من إحدى الفعاليات الخاصة بقضية المفقودين في لبنان (جمعية لنعمل من أجل المفقودين)
تابعنا

لا تسقط جرائم الحرب بالتقادم، خاصةَ إذا كنا نتحدث عن جريمة مستمرة رغم مرور السنوات، وهذا ما حدث مع ملف المفقودين والمخفيين قسراً في لبنان بعد انتهاء الحرب الأهلية التي استمرت 15 عاماً وانتهت بإقرار قانون العفو العام الذي برّأ ميليشيات الحرب الأهلية وزعمائها عام 1990.

بانتهاء الحرب، ظلّ هناك أكثر من 17 ألف مفقود وفقاً للإحصائيات الرسمية، لا يعرف أهلهم إن كانوا أحياءً أم أموات، ومنذ انتهاء الحرب استمرّ نضال الأهالي والمنظمات الحقوقية والمدنية وعلى رأسها "لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين" في محاولة لإبقاء القضية حية على الرغم من سطوة الواقع بصعود زعماء الحرب إلى العمل السياسي وولادة جيل جديد لا يعرف الكثير عن تفاصيل القضية، في الوقت الذي لازال فيه المفقود مفقوداً.

أخيراً وبعد هذه المسيرة النضالية الطويلة، أقر المجلس النيابي بلبنان مشروع "قانون مفقودي الحرب وضحايا الإخفاء القسري" يوم الاثنين، ليفتح بدوره مجموعة من التساؤلات حول القضية التي مات الكثير ممن كرّسوا حياتهم دفاعاً عنها، وممن يعنيهم مشروع القانون بوصفهم ضحاياه.

تتمثل أهم إنجازات القانون في إقرار جريمة الإخفاء القسري، حيث تنص المادة 37 من القانون على أن "كل من أقدم بصفته محرضاً أو فاعلاً أو شريكاً أو متدخلاً في جرم الإخفاء القسري، يعاقب بالأشغال الشاقة من خمس سنوات إلى خمسة عشرة سنة، وبالغرامة من خمسة عشر مليون ليرة لبنانية حتى عشرين مليون ليرة" وتقدر بحوالي 13 ألف دولار.

وتتمثل النقطة الثانية في تشكيل هيئة وطنية مستقلة عن المؤسسات الرسمية للدولة تتولى مهمة تقفي آثار المفقودين، حيث تمنح للأهالي "الحق في معرفة مصير أفرادها وذويها المفقودين أو المخفيين قسراً، وأمكنة وجودهم أو احتجازهم، أو اختطافهم، ومعرفة مكان وجود رفاتهم واستلامها، بما يتضمنه ذلك من فتح المقابر الجماعية واستخراج الرفات لفحصها من خلال بنك الحمض النووي ثم تسليمها للأهالي.

جدوى العدالة المتأخرة

وحول تأخُّر القانون لأكثر من ربع قرن على انتهاء الحرب الأهلية، أوضح رئيس المركز اللبناني لحقوق الإنسان وديع الأسمر لـTRT عربي أن "مشروع القانون واجه معارضة الكثير من التيارات السياسية التي نجحت في تأخيره كل هذه السنوات"، إلا أنه أكدّ على انتصار مشروع القانون في النهاية نظراً إلى جريمة الإخفاء القسري لا تسقط بتقادم الزمن.

وقد أكد النائب البرلماني اللبناني غسان مخيبر في العديد من الصحف المحلية، على أن القانون "يسري على المستقبل لا الماضي" وبأنه لا يهدف إلى "الاقتصاص من مجرمي الحروب". ما من شأنه أن يطرح تساؤل حول احتمال تحول القانون إلى حبر على ورق دون دخوله إلى حيز التنفيذ رغم تجريم القانون للإخفاء القسري.

وعلّق الأسمر على هذه النقطة بأن "النقاش تجاوز فكرة الماضي والمستقبل، فالإخفاء القسري يصنف كجريمة متمادية حيث أن المفقود منذ عام 1987مثلاً لم يعد للظهور مجدداً حتى الآن". وأضاف أن التجريم سيساهم في الحد من عمليات الإخفاء القسري مستقبلاً، كما أنه يمنح الهيئة التي ستعمل على تتبع مصير المفقودين "أداة ضغط وتهديد هامة" للحصول على المعلومات اللازمة من الأطراف المتعددة التي قامت بارتكاب الجريمة.

التجريم سيساهم في الحد من عمليات الإخفاء القسري مستقبلاً، كما أنه يمنح الهيئة التي ستعمل على تتبع مصير المفقودين أداة ضغط للحصول على المعلومات اللازمة من الأطراف التي ارتكبت الجريمة

وديع الأسمر - رئيس المركز اللبناني لحقوق الإنسان

وأشاد الأسمر باستجابة المجلس التشريعي لمطالب المراكز الحقوقية اللبنانية بإجراء تعديلات على مشروع القانون قبل إقراره، تمثلت في "الإشارة إلى ضحايا الإخفاء القسري اللبنانيين في سوريا"، والذين يعتقد بوجود من تبقى منهم على قيد الحياة داخل السجون السورية، وكذلك "تجريم الإخفاء القسري الذي لم يكن يصنف قانونياً بوصفه جريمة"، بالإضافة إلى "التأكيد على حق الأهالي في اللجوء إلى القضاء في حالة لم تفِ الهيئة – التي سيتم تشكيلها بموجب القانون – بمطالبهم" في الحصول على معلومات عن ذويهم أو استلام رفاتهم.

وبالنظر إلى الحروب والأزمات السياسية في العالم العربي والتي أدت إلى زيادة أعداد المختفين قسرياً في السنوات الأخيرة، فإن إقرار هذا القانون يُعدّ خطوة هامة لاعتراف المؤسسات التشريعية الرسمية بالإخفاء القسري كجريمة لم يكن ينظر لها كذلك حتى وقت قريب، ولم يتم إقرارها كجريمة دولية إلا عام 2006.

وتبقى المهمة الأكبر حالياً هي وضع هذا القانون موضع التنفيذ من خلال آليات تضمن فعلاً تقديم المعلومات اللازمة لأهالي الضحايا وذويهم، وإنهاء حالة الانتظار المريرة التي استمرت لسنوات ولو من خلال تقديم رفات المفقودين لأحبائهم.

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً