(Uncredited/AP)
تابعنا

بعد مرور سنوات طويلة، تعود إلى السطح مجدداً التساؤلات حول الغموض الذي أحاط بوفاة البابا يوحنا بولس الأول، بعد 33 يوماً فقط من انتخابه رئيساً للفاتيكان.

فقد نشرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية تقريراً، يناقش الروايات التي نُسجت حول طبيعة موته، والتي تباينت بين نظريات المؤامرة التي تزعم تعرضه للقتل، أو رغبته الخفيّة في الخلاص بالموت.

فما حكاية ذلك الراهب؟ وكيف فُسرت وفاته بثلاث نظريات متعارضة؟

صباح يوم 29 سبتمبر/أيلول عام 1978، أعلن الفاتيكان في بيان مقتضب وفاة البابا يوحنا بولس الأول متأثراً بنوبة قلبية مفاجئة، وأشار إلى أن جثته اكتشفت بواسطة كاهن كان يعمل سكرتيراً شخصياً لديه.

لكن خلال أيام قليلة عقب موته، انتشرت شائعات حول تعرّضه لمؤامرة خسيسة استهدفت موته، وضغط الكرادلة في الكنيسة الرومانية الكاثوليكية للحصول على توضيح لبعض الأسئلة المثارة بشأن وفاته.

فقد ذكرت وكالة الأنباء الإيطالية، أن "الفاتيكان "أخطأ في تحديد هوية الشخص الذي اكتشف جثته"، وبدأت الشكوك تلتهم الجميع بسبب المعلومات المتضاربة.

تساؤلات مثل: "لماذا أخطأ الفاتيكان في ذكر الشخص الذي اكتشف الجثة؟ لماذا اندفعت الكنيسة لتحنيط الجثة سريعاً قبل تشريحها؟ هل كانت هناك محاولة للتستر على جريمة قتل؟"، ظلت تتردد سنوات دون إجابة.

ما اتفقت عليه جميع الروايات التي تناولت وفاته، أن الراهب الذي اشتهر بلقب البابا المبتسم، كان مختلفاً تماماً، فقد نشأ في عائلة فقيرة بإحدى الجبال الإيطالية البعيدة، ولم يرغب في أن يكون أكثر من كاهن قرية، كان زاهداً ولم يهتم بفخامة المكان بعد تعيينه في الفاتيكان، واستخدم لغة واضحة وبسيطة في خطابه الأول.

النظرية الأولى: المؤامرة

نشر روائي الجريمة البريطاني ديفيد يالوب عام 1984 رواية بعنوان "باسم الرب"، طرح فيها نظرية مفادها أن "دولة الفاتيكان العميقة خططت لتدمير البابا، لأنه كان يحاول الكشف عن فساد وصل إلى أعلى المستويات، ونفذت ذلك عبر تسميمه والتستر على قتله".

الرواية التي بيعت منها ملايين النسخ، لم تعتمد على أدلة كثيرة، لكنها اكتسبت شعبية واسعة بسبب اعتمادها على واقعة حقيقية تورطت فيها الماسونية بشكل أو بآخر.

الواقعة كانت قضية الفساد الشهيرة التي لحقت ببنك الفاتيكان، أقوى المؤسسات المالية، الذي أحاطت به قضايا نهب أموال من طرف أعلى سلطات الفاتيكان في الثمانينيات، وتورط فيها عدد منهم بالإضافة إلى الأسقف روبرتو كالفي الذي كان عضواً بمحفل ماسوني إيطالي غير قانوني، ثم عثر عليه ميتاً في لندن عقب نشر تفاصيل القضية للعلن.

نفى الفاتيكان تلك الرواية كلياً ووصفها بالسخيفة، لكنها سدّت فراغاً في المخيلة الشعبية وآمن بها عدد كبير من عامة الناس.

النظرية الثانية: الرغبة في الموت

طلب الفاتيكان عام 1987 من الصحفي والمؤلف البريطاني جون كورنويل، تأليف كتاب لتبديد الأكاذيب حول وفاة البابا الغامضة، وفتحت له الأبواب الداخلية للمؤسسة الدينية كي يقوم ببحثه ويجمع أجوبته.

السردية التي منحتها الكنيسة للكاتب البريطاني قدمت صورة مغايرة للبابا المبتسم، بوصفه كان ضعيفاً ومهزوزاً للغاية، ولا علاقة له بكشف أي فساد مالي، الكرادلة كانوا يرونه طفولياً ومنفصلاً عن الواقع، ويعاني تحت ضغط المسؤولية التي تولاها بالفاتيكان، وأنه كان يردد يومياً بأسى "لماذا اختاروني؟!".

بالإضافة لتحطمه السريع ونفسيته الهشة، وصف كتاب كورنويل البابا بأن حالته العقلية كانت مشوشة، وكانت لديه مشكلة في تذكر مواعيد الأدوية التي يجب عليه تناولها، وأنه كان يضمر "رغبة خفية في الموت جعلته يتجاهل العلاج"، وفق الكاتب.

النظرية الثالثة: مجرد نوبة قلبية

نشرت ستيفانكا فالاسكا، الباحثة الإيطالية التابع عملها للكنيسة عام 2017، كتاباً اعتمد على مجموعة من الوثائق غير المسبوقة، التي تضمنت تقارير الأطباء السرية ومجلدات ضخمة احتفظ بها الفاتيكان لتحليل كافة جوانب حياة البابا.

ترفض فالاسكا قطعياً جميع النظريات السابقة وتصفها بالكذب، وتؤكد أن "هدف مشروعها هو حماية الحقائق المتعلقة بحياة يوحنا بولس الأول".

قدمت فالاسكا وفاة البابا بوصفها "مأساة مفاجئة ولا يمكن تجنّبها"، وترجّح النوبة القلبية وفق أحد أطباء الفاتيكان، لافتة إلى أن تاريخ العائلة تضمن موتاً مفاجئاً للعديد من الأشخاص بسبب مشكلات في الدورة الدموية، وقبل ثلاث سنوات من موته، نُقل إلى المستشفى بسبب جلطة دموية في عينه.

فنّدت فالاسكا جميع الروايات السابقة ونفتها في كتابها بالأدلة، إلا أن الشكوك لم تتبدد لدى الناس، وتبقى الحقيقة غير معروفة.

TRT عربي - وكالات