تعتبر ليبيا جزءاً من أمنها القومي

الحواس تقية - مشرف دراسات العالم العربي في مركز الجزيرة للدراسات

ويرى الباحث السياسي أن الدور التركي "سينعكس في تشكيل قوات عسكرية وأمنية ليبية محترفة قد تكون أيضاً بمساعدة من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، كما ستساهم أنقرة بخبرتها في مجال الإعمار من أجل إعادة البناء والتنقيب عن الغاز الليبي وتصديره كما يجري حالياً".

وشنت مليشيات خليفة حفتر، بدعم من دول أبرزها مصر والإمارات وروسيا وفرنسا، عدواناً على العاصمة طرابلس، انطلاقاً من 4 أبريل/نيسان 2019.

ومؤخراً، حقق الجيش الليبي المدعوم تركيّاً، انتصارات على تلك المليشيات، أبرزها تحرير كامل الحدود الإدارية للعاصمة، ومدينتي ترهونة وبني وليد، وجميع مدن الساحل الغربي، وقاعدة الوطية الجوية، وبلدات بالجبل الغربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً