أردوغان يقول إن حلف شمال الأطلسي  يمر بمرحلة حرجة "تتطلب إبداء تضامن واضح" مع بلاده (AFP)
تابعنا

لم تثر الأزمة في سوريا والمعاناة التي يواجهها السوريون في إدلب جراء هجمات النظام السوري وداعميه، انتباه العالم الذي اكتفى بالإدانة والاستنكار من دون أن يتحرك لوضع حد لممارسات نظام الأسد الوحشية بحق ملايين المدنيين الذي أضحوا بين قتلى ونازحين، إلى أن جاءت عملية درع الربيع العسكرية التركية، وكذلك السماح للمهاجرين بالتوجه إلى المناطق الحدودية، بعد أن أكدت تركيا عدم إيفاء الاتحاد الأوروبي بمسؤولياته تجاههم والاتفاقيات المُبرمة بشأنهم، وهو ما دفع العالم للتحرك بجدية لحل الأزمات.

وحققت العملية التركية أهدافها بكبح إرهاب النظام السوري ضد المدنيين، بعد الهدنة الأخيرة، كما لفتت أنظار العالم من جديد إلى المأساة الأكثر لا إنسانيةً في العالم، لتبدأ حكومات الدول الأوروبية التحرك، بخاصة بعد قرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فتح الحدود أمام المهاجرين وإعطاءهم الخيار في البقاء بتركيا أو الخروج منها باتجاه أوروبا.

تسليط الضوء على ملف إدلب

كل ذلك أجبر الدول الأوروبية على التحرك لأول مرة منذ سنوات، وحصلت تركيا على دعم كبير، بخاصة من حلف شمال الأطلسي "ناتو"، الذي أكد أمينه العام ينس ستولتنبرغ دعم دول الحلف لتركيا، على إثر استهداف جنودها في إدلب من قِبل النظام السوري.

كما كان للحلف موقف بخصوص قصف النظام السوري وروسيا في إدلب، فأدانه وطالب بالتزام القانون الدولي ودعم الحلول السلمية للأمم المتحدة، والعودة فوراً إلى وقف إطلاق النار المعلن عام 2018.

وأكد أنّ الناتو يواصل دعمه لتركيا بأشكال مختلفة، مثل "تقوية دفاعاتها الجوية" ومتابعة التطورات الميدانية من كثب لحدود الحلف الجنوبية الشرقية.

تركيا حليف هام في الناتو، وهي أكثر الأعضاء تأثراً بالاشتباكات الجارية في سوريا، تعرَّضت لهجمات إرهابية وفتحت أبوابها لملايين اللاجئين.

الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ

وأفاد حيدر الصافي مراسل TRT عربي في بروكسل بأن لقاء أردوغان مع ينس ستولتنبرغ كان إيجابياً، إذ أكد الأخير على أهمية الدور التركي وأن أنقرة تحملت من دون أعضاء الحلف الكثير خلال الأزمة السورية، وحمت حدود حلف الناتو، ودعمت كل النشطات الإنسانية، وسيدعم الحلف تركيا عسكرياً.

من جهة أخرى، من المقرر أن يبحث المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا جيمس جيفري، الثلاثاء في بروكسل، ملف إدلب السورية والأوضاع الإنسانية القاسية في سوريا، والحلول الممكنة، بالإضافة إلى مخاوف تركيا الأمنية، مع مسؤولي الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.

أزمة الهجرة في طريقها إلى الحل

وسلطت الخطوات التي اتخذتها تركيا على إثر الأزمة السورية الضوء على معاناة المهاجرين، فبعد فتحها للحدود التركية أمامهم إلى أوروبا، كشفت تلك الأزمة وحشية بعض الدول الأوروبية من خلال تعاملها مع اللاجئين، وبخاصة اليونان التي لقيت ممارساتها المخالفة للقانون الدولي استهجاناً عالمياً.

وأدى موقف اليونان العنيف تجاه اللاجئين العُزّل الذين يحاولون الوصول إليها عبر الحدود البرية والبحرية إلى التذكير مجدداً بمسؤوليات دول العالم تجاه طالبي اللجوء، وذلك بموجب الاتفاقيات الدولية التي انتهكتها اليونان بشكل واضح، بخاصة تلك التي أقرها الاتحاد الأوربي الذي يضم اليونان في عضويته والاتفاقيات التي أبرمتها منظمة الأمم المتحدة في هذا الصدد فيما يخص اللاجئين.

يحق لكل شخص لا يشعر بالأمان ويغادر بلده بسبب الحرب والمخاوف المماثلة لها طلب اللجوء إلى بلد آخر، ولهؤلاء الحق في الحصول على صفة لاجئ.

نص اتفاقيات القانون الدولي والمعاهدات الدولية المتعلقة باللاجئين

وحسب الاتفاقيات الدولية، فإن دولة مثل اليونان ملزمة بإنشاء أبنية توفِّر الإيواء لأولئك الاشخاص القادمين إليها، ويقع على عاتق الدول الموقِّعة على اتفاقية اللاجئين 1951 التزام حماية اللاجئين ومعاملتهم بما يتماشى مع المعايير الدولية داخل حدودها، وهو ما فعلت عكسه اليونان.

ويعتبر إعلان رئيس الوزراء اليوناني كرياكوس ميتسوتاكيس أن بلاده ستوقف طلبات اللجوء لمدة شهر، انتهاكاً للقانون الدولي وقانون الاتحاد الأوروبي، إذ أشار البيان الصادر عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى عدم وجود أي سند قانوني في اتفاقية اللاجئين لعام 1951 وكذلك قانون اللاجئين في الاتحاد الأوروبي يقضي بتعليق قبول طلبات اللجوء.

وبعد الضغط المتواصل من أنقرة والتحركات الدبلوماسية المستمرة، توصلت تركيا والاتحاد الأوروبي إلى اتفاق على مراجعة اتفاق 18 مارس/آذار 2016 بشأن الهجرة، عقب قمة جمعت الرئيس التركي مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورزولا فون دير لاين ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل، أكد فيه الأخير أنهم يعتبرون هذا اللقاء خطوة أولى من أجل حوار سياسي قوي مع تركيا على المدى القريب والمتوسط والبعيد.

ولفت ميشيل إلى أن الممثل الأعلى للاتحاد للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل سيبدأ مع وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو العمل حول اتفاقية الهجرة الموقعة في 2016، بغية الوصول إلى فهم مشترك لاتفاق 18 مارس/آذار.

وأثنى جاوش أوغلو الثلاثاء، على انتقال بلاده إلى مرحلة جديدة من الحوار مع الاتحاد الأوروبي، لكنه استدرك قائلاً: "استمرار العلاقات بشكل حقيقي يتطلب اتخاذ خطوات، وعلى الاتحاد الأوروبي أن يتعامل بصدق مع تركيا لحل مسألة اللاجئين".

وأشار الوزير التركي إلى أن "عهد المماطلة انتهى وستُرسم خارطة طريق مع الاتحاد الأوروبي بشأن اللاجئين".

بدورها، أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية، ضرورة إعادة فتح قنوات الحوار مع تركيا، مضيفة أن اللقاءات هي من الشروط الأساسية لحل الأزمة على الحدود اليونانية، ومشيرة إلى أن طالبي اللجوء واليونان وتركيا جميعهم بحاجة إلى المساعدة.

ورأى الخبير في الشؤون الأوروبية رجائي بركات في حديثه إلى TRT عربي، أن "اللقاءات التي أجراها الرئيس التركي مع مسؤولين أوروبيين والناتو هي محاولة لإعادة تنشيط الحوار بين الطرفين وبناء على رغبة الطرفين في تهدئة الوضع وحدة التوتر التي سببتها أزمة اللاجئين".

تفاهمات تركية أوروبية

ومن المتوقع أن تثمر مفاوضات بروكسل بين أردوغان والناتو ومسؤوليين أوروبين، التوصل إلى صيغة مناسبة لاتفاق مستقبلي بين تركيا والاتحاد الأوروبي، بعد مناقشة الأطراف الأزمة على الحدود التركية اليونانية، حسب ما أفاد به حيدر الصافي مراسل TRT عربي في بروكسل.

من جانبه قال الكاتب والباحث السياسي عمر فاروق كوركماز في حديث إلى TRT عربي، بأن التفاهمات بين تركيا والاتحاد الأوروبي الذي اعترف بتحمُّل تركيا العبء الأكبر من الأزمة السورية وأزمة اللجوء، يمكن أن تقرِّب المسافات بين دول الحلف وتخرج بصيغة توافقية، لكن المشكلة تكمن في قرارت أمريكا التي تسيطر على قرارات حلف شمال الأطلسي، فالموقف الأمريكي متذبذب، لكن اللقاء إيجابي بشكل عام.

وأضاف: "تركيا تستعد على المدى البعيد للمحافظة على أرضها وجوها من التهديات الخارجية، والناتو لا بد أن يفكر بطريقة عقلانية لأن تركيا تحافظ على أمن الحلف".

وفيما يخص أزمة اللاجئين، يقول كوركماز: "الاتحاد الأوروبي أعطى وعوداً كثيرة لتركيا لكنه لم ينفذ أياً منها، في الوقت الذي قدمت تركيا أكثر من المطلوب منها، وبالتالي حرّكت تركيا الملف بإجراءاتها الأخيرة بعدما شعرت أنها وحدها"، مشيراً إلى أن "الاتحاد الأوروبي كان ينتظر هذه اللغة من أردوغان، فهم الآن يريدون التواصل معه لحل الأزمة الأكثر قلقاً لأوروبا مع توجُّه مليون لاجئ إليها، ويفكرون الآن في كيفية حل المشكلة".

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً