السعودية تسعى لتأسيس تحالف دولي خامس خلال أقل من خمس سنوات (Getty Images)
تابعنا

في خضم تحالفات تآكلت ذاتيّاً كالتحالف العربي في اليمن، وأخرى وُلِدت ميتة مثل "الناتو العربي"، أعلنت السعودية تأسيس تحالف جديد يُعَدّ الخامس من نوعه منذ عام 2015، بمشاركة 7 دول مطلة على البحر الأحمر.

الإعلان جاء على لسان وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان في مؤتمر صحفي عقده في الرياض الاثنين، دون ذكر تفاصيل ميثاق التحالف، باستثناء نفي وجود تصوُّر حالي لإنشاء قوة عسكرية مشتركة.

ووقّع ميثاق تأسيس تحالف "مجلس الدول العربية والإفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن" ومقره الرياض، 8 دول هي السعودية والسودان وجيبوتي والصومال وإريتريا ومصر واليمن والأردن.

ووفق خبراء، فإن فاعلية التحالفات مشروطة بوحدة الهدف والتوجهات والأولويات، وهي ما يفتقر إليه هذا التحالف وما سبقه من تحالفات سعودية خلال السنوات الخمس الأخيرة.

وتشكلت 5 تحالفات بقيادة السعودية في السنوات الخمس الأخيرة، وفق رصد أعدته وكالة الأناضول، إلا أن معظم تلك التحالفات لم يحقّق النتائج المرجوّة منه.

تحالف البحر الأحمر

بدأت التحضيرات لهذا التحالف في نهاية 2017، بدعوى أن مضيق باب المندب الذي يربط البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب، يشهد "تهديدات" عدة، ازدادت وتيرتها مع الحرب اليمنية.

ونفى وزير الخارجية السعودي الاثنين، وجود تصور حاليّ بخصوص إنشاء قوة عسكرية للتحالف الجديد، مشيراً إلى أن جميع الدول لديها قدرات دفاعية وتنسيق ثنائي، ويمكن أن يتطور ذلك إلى تنسيق جماعي مستقبلاً.

ويهدف المجلس، وَفْقاً للرياض، إلى التنسيق والتشاور بشأن الممر المائي الحيوي، في ظل التحديات المتزايدة والحاجة الملحَّة إلى مواجهة الأخطار.

ومن المرتقب أن يدعو الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز قريباً إلى قمة تجمع قادة الدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن.

ونقلت وكالة الأنباء السعودية الرسمية عن الأمين العامّ للهيئة الإقليمية للمحافظة على بيئة البحر الأحمر وخليج عدن زياد بن حمزة أبو غرارة، قوله إن "تشكيل هذا المجلس ضرورة لا غنى عنها في المرحلة الحالية من أجل الحفاظ على أمن واستقرار المنطقة".

الشرعية.. تحالف تآكل ذاتيّاً

منذ مارس/آذار 2015، ينفّذ تحالف تقوده السعودية عمليات عسكرية في اليمن دعماً للقوات الحكومية، في مواجهة جماعة الحوثي المسيطرة على عدة محافظات بينها العاصمة صنعاء.

وتسببت الحرب المستمرة للعام الخامس في تردِّي الأوضاع باليمن، إذ بات معظم السكان في حاجة إلى مساعدات إنسانية، ودفع الصراع ملايين إلى حافة المجاعة.

وكان التحالف في البداية يضمّ دولاً عربية عدة، قبل أن يتآكل ذاتيّاً ويقتصر على السعودية والإمارات، ثم ترددت أنباء في الأشهر الأخيرة حول نية الإمارات الانسحاب منه أيضاً، وسط نفي إماراتي متكرر.

تحالف مع وقف التنفيذ

في نهاية 2015 أعلنت السعودية تأسيس "التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب"، الذي قالت الرياض إنه يضم 41 دولة، وعُقِد أول اجتماع أواخر 2017 في الرياض لبدء وضع تفاصيل التحالف.

لكن السعودية لم تعلن أي تحرك دولي حاسم في إطار التفويض بمحاربة الإرهاب، بخلاف عقد التحالف ندوات وأنشطة ترصدها منصاته الإعلامية، المرتبطة بالأهداف التي دُشّن على أساسها، كمواجهة الإرهاب وتشويه صورة الإسلام الحقيقية، وَفْقاً للقائمين عليه.

الناتو العربي.. وُلِد ميتاً

في 2018 طُرحت فكرة تشكيل "حلف الناتو العربي" بدعوة من الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، وعُرف بمشروع تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي (MESA).

وفي أبريل/نيسان 2019، أعلنت السعودية استضافتها اجتماعاً ضمّ الولايات المتحدة والإمارات والبحرين والكويت وسلطنة عمان وقطر والأردن، في إطار التحضير لإطلاق "التحالف"، فيما لم تشارك مصر، أحد الأطراف المدعوة إليه.

وتبدو فرص تشكيل "الناتو العربي" ضئيلة، إذ أفرزت الأزمة الخليجية انقساماً عربيّاً وخليجيّاً كبيراً، بخلاف عدم اتفاق الدول المرشحة لعضوية ذلك التحالف على ملفات وأولويات وتهديدات ذات طبيعة محددة.

الرباعي وبوادر المصالحة

لم يفلح تحالف السعودية والإمارات والبحرين ومصر في فرض شروطه على قطر، منذ أزمة المقاطعة التي بدأت في يونيو/حزيران 2017، حتى ظهرت مؤخراً بوادر لمصالحة سعودية-قطرية.

وقبل نحو عامين ونصف فرض الرباعي "إجراءات عقابية" على الدوحة بزعم دعمها الإرهاب، وهو ما نفته الأخيرة مراراً واتهمت الدول الأربعة بمحاولة فرض السيطرة على قرارها السيادي.

وتُعَدّ أزمة مقاطعة قطر الأسوأ منذ تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية عام 1981.

التصعيد الإيراني

اعتبر أستاذ العلوم السياسية العراقي مثنى العبيدي في تصريحات للأناضول، تحالفات السعودية تمثل "جزءاً من سياسة ودبلوماسية متبعة خلال السنوات الأخيرة، ولا تتصف بالديمومة والثباتية، بقدر كونها ردّ فعل على تحالف منافس".

واتفق فراس إلياس، الباحث المتخصص في شؤون الأمن القومي والدراسات الإيرانية، مع الطرح السابق، مبرّراً ذلك بوجود "أنشطة إيرانية وحوثية مقلقة" في المنطقة، دفعت إلى تشكيل تحالفات عربية.

ولفت إلياس إلى استهداف منشآت وناقلات نفط (عام 2019)، بخلاف "نشاطات استخباراتية إيرانية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب".

وقال إن هذه النشاطات تُعَدّ "أحد أبرز الأسباب الرئيسية لقيام هذا التحالف (تحالف البحر الأحمر) الذي يأتي ضمن سلسلة جديدة لتحييد النفوذ الإيراني، والتضييق على نشاط الحوثيين في اليمن".

كما رأى إلياس أنه "من المبكر الحكم على إمكانات نجاح هذا التحالف أو فشله"، موضحاً أنه "لم يُفعَّل حتى الآن ضمن الآليات التي أعلنت عنها المملكة".

تحالفات متناقضة

في ما يتعلق بتحالف الدول المطلة على البحر الأحمر، قال الباحث المصري المتخصص في العلاقات الدولية وشؤون الشرق الأوسط طارق دياب، إنه "يعجّ بكثير من التناقضات، فلا الهدف واحد ولا الوجهات واحدة، ولا حتى الأولويات، بما في ذلك (أولويات) مصر، الحليف الأقرب للسعودية ضمن هذا التحالف".

وأشار دياب في تصريح للأناضول، إلى أن عدم وجود قوات مشتركة موحدة لهذا التحالف "يقلّل من فاعليته من جهة، ويؤكّد من جهة أخرى أنه ليس سوى تحالف سياسي" لإخافة إيران.

وأكّد الباحث المصري أن التهديدات في البحر الأحمر لا تقتصر على إيران، بل إسرائيل أيضاً، مشيراً إلى "دور إسرائيلي استخباراتي وأمني للهيمنة على هذا الممر البحري الحساس".

وشدّد دياب على أن "أي تحالف يُؤسَّس على المواجهة مع إيران فقط دون إسرائيل" سيُحدث "خللاً على الأصعدة الأمنية والاستراتيجية والأخلاقية".

وأشار إلى أن التحالف الجديد "مرتبط بمضيق باب المندب الذي يمثِّل جزءاً من الصراع السعودي الإيراني". كما ربط بين توقيت إعلان التحالف وازدياد حدة التصعيد بين إيران والولايات المتحدة على وقع اغتيال سليماني، رغم قِدَم فكرة التحالف.

أما السياق السياسي للتحالف الذي يتخذ الرياض مقرّاً له، فقال دياب إنه يتمثل في "رغبة المملكة كقوة إقليمية في المنطقة، في أداء دور إقليمي فاعل مع تراجع دور القوى العربية الإقليمية التقليدية، كمصر وسوريا والعراق".

AA
الأكثر تداولاً