السلطات السعودية حجبت عدة مواقع تركية من بينها موقع TRT عربي ووكالة الأناضول (Getty Images)
تابعنا

تستمر المملكة العربية السعودية في سلسلة انتهاك الحريات الإعلامية وتضييق مساحة حرية الرأي والتعبير، التي كان آخر تطوُّر فيها حجب عدد من المواقع الإلكترونية التركية الناطقة باللغة العربية، وأبرزها موقعا هيئة التليفزيون التركي الناطق باللغة العربيةTRT عربي، ووكالة الأناضول.

وخلال الساعات الماضية اشتكى عدد كبير من المتابعين من داخل المملكة عدم قدرتهم على تصفح مواقع مؤسسات إعلامية تركية ناطقة بالعربية، أبرزها الأناضول وTRT عربي، فيما تحدث آخرون عن أن الحظر شمل مواقع إخبارية أخرى.

وعند محاولة الوصول إلى هذه المواقع تظهر رسالة "عفواً، الموقع المطلوب مخالف لأنظمة وزارة الإعلام"، بجانب عبارة أخرى تقول: "لطلب رفع الحجب عن الموقع يمكنكم التواصل بشكل رسمي من خلال العنوان التالي"، ويظهر عنوان إدارة النشر الإلكتروني التابعة لوزارة الإعلام السعودية.

وعلى الرغم من عدم صدور أي إعلان أو تبرير سعودي رسمي عن قرار الحجب حتى صباح الأحد، فإن الإعلامي خلف الدوسري عضو هيئة الصحفيين بالسعودية نشر عبر حسابه في تويتر ما قال إنه "توثيق لحجب الأناضول من صفحة حساب الوكالة"، مضيفاً فيديو موضحاً به إخطار وزارة الإعلام السعودية.

أسباب الحجب وحقيقتها

قال مغردون سعوديون في تويتر، بينهم إعلاميون وصحفيون ونخب معروفة، إن حجب هذه المواقع التركية جاء بقرار من وزارة الإعلام، ونشر بعضهم صوراً لرسالة إلكترونية من وزارة الإعلام السعودية تقول إن "الموقع محجوب لمخالفته أنظمة الوزارة".

من جهتها قالت صحيفة المرصد السعودية، إنها "علمت من مصادرها أنه حُجبَت مواقع الإنترنت الخاصة بعدد من المؤسسات التركية"، لافتةً إلى أن أبرز هذه الوسائل وكالة الأناضول، زاعمة أن هذه الخطوة جاءت "بسبب إساءة هذه المواقع إلى السعودية".

وتأتي هذه الخطوة بعدما دشّن عدد من المغردين التابعين لـ"الذباب الإلكتروني" في السعودية هجوماً على وسائل الإعلام التركية قبل يومين عبر هاشتاغ يطالب بحجبها، وبدا هذا الهجوم لكثير من متابعي الشأن السعودي "تمهيداً رسميّاً" لقرار الحجب والتضييق.

ويؤكّد مغردون آخرون أن الإجراء يأتي في إطار سياسة التضييق على الحريات العامة والإعلامية في السعودية بشكل عامّ، التي تصاعدت منذ تعيين محمد بن سلمان وليّاً للعهد في المملكة وتحكُّمه في زمام الأمور بالبلاد.

وبدأ التحريض بشكل جلي على وسائل الإعلام التركية في خضمّ أزمة اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول يوم 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018، إذ سعت السعودية في حينه إلى المراوغة والتملص من عملية الاغتيال في بادئ الأمر، فيما ساهمت وسائل الإعلام التركية في كشف تفاصيل الحدث الذي أثار ردود فعل غاضبة على مستوى العالم كله.

وكانت وكالة الأناضول التي احتفلت الاثنين الماضي بمئويتها الأولى، ومعها قناة TRT عربي، من أكثر وسائل الإعلام التركية تركيزاً على الحقائق المتعلقة بجريمة اغتيال خاشقجي. وكذلك ساهمت وسائل الإعلام هذه في تسليط الضوء على قضية حصار قطر التي تزعمتها السعودية، وهو ما أثار هجمة "الذباب الإلكتروني" عليهما.

وتزامن الحجب مع موافقة محكمة تركية السبت، على لائحة الاتهام التي أعدّتها النيابة في قضية مقتل خاشقجي بإسطنبول، وشملت لائحة الاتهام 20 شخصاً، أبرزهم أحمد بن محمد العسيري وسعود القحطاني، وهما من أبرز المقربين من وليّ العهد محمد بن سلمان، ومتهمان بالتخطيط للعملية وإعطاء الأوامر لفريق الجريمة.

وجاء ذلك في إطار مواصلة تركيا جهودها من أجل كشف جميع تفاصيل مقتل خاشقجي، حسب تصريحات رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية فخر الدين ألطون الذي وصف قرار القضاء السعودي بخصوص القضية، بأنه "مجرد استهزاء بعقول الناس".

ويرى مغردون أن القرار السعودي الأخير يأتي في إطار سياسة ممنهجة تتبعها السلطات السعودية للتضليل وقمع الحريات، ولم تكُن سياسة جديدة، فمنذ سنوات يقبع صحفيون ونشطاء وناشطات ودعاة وأكاديميون في السجون السعودية، لا يعرف أحد مصيرهم، ويحاكَمون على خلفية آرائهم، وتهم أخرى كتهمة "التقصير في الدعاء لوليّ الأمر"، المتهَم بها الداعية سلمان العودة.

اعتقال الصحفيين والدعاة

وللسعودية أسبقية في ملاحقة الصحفيين، الذين كان أبرزهم جمال خاشقجي الذي صُفّي، ومن بين الحالات أيضاً ما كشفته منظمة مراسلون بلا حدود، التي دعت إلى إطلاق سراح 30 صحفيّاً سُجنوا في أعقاب مقتل خاشقجي.

وأضافت المنظمة أن أمينها العامّ تَرأَّس وفداً صغيراً التقى وزراء الخارجية والعدل والإعلام في السعودية، وكذلك المدّعي العامّ، خلال زيارة استغرقت ثلاثة أيام في أبريل/نيسان، للتواصل المباشر مع الحكومة بشأن الحاجة إلى إصلاحات عاجلة في مجال حرية الصحافة.

إننا نشعر بقلق بالغ بشأن سلامة المعتقلين، ووعلى الحكومة السعودية الكشف عن مكانهم، وضمان حمايتهم من التعذيب، والسماح لهم بالاتصال بالمحامين وبعائلاتهم

مديرة البحوث للشرق الأوسط في منظمة العفو الدولية - لين معلوف

وتحتلّ السعودية المرتبة 172 من أصل 180 دولة في مؤشر منظمة مراسلون بلا حدود لحرية الصحافة.

وقالت المنظمة في تصنيفها العالمي لسنة 2019 الذي كان بعنوان "آلة الخوف تعمل بأقصى طاقتها": "يبدو أن ملاحقة الصحفيين الذين يزعجون السلطات القائمة باتت تتخذ أشكالًا لا حدود لها، فقد كانت جريمة اغتيال خاشقجي بدم بارد داخل قنصلية بلاده في تركيا كرسالة فظيعة إلى الصحفيين والمراسلين في جميع أنحاء العالم، وليس فقط داخل حدود المملكة العربية السعودية، علماً بأن عديداً من الصحفيين في المنطقة استسلموا للرقابة الذاتية أو توقفوا عن الكتابة، خوفاً على حياتهم".

لا تَسامُح مع الانتقاد

وتقول منظمة العفو الدولية في إطار تعليقها على ملاحقة إعلاميين ونشطاء في السعودية: "في حملتها القمعية المستمرة، وليس من قبيل الصدفة، تستهدف السلطات السعودية، ودون شعور بالخجل، هؤلاء المواطنين الذين يشكّلون جزءاً لا يتجزأ من المشهد الفكري والفني للمجتمع الناشط. فباستهداف السلطات لهم إنما ترسل رسالة إلى شعبها بأكمله مفادها أنه لن يكون أي تسامح مع أي شكل من أشكال النقد، ناهيك بالتشكيك في الممارسات الاستبدادية للدولة".

وقالت لين معلوف مديرة البحوث للشرق الأوسط في منظمة العفو الدولية في تعليق سابق لها بعد اعتقال صلاح الحيدر نجل الناشطة الحقوقية عزيزة اليوسف، وعبد الله الدحيلان، وهو صحفي وروائي ومدافع عن الحقوق الفلسطينية، وفهد أبا الخيل الذي ناصر حملة "قيادة النساء للسيارات"، إن المنظمة "تدعو السلطات إلى الكشف فوراً عن التهم الموجهة إلى المعتقلين، وإذا كانوا احتُجزوا لممارستهم السلمية لحقهم في حرية التعبير فينبغي إطلاق سراحهم فوراً ودون قيد أو شرط".

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً