مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون خلال مؤتمر صحفي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (Reuters)
تابعنا

ما المهم: حدّد مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون، الأحد، شروط انسحاب قوات بلاده من سوريا قائلاً بأنه يجب ضمان الدفاع عن حلفاء أميركا أولاً. وتشير هذه التصريحات التي جاءت خلال زيارة قام بها بولتون إلى إسرائيل إلى أن الانسحاب الأميركي سيكون أبطأ ممّا صرّح به ترمب سابقاً.

ويبدو أن الإدارة الأميركية تحاول استدراك قرارها المفاجئ، وإعادة ترتيب مشهد الانسحاب لطمأنة الحلفاء، واستباق التدخّل التركي شمال شرقيّ سوريا، الذي سبقته أيضاً مواجهات ميدانية بين ما يعرف باسم "هيئة تحرير الشام الإسلامية" (النصرة) وفصائل من الجيش الحرّ مدعومة من تركيا في بلدة الأتارب شمال غربيّ البلاد.

المشهد: قال بولتون لدى لقائه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في القدس المحتلة إنه ناقش قرار ترمب بالانسحاب من شمال شرقي سوريا بطريقة تضمن أن تنظيم داعش المصنف إرهابياً قد هُزم ولم يعد قادراً على إحياء نفسه ليصبح تهديداً مجدداً.

وصرح بولتون بأنه سيتوجه إلى تركيا بعد زيارته إسرائيل قائلاً إن "هناك أهدافاً تحكم الانسحاب نود أن تتحقق". وأضاف أنه يجب التأكد من الضمان التام للدفاع عن إسرائيل وأصدقاء الولايات المتحدة الآخرين في المنطقة، والاهتمام بمن حاربوا إلى جانب القوات الأميركية ضد تنظيم داعش المصنف إرهابياً وغيره من الجماعات.

وأكّد أن "وضع الجداول الزمنية ومواقيت هذا الانسحاب يعتمد على تحقيق تلك الشروط، وتأمين الظروف التي نود أن نراها. فور حدوث ذلك، سنتحدث عن جدول زمني".

من جهته، جدّد نتنياهو خلال اللقاء دعوته الولايات المتحدة وغيرها من الدول للاعتراف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان الإستراتيجية التي احتلتها إسرائيل من سوريا في حرب 1967 وضمّتها لاحقاً. وقال نتنياهو موجّهاً كلامه إلى بولتون "مرتفعات الجولان مهمة للغاية لأمننا، وأعتقد أنك عندما تزورها ستستطيع أن تفهم تماماً لماذا لن نغادر أبداً مرتفعات الجولان.. ولماذا من المهم أن تعترف جميع الدول بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان".

وفي وقت سابق، صرح بولتون للصحافيين الذين رافقوه إلى إسرائيل بأنه يجب توافر شروط من بينها "ضمان سلامة الحلفاء الأكراد"، بحسب شبكة NBC الإخبارية. وقال إنه "قد لا يتم سحب جميع القوات الأميركية البالغ عددها 2000 جندي، وأضاف أن "الانسحاب سيتم من شمال سوريا، وقد تبقى بعض القوات في الجنوب في قاعدة التنف في إطار جهود مواجهة الوجود الإيراني".

الخلفيات والدوافع: كان الرئيس الأميركي دونالد ترمب أعلن بشكل مفاجئ في 19 ديسمبر/كانون الأول سحب قوات بلاده من سوريا فوراً. أمرٌ أثار غضباً في الأوساط العسكرية الأميركية، ما أدى إلى استقالة وزير الدفاع جيمس ماتيس، كما أثار مخاوف عدد ممن يعُدون أنفسهم حلفاء الولايات المتحدة في سوريا.

وقال ماتيس في رسالة استقالته إن نظرته للعالم التي "تميل إلى التحالفات التقليدية والتصدي لـ"الجهات الخبيثة" تتعارض مع وجهات نظر الرئيس". وأضاف أنه يجب "معاملة الحلفاء باحترام"، واستخدام "كل وسائل القوة الأميركية لتوفير الدفاع المشترك".

أدت هذه المخاوف إلى أن يعود ترمب ويصرح بأن الانسحاب سيكون "بطيئاً"، وسيمتد "على مدى فترة من الزمن". وتخشى إسرائيل من أن يسمح الانسحاب الأميركي لإيران بتوسيع وجودها في سوريا، فيما تخشى تركيا من تمدّد جماعات PYD/YPG التابعة لتنظيم PKK المُدْرج على قوائم الإرهاب، وهو ما دفعها إلى إعلان إطلاق عملية "شرق الفرات" قبل أن تؤجلها مؤقتاً.

في هذا الصدد، وصف المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن ادعاءات استهداف تركيا للأكراد بأنها "ادعاءات لا يتقبلها العقل"، وقال إن بلاده تستهدف تنظيمات داعش و"غولن" وPKK/PYD/YPG المصنفة إرهابية. وأكد أنّ هدف تركيا من مكافحة الإرهاب هو حماية أمنها القومي، وتحقيق السلام الإقليمي، وضمان الاستقرار والأمن.

من جهة أخرى، أعلن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، الثلاثاء الماضي، أن بلاده ستواصل التعاون مع إسرائيل بشأن سوريا، لمواجهة إيران في المنطقة، في نوع من إعادة توزيع المشهد العسكري والميداني في سوريا. الوجه الآخر لإعادة ترتيب المشهد نجده في الاتّفاق الروسي التركي على تنسيق تحركاتهما الميدانية في سوريا.

بين السطور: يبدو أن مشهد ترتيبات ما بعد الانسحاب الأميركي، وتغيّرات الوضع الميداني والعسكري والسياسي في سوريا، تتسارع وستشهد تكثيفاً في الأيام القليلة القادمة. إذ إن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، وبعد لقائه نتنياهو الأسبوع الماضي، سيبدأ جولة، الثلاثاء، تستمر ثمانية أيام، تشمل عمان والقاهرة والمنامة وأبو ظبي والدوحة والرياض ومسقط والكويت، سيكون الملف السوري على أجندة كثير منها.

من جهة أخرى، دخل مقاتلون من فصائل المعارضة في مواجهات مع ما يسمى هيئة تحرير الشام الإسلامية (جبهة النصرة سابقاً)، بعد محاولات الأخيرة دخول بلدة الأتارب شمال غربيّ سوريا، القريبة من الحدود التركية.

وقال المتحدث باسم الجيش الوطني السوري المعارض يوسف حمود، إن المواجهات هي "محاولة لإبعاد قوات الجيش الوطني عن المشاركة في أي هجوم للجيش التركي، للسيطرة على مدينة منبج والبلدات العربية الواقعة شرقي نهر الفرات".

ما التالي: وعن تأثيرات التصريح الأميركي على عملية شرق الفرات التي تنوي تركيا القيام بها قريباً، يقول محلل الشؤون التركية والروسية باسل الحاج جاسم لـTRT عربي إن "التصريحات التركية بخصوص العملية في شرق الفرات سبقت الإعلان الأميركي بالانسحاب، ولا أظن أن هذا التصريح الجديد سيؤثر عليها، خصوصاً بعد التنسيق التركي الروسي الأخير، والذي تبدو فيه روسيا مهتمة أيضاً، إذ سبق لروسيا أن عبّرت على لسان وزير خارجيتها عن تخوّفها من قيام دولة داخل دولة وتكرار سيناريو شمال العراق".

من جهته يقول المحلل السياسي يوسف كاتب أوغلو لـTRT عربي إن تركيا "لا تستطيع وتجد صعوبة في فهم المنطق الأميركي، فتركيا تعُد المجموعات الكردية في شمال شرق سوريا منظمات إرهابية، وتركيا عضو في حلف الناتو لذلك فهي لا تفهم كيف يمكن لأميركا العضو الرئيس في الحلف أن تعتبر مجموعات إرهابية حليفاً لها يجب أن تحميه".

ويضيف جاسم أن تصريحات بولتون التي جاءت كنوع من التعديل على تصريحات ترمب السابقة "تعد انعكاساً للانقسام في الإدارة الأميركية، إذ إن هناك جناحاً غير راضٍ عن هذا الانسحاب ويحاول عرقلته أو تأجيله على الأقل، ويبدو أنهم يضغطون على ترمب لهذا الغرض".

مدرعات أميركية في منبج السورية  (AP)
TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً