يتعيّن على الحكومة الجديدة العمل على طمأنة العراقيين الذين يرزحون تحت وطأة أزمة اقتصادية حادة (Reuters)
تابعنا

بعد خمسة أشهر دون حكومة، صادق البرلمان العراقي ليلة الأربعاء/الخميس على منح ثقته لحكومة جديدة برئاسة مصطفى الكاظمي، الذي سيرث اقتصاداً مأزوماً وعلاقات دبلوماسية في أدنى مستوياتها، واستقطاباً حادّاً بين واشنطن وطهران.

وسيكون على الحكومة الجديدة أيضاً التعامل مع ملفات أخرى أبرزها احتمال تجدّد الاحتجاجات الشعبية في مواجهة سياسة تقشّف لا مفر منها، وتجدد تهديد تنظيم داعش الإرهابي الذي عاود الظهور على الساحة مؤخراً.

تحدّيات اقتصادية وحسابات سياسية

يتعيّن على الحكومة الجديدة العمل اعتباراً من الخميس على طمأنة العراقيين، الذين يرزحون تحت وطأة البطالة المتفاقمة نتيجة الحجر الصحي وإجراءات الحظر الكامل للوقاية من فيروس كورونا، وتداعيات انخفاض أسعار إيرادات النفط خمسة أضعاف خلال عام واحد.

وسيرث الكاظمي ميزانية عام 2020 التي لم يجرِ التصويت عليها إطلاقاً، ومع الانهيار الكبير للنفط، مصدر الدخل الوحيد في البلاد، ستكون الحكومة الجديدة حكومة تقشف.

ويتوقع أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي للعراق بنسبة 9.7٪ العام الحالي، وقد تتضاعف أيضاً معدلات الفقر، بحسب توقعات البنك الدولي، ما يجعل ذلك أسوأ أداء سنوي للبلاد منذ 2003.

ومن خلال تغيير الحكومة قبل انتهاء ولايتها، للمرة الأولى منذ الغزو الأمريكي عام 2003، تريد بغداد طي صفحة عهد عادل عبد المهدي الذي استمر لعام ونصف العام.

وكان يفترض أن يكون عبد المهدي المستقل الذي لا يملك قاعدة حزبية أو شعبية، رجل الإجماع الذي يتفرغ إلى إعادة إعمار البلاد التي دمرتها الحرب ضد تنظيم داعش الإرهابي بين عامي 2014 و2017.

لكنه أصبح في ديسمبر/كانون الأول 2019، أول رئيس حكومة يترك منصبه قبل نهاية ولايته منذ 2003، وقد استقال تحت ضغط المتظاهرين المناهضين لحكومته، وبعد مقتل أكثر من 400 منهم في مواجهات في الشارع خلال شهرين.

وكان الكاظمي ثالث محاولة لاستبدال عادل عبد المهدي وإخراج البلاد من مرحلة ركود سياسي عمّقتها بوادر أزمة اقتصادية في ثاني أكبر دولة منتجة للنفط في منظمة أوبك، بعد محاولتين فاشلتين مع محمد توفيق علاوي وعدنان الزرفي.

الكاظمي مفاوض بارز ولاعب ماكر، لكن العراق اليوم يعيش في وقت مستقطع، وقد ازدادت المخاطر كثيراً

توبي دودج - مدير الدراسات في معهد الشرق الأوسط في كلية لندن للاقتصاد

بين واشنطن وطهران

لا يعدّ الكاظمي شخصية جديدة مطروحة على الساحة السياسية العراقية، إذ كان اسم رئيس جهاز المخابرات العراقي وارداً منذ استقالة حكومة عبد المهدي في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وحتى قبل ذلك بديلاً لرئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي في 2018.

لكن عوامل عدة حالت حينها دون نيله التوافق، خصوصاً مع وصفه من بعض الأطراف بأنه "رجل الولايات المتحدة" في العراق.

ويملك الكاظمي ثلاث ركائز قوة في العراق أولها علاقة متينة مع الولايات المتحدة عززها في التعاون خلال مرحلة قتال تنظيم داعش وصولاً إلى القضاء على زعيمه أبو بكر البغدادي.

أما الركيزة الثانية فهي بث الروح وتجديد خط التواصل مع إيران التي استثمرت ذلك بوضع ثقتها في الكاظمي كشخصية قادرة على نزع فتيل الأزمة في البلاد.

والركيزة الثالثة هي علاقة أكثر من جيدة مع الجارة السعودية، خصوصاً أن هناك علاقة صداقة تربط الكاظمي بولي العهد السعودي محمد بن سلمان، حسب مصادر سياسية.

لكن ذلك لا يعني أن التحديات التي واجهت أسلافه لن تكون موجودة، إذ سيواجه الكاظمي عقبة المطالبة بالانسحاب الأمريكي الكامل من البلاد، وأزمة وباء كورونا التي أودت بحياة أكثر من مئة شخص، إضافة إلى التحديات الأخرى.

وسيتعين عليه إعادة التفاوض بشأن الإعفاءات الأمريكية التي تسمح للعراق بشراء الطاقة الإيرانية مع تجنب عقوبات واشنطن والتي أعلن بومبيو تمديدها مدة 120 يوماً.

ويدفع العراق الذي يحظى بدعم حليفين عدوين، الولايات المتحدة وإيران، غالباً ثمن هذا الصراع، لا سيما منذ يناير/كانون الثاني الماضي، عندما اغتالت الولايات المتحدة الجنرال الإيراني قاسم سليماني على أبواب مطار بغداد.

في هذا الصدد، يقول مدير الدراسات في معهد الشرق الأوسط في كلية لندن للاقتصاد، توبي دودج: "إنه مفاوض بارز ولاعب ماكر"، لكنه يضيف "العراق اليوم في وقت مستقطع، وقد ازدادت المخاطر كثيراً".

تجدد تهديد داعش

من جهة أخرى، سيواجه الكاظمي تحدي تنظيم داعش الإرهابي، إذ ليس العراق بمنأى بعد عن خطر التنظيم الذي يحتفظ بخلايا في عدد من المناطق، لا تزال تنفذ ضربات هنا وهناك، كما ضاعف التنظيم خلال الشهر الماضي هجماته ضد القوات الأمنية ومرافق الدولة في العراق، مستغلاً تفشي كورونا، وانسحاب قوات التحالف الدولي والانقسام السياسي.

وتؤكد مصادر أمنية عدة أن عناصر التنظيم صعدوا خلال الفترة الماضية هجماتهم المسلحة بعبوات ناسفة وقذائف هاون ضد قوات الأمن في بعض القرى، فيما يقول المحلل الأمني والمتخصص في شؤون الحركات الجهادية، هشام الهاشمي إن "العمليات القتالية وصلت إلى مستوى لم يكن قائماً من قبل".

ويصف الهاشمي الهجمات بـ"القتال الهجين" الذي يهدف إلى "إعادة القدرة على التكيف مع كل التحديات والتهديدات المحتملة، لغرض التمويل الذاتي ومرونة التنقل والتخفي"، إضافة إلى "عرقلة وتهديد مشاريع الاستقرار وعودة النازحين في المناطق المحررة، كنوع من الانتقام".

من جهته، يرجح المحلل السياسي والأمني، فاضل أبو رغيف، استغلال داعش الإرهابي الوضع السياسي الذي تعيشه البلاد مع تشكيل الحكومة الجديدة، وانخفاض أسعار النفط والخلافات بين الحكومة المركزية وإقليم كردستان حول الموازنة.

ويقول أبو رغيف إن "داعش لديه مجسات للوضع السياسي، كلما احتقن الوضع السياسي نشط بطريقة انتهازية".

يملك الكاظمي ركائز قوة في العراق أبرزها علاقة متينة مع الولايات المتحدة عززها في التعاون خلال مرحلة قتال تنظيم داعش (Reuters)
TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً