نائب وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد يقف بجانب وزير خارجية حكومة طبرق عبد الهادي الهويج في مراسم إعادة افتتاح السفارة الليبية في دمشق (Reuters)
تابعنا

العداء لتركيا والدعم الروسي عنوانان أساسيان للتقارب غير المسبوق الذي تشهده مؤخراً العلاقات بين نظام بشار الأسد في سوريا، وقائد المليشيات الليبية خليفة حفتر.

فبالتزامن مع تصاعد الأعمال العسكرية في إدلب السورية بين قوات نظام الأسد المدعومة روسيّاً وإيرانيّاً من جهة، وفصائل المعارضة والقوات التركية من جهة أخرى، استقبل النظام السوري وفداً من حكومة الشرق الليبي غير المعترَف بها دوليّاً، ليوقِّع الطرفان مذكّرة تفاهم يُعاد بموجبها افتتاح السفارة الليبية في دمشق بعد إغلاقها لنحو 8 أعوام، على أن تكون تابعة لحفتر.

زيارة وفد حكومة الشرق لدمشق لا يمكن أن تشكِّل أي مكسب سياسي للجانبين، فكلاهما يحاول كسب شرعية مفقودة، عربياً ودولياً

مروان ذويب - محلل سياسي ليبي

مواجهة تركيا

لا تكمن أهمية إعادة فتح السفارة الليبية في دمشق، التي كانت مُغلَقةً منذ 2012، في كونها تُمثِّل أول اعتراف رسمي بحكومة طبرق الموالية لحفتر فقط، بل أيضاً في التركيز على مواجهة تركيا كمسوّغ للخطوة، المنتظر استكمالها بتطبيع العلاقات كاملة وافتتاح سفارة للنظام السوري في الشرق الليبي.

فوفقاً لما نشرته وكالة الأنباء الرسمية التابعة للنظام السوري، تشير مذكرة التفاهم التي وقّعها الجانبان إلى أنه قد تقرر "إعادة افتتاح مقرات البعثات الدبلوماسية والقنصلية وتنسيق مواقف البلدين في المحافل الدولية والإقليمية، وعلى وجه الخصوص في مواجهة التدخل والعدوان التركي على البلدين وفضح سياساته التوسعية والاستعمارية، بالإضافة إلى العمل على تعزيز التعاون في كل المجالات".

يأتي هذا الموقف بعد أيام من إعلان أنقرة استمرار عمليتها العسكرية في إدلب (درع الربيع)، وتكبيد قوات النظام المدعوم بسلاح الجوّ الروسي والمليشيات الموالية لإيران، خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات، وصلت إلى تحييد 3 آلاف و138 عنصراً من قوات النظام، بالإضافة إلى إسقاط 3 مقاتلات و8 مروحيات و3 طائرات دون طيار وتدمير 151 دبابة و52 راجمة صواريخ و47 مدفعية و8 منصات دفاع جوي تابعة له منذ بدء العملية، وفقاً لمسؤول الإعلام والعلاقات العامة بوزارة الدفاع التركية.

في سياق متصل كانت أنقرة أعلنت قبل نحو شهرين مساندتها حكومة الوفاق الوطني الليبية بجميع الأشكال، بما يتضمن تقديم الدعم العسكري والاستخباراتي للقوات التابعة لها، في مواجهة الهجوم الذي تشنّه مليشيات خليفة حفتر على العاصمة طرابلس، منذ أبريل/نيسان 2019، لا سيِّما وأن الأخير يتلقى دعماً كبيراً من قوى إقليمية ودولية، على رأسها مصر والإمارات وفرنسا وروسيا.

الدعم الروسي وفاغنر

يشترك نظام بشار الأسد وخليفة حفتر في الدعم الكبير الذي يتلقيانه من روسيا، إلى درجة دفعت بعض المراقبين إلى الاعتقاد بأنه لولا ذلك الدعم لما صمد الأسد وحفتر حتى الآن.

ولا يقتصر الدعم الروسي للجانبين على الدعم السياسي والدبلوماسي، بل يمتد إلى أدقّ تفاصيل المعارك الميدانية التي يخوضها العسكريون على الأرض. وتجدر في هذا السياق، الإشارة إلى شركة فاغنر الروسية التي تقدِّم خدمات أمنية وعسكرية في الظاهر، إلا أنها تُعرَّف لدى كثيرين باعتبارها مجموعة لتقديم جنودٍ مرتزقة.

ويشير كثير من المراقبين إلى أن "فاغنر" تلعب دوراً محوريّاً في الميدانين السوري والليبي، بالطبع دعماً للأسد وحفتر.

في هذا الصدد يقول القائد العسكري في المعارضة السورية فاتح حسون: "إذا أردنا أن نجد القاسم المشترك بين الجانبين فسيكون الجواب واضحاً جدّاً، وهو تأمين المصالح الروسية في المقام الأول، وبقاء المجرمَين حفتر والأسد في منصبيهما الإجراميين".

ويشير حسون في حديث له مع موقع العربي الجديد، إلى أن "الطرفين (حفتر والأسد) يسعيان إلى إخماد الربيع العربي في بلديهما ولكل منهما أسلوبه الإجرامي ودوره الذي يؤديه في بلده، لكن يبقى الدور الخفي لرجال الأعمال الروس الذين يهندسون العلاقة بين هذه الأنظمة ويصنعون لها الأدوار ويوزعونها بينها، ومن هذه الشخصيات رجل الأعمال الروسي يفغيني بريغوجين ممول شركة فاغنر الروسية للمرتزقة، الذي التقى حفتر في روسيا سابقاً، والتقى العديد من مهندسي آلة القتل في سورية تحت رعاية المجرم بشار".

حكومة الوفاق تستنكر

من جهتها استنكرت حكومة الوفاق الوطني الليبية الأربعاء، التقارب بين الطرفين، معتبرة الخطوة "انتهاكاً لسيادة البلاد" و"عملاً مرفوضاً ومستهجَناً".

وأصدرت وزارة الخارجية التابعة لحكومة الوفاق المعترف بها دوليّاً بياناً، قالت فيه: "تستنكر الوزارة هذا الإجراء وتؤكّد أنه مخالف لقرارات مجلس الأمن الدولي القاضية بعدم التعامل مع الأجسام الموازية لحكومة الوفاق باعتبارها الحكومة الشرعية الوحيدة في البلاد".

وشدّدَت الوزارة على أن تسليم سفارة ليبيا لحفتر "يُعَدّ سطواً على حقوق الدولة الليبية وانتهاكاً للسيادة وعملاً مرفوضاً ومستهجَناً"، مشيرة إلى أنها ستعمل على اتباع جميع الإجراءات والوسائل القانونية لضمان وقف هذه الخطوة، كما دعت مجلس الأمن إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة حيال ذلك.

إدارة الإعلام الخارجي بوزارة الخارجية الليبية: 4 مارس 2020 م . بيان بشأن إعادة افتتاح السفارة الليبية في دمشق بطريقة...

Posted by ‎وزارة الخارجية الليبية‎ on Wednesday, 4 March 2020

ماذا بعد التقارب؟

يظلّ السؤال الهامّ هنا هو ما إذا كان التقارب بين حفتر والأسد سيسبّب انعكاسات حقيقية على صعيدي الشرعية السياسية والوضع العسكري الميداني، لأي من الطرفين.

على الصعيد السياسي يرى المحلل السياسي الليبي مروان ذويب في حديث لموقع العربي الجديد، أن "زيارة وفد حكومة الشرق لدمشق لا يمكن أن تشكّل أي مكسب سياسي للجانبين، فكلاهما يحاول كسب شرعية مفقودة، عربيّاً ودوليّاً، بمحاولة توقيع اتفاقات دبلوماسية لتبادل السفارات أو الحديث عن تبادل تجاري".

في المقابل اعتبر ذويب أن "الخطوة شكلية"، خصوصاً لحكومة مجلس نواب طبرق التي لم تتمكن من الحصول على اعتراف حتى الدول الداعمة بوضوح لحفتر، مثل مصر والإمارات.

وينسحب الأمر بنفس الصورة على المستوى العسكري، إذ يرى المتابعون للأوضاع أن كلّاً من حفتر والأسد لا يملك خياراته العسكرية التي يحدّدها بالأساس داعموهما، بالإضافة إلى أن التعاون العسكري بين الطرفين ليس جديداً، وبالتالي فمن المستبعَد أن تكون للخطوات الأخيرة انعكاسات عملية على تغيُّر الأوضاع ميدانيّاً.

TRT عربي
الأكثر تداولاً