الأسد اعترف بما وصلت إليه الأوضاع الاقتصادية من سوء لكن دون أن يتخذ خطوات ملموسة لحل الأزمة (AFP)
تابعنا

تشهد مناطق سيطرة نظام بشار الأسد في سوريا انهياراً اقتصادياً هائلاً، عززته بجانب الحرب المستمرة منذ 10 أعوام، العقوبات التي فرضتها دول غربية على الأسد وداعميه، ما أدّى خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة إلى تراجع سعر صرف الليرة السورية إلى درجات غير مسبوقة، وشح السلع والمواد الأساسية، وتحوّل نسبة كبيرة من السوريين الذين كانوا يوماً من الطبقة الوسطى إلى فقراء.

الرئيس يعرف

في لقاء خاص مع صحفيين موالين للنظام، سُئل رئيس النظام السوري بشار الأسد عن الانهيار الاقتصادي وتراجع سعر صرف العملة الذي أضر بالرواتب، والارتفاع الهائل في أسعار السلع الأساسية والنقص المزمن في الوقود والخبز، وفقاً لما نقلته صحيفة نيويورك تايمز عن مصدر مطلع على اللقاء.

الأسد لم ينكر كما اعتاد من قبل، بل قال ببساطة: "أعرف"، لكنه حسب المصدر نفسه لم يقترح أي خطوات ملموسة لمواجهة الأزمة أكثر من قوله: "يجب على القنوات التلفزيونية إلغاء برامج الطهي حتى لا تسخر من السوريين بصور أطعمة بعيدة المنال".

وفي حديثه ظل الأسد متمسِّكاً بالتفاهات التي تميِّز خطاباته العامة، إذ كان يرتدي بدلة أنيقة ويتحدث كأستاذ جامعي، ملقياً باللوم في ما آلت إليه الأوضاع بسوريا على "وحشية" الرأسمالية العالمية وعمليات "غسل العقول" على مواقع التواصل الاجتماعي وهيمنة "النيوليبرالية" التي تمثّل الخطر الأكبر على سوريا والسوريين.

وأنهى الأسد حديثه بالتأكيد أن سوريا لن تبرم اتفاقية سلام مع إسرائيل أو تقنن زواج المثليين، وكأنهما كل ما يقلق السوريين الذين أصبح 60% منهم أو 12.4 مليون شخص، مهددين بخطر الجوع، للمرة الأولى في تاريخ البلاد.

أوضاع مزرية

أصبحت الغالبية الكاسحة من السكان الذين يقيمون في مناطق سيطرة النظام السوري تعيش أوضاعاً مزرية لم يسبق لهم أن رأوها حتى في أشد آونة الحرب عنفاً.

والأسباب باتت متنوعة، ابتداءً باستمرار المعارك على مدار 9 أعوام، ومروراً بعدم تقديم داعمي النظام الرئيسيين، روسيا وإيران، ولو قدراً هزيلاً من المساعدات الاقتصادية، وفرض دول غربية عقوبات غربية، ووصولاً إلى انهيار النظام المصرفي اللبناني الذي أودع فيه كثير من أغنياء السوريين ثرواتهم أو أجزاء منها، فضلاً عن سيطرة تنظيمات إرهابية على المناطق الغنية بالنفط شمال شرقي سوريا.

وينقل مقال نيويورك تايمز عن أم لثلاثة أطفال اشترطت عدم الكشف عن هويتها خوفاً من الاعتقال، قولها إنها اضطرت إلى بيع شعرها في أحد صالونات تصفيف الشعر كي تطعم أسرتها، مضيفة: "لم يكن أمامي إلا بيع شعري أو بيع جسدي".

وأوضحت السيدة أن زوجها الذي يمتهن مهنة النجارة كان مريضاً ويعمل بشكل متقطع ، وكانت الأسرة تحتاج إلى زيت لتدفئة للمنزل ومعاطف شتوية للأطفال. وبنحو 55 دولاراً حصلت عليها مقابل شعرها الذي سيُستخدم على الأرجح في صناعة شعر مستعار، اشترت السيدة غالونين من زيت التدفئة وملابس لأطفالها ودجاجة مشوية للمرة الأولى خلال ثلاثة أشهر.

انخفاض الليرة السورية إلى المستويات التي وصلت إليها يعني أيضاً أن الأطباء يكسبون الآن ما يعادل أقل من 50 دولاراً في الشهر. ويقول رئيس نقابة الأطباء السوريين إن الكثيرين يسافرون إلى السودان والصومال للعمل، نظراً إلى أنهما من بين الدول النادرة التي تتيح دخول السوريين، "ولكن الأوضاع الاقتصادية هناك ليست أفضل حالاً بكثير".

وعندما نتحدث هنا عن الأطباء المفترض أن يكونوا من أعلى الفئات المهنية دخلاً، يمكن تصوّر الحال الذي وصل إليه أصحاب المهن الأخرى، فضلاً عن الفنانين والموسيقيين.

من جانبه قال السفير الروسي في سوريا ألكسندر إيفيموف لوكالة الأنباء الروسية "ريا نوفوستي" في وقت سابق الشهر الجاري: إن "الوضع الاجتماعي والاقتصادي في سوريا اليوم صعب للغاية"، مستدركاً بأن إرسال الدعم من روسيا "ليس سهلاً" لأن الأخيرة أيضاً تعاني أزمات اقتصادية بسبب وباء كورونا والعقوبات الغربية.

محاولات يائسة

أمام الانهيار الاقتصادي الهائل الذي ضرب معظم المناطق السورية، يحاول النظام بين الحين والآخر اتخاذ خطوات يمكنها تقليل حدة الأزمة أو على الأقل تأجيلها، إلا أن أغلب تلك المحاولات يبوء بالفشل.

على سبيل المثال، أعلن النظام قبل نحو شهر طرح ورقة نقدية جديدة بقيمة 5 آلاف ليرة سورية.

وأفاد بيان صادر عن مصرف سوريا المركزي بأن العملة الورقية الجديدة طرحت للتداول، اعتباراً من 24 يناير/كانون الثاني الماضي. وكان المصرف المركزي قد طبع خلال عام 2017 فئة الألفين بعد ارتفاع نسب التضخم وانهيار الليرة أمام العملات الأجنبية.

وتعد الورقة النقدية الجديدة بقيمة 5 آلاف ليرة سورية أكبر ورقة نقدية في تاريخ البلاد، وتعادل قيمتها 1.70 دولار أمريكي.

في المقابل يرى خبراء اقتصاديون أن هذه الخطوة التي تهدف للانسجام مع الوضع الاقتصادي السيئ للبلد، دون أن تساهم في إيقاف ارتفاع التضخم، لن تؤدي إلى شيء سوى تعزيز انهيار الليرة السورية.

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً