تقرير يكشف دور وزير الخارجية الفرنسي بتمهيد العلاقات بين فرنسا ومليشيا حفتر (AP)
تابعنا

يصف موقع "لوموند دافريك" الفرنسي في مقال تحليلي، جان إيف لودريان، بأنه "مهندس استراتيجية غامضة" تدعم فيها باريس بحذر الجنرال الانقلابي الليبي خليفة حفتر.

وأفاد الموقع بأن لودريان يقوم بهذا الدور منذ أن كان وزيراً للدفاع في عهد الرئيس السابق فرانسوا هولاند، إلى أن عُين وزيراً للخارجية في عهد الرئيس إيمانويل ماكرون.

وأشار المقال الذي حرره نيكولاس بو، إلى أن حفتر ألقى بليبيا في النار والدم، بدعم من السعوديين والإمارتين، باسم حرب افتراضية ضد "الإرهاب".

واعتبر المقال أن ازدواجية استراتيجية فرنسا في ليبيا "سر مكشوف".

وأوضح أن باريس تدعم رسمياً ومن دون تحفُّظ حكومة الوفاق الوطني، برئاسة فائز السراج، المنبثقة عن اتفاق الصخيرات، الموقَّع في ديسمبر/كانون الأول 2015، لكن من الناحية الفعلية، تعد فرنسا حليفاً وفياً ولكن بتحفُّظ لحفتر المنافس الأكبر للسراج.

ويعلِّق الكاتب على هذا التناقض، بأن وراء غموض الموقف الفرنسي يختبئ لودريان وزير الخارجية الحالي ووزير الدفاع في عهد هولاند.

ففي 2014 وبتحريض من لودريان، اقتربت فرنسا من حفتر على أساس أنه سيكون محور القتال ضد المليشيا القريبة من تنظيم القاعدة، ولكن أيضاً ليكون حصناً فعالاً ضد تموضع تنظيم "داعش" الإرهابي في ليبيا وتوسُّعه بها.

ويؤكد الكاتب أنه تحت غطاء "مكافحة الإرهاب"، أرسلت فرنسا قوات خاصة للقتال إلى جانب حفتر، ومستشارين عسكريين أيضاً، ومعدات من المفترض أن تحمي العناصر الفرنسية على الأرض. كل هذا حدث من دون أي اتصال بالبرلمان.

ويوضح المقال أنه باسم سرية الدفاع، لا تدير الملف الليبي وزارة الشؤون الخارجية أو الخلية الإفريقية في قصر الإليزيه (الرئاسة الفرنسية)، ولكن يديره لودريان وزير الجيوش الذي يبلل قميصه (بالعَرق) من أجل حليفه حفتر.

الشرعية الدبلوماسية

في 2017، عندما عيّنه ماكرون وزيراً لأوروبا والشؤون الخارجية، أخذ لودريان معه تسوية الأزمة الليبية، حسب المقال، وتولت وزارة الخارجية إذن قيادة الاستراتيجية الفرنسية للخروج من الأزمة الليبية.

لكن لودريان، حسب الكاتب، غيّر رأيه، إذ أضاف إلى مكافحة الإرهاب الحاجة إلى إشراك حفتر في العملية السياسية.

في الواقع، لم ينص اتفاق الصخيرات على أي دور للعسكريين، لكن بالنسبة إلى الوزير الفرنسي الجديد للشؤون الخارجية، تجب إعادة النظر في الاتفاق وإعادة حفتر إلى اللعبة، وفق المقال.

وهكذا تُضفي فرنسا الطابع الرسمي على علاقاتها مع حفتر، بقيادة لودريان.

فاعتباراً من يوليو/تموز 2017، أي بعد أقل من 3 أشهر من وصول ماكرون إلى قصر الإليزيه، نظمت فرنسا أول اجتماع بين السراج وحفتر، في "سيل سان كلاود"، بمنطقة باريس.

وفي مايو/أيار 2018، نظّمت فرنسا في قصر "فرساي" بباريس، لقاءً ثانياً بين قطبي الأزمة الليبية، اللذين أبرما اتفاقاً ينص على وقف إطلاق النار، وكذلك إجراء انتخابات عامة في ديسمبر/كانون الأول 2018.

وأشار المقال إلى أن لودريان أصبح فوق السحاب حينها، بعد أن آتت استراتيجيته أكلها للتو، ومع ذلك سيصاب بخيبة أمل بسرعة كبيرة، إذ تمر الأشهر ولا يلوح حل في الأفق.

لكن إيطاليا القوة الاستعمارية السابقة في ليبيا، منزعجة من استراتيجية فرنسا، وتصفه بـ"الفارس المتسابق الوحيد"، حسب الكاتب، بينما وُضع الاتحاد الإفريقي الذي أنشأ فريق عمل خاص به بشأن ليبيا، على الهامش.

أما الجزائر التي تشترك مع ليبيا بحدود يقدر طولها بنحو 1000 كيلومتر، فلا تنظر بشكل إيجابي إلى تحركات فرنسا إلى جانب حفتر.

إشارة باريس البرتقالية

وزعم التقرير أن حفتر بعد أن اكتسب شهرة على الساحة الدبلوماسية الدولية، حقق نجاحات عسكرية على الأرض، بوجود مستشارين عسكريين فرنسيين إلى جانبه.

وبعد أن أصبح لودريان في جيبه، غزا حفتر الجنوب (إقليم فزان)، والوسط (محافظة الجفرة)، والمثلث النفطي (الهلال النفطي).

لقد كان حفتر واثقاً من علاقاته الدبلوماسية والعسكرية الجيدة مع فرنسا، حسب التقرير، لذلك أطلق قواته في 4 أبريل/نيسان 2019، لغزو طرابلس.

ويقول الكاتب إن باريس، التي لها قوات خاصة إلى جانب حفتر، لا يمكنها إقناع أحد بأنها لم تتوقع الهجوم على طرابلس، على العكس من ذلك، كان بإمكانها أن تعطي ضوءاً برتقالياً، على اعتبار أن انتصار حفتر العسكري سيكون أهون الشرين في مواجهة المأزق الدبلوماسي.

ومع ذلك، حتى بعد بدء هجوم حفتر على طرابلس، لم تسحب فرنسا عناصر من قواتها الخاصة التي ربما كانت على اتصال مباشر بقوات الحكومة الانتقالية الوفاق.

كما جرى تقديم الدليل على استمرار الوجود الفرنسي بليبيا، عندما اعتُقلت عناصر من القوات الخاصة الفرنسية في تونس، حسب المقال، أثناء انسحابهم على عجل من ليبيا، حيث كانوا إلى جانب مليشيات حفتر.

ويضيف التقرير أن اكتشاف صواريخ فرنسية الصنع في معسكر لمليشيات حفتر جرى التخلي عنها على عجل (بمدينة غريان)، أدى إلى زيادة الغموض الذي يكتنف الدور الضبابي للدبلوماسية الفرنسية في ليبيا.

ودافعت وزارة الجيوش الفرنسية عن نفسها بشكل "أخرق"، على حد قول الكاتب، من خلال تأكيد أن هذه المعدَّات العسكرية كانت تهدف إلى حماية "الأفراد" الموجودين إلى جانب حفتر، من دون توضيح سبب عدم حمل الصواريخ أو تدميرها.

لم يعد الأمر يتطلب من حكومة الوفاق الوطني الليبي سوى اتهام فرنسا علناً بالتواطؤ مع حفتر، على الرغم من أن باريس أعلنت أنها لا تعترف سوى بالسلطة الشرعية لرئيس الوزراء السراج المعترف بها دولياً.

ويختم الكاتب تقريره، بتأكيد أن بين الخطاب الرسمي والواقع على الأرض انفصال خطير يحمله صديقنا جان إيف لودريان.

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً