الرئيس اللبناني يرأس أوّل اجتماع للحكومة الجديدة في قصر بعبدا (Reuters)
تابعنا

في رفض شعبي جديد للتشكيلة الحكومية حديثة العهد، استمرت المظاهرات في شوارع لبنان، وتحولت إلى مواجهات بين المحتجين وقوى الأمن.

ومساء الثلاثاء أعلن رئيس الوزراء اللبناني حسان دياب تشكيلة حكومته الجديدة، التي جاءت بعد زيادة وتيرة الاحتجاجات المطالبة بحكومة من اختصاصيين مستقلة عن الأحزاب وقادرة على معالجة الوضعين السياسي والاقتصادي. وبخلاف رئيس الحكومة، ضمت التشكيلة 19 وزيراً.

وبُعَيد الإعلان تَدفَّق المحتجون إلى ساحة مجلس النواب اعتراضاً على التشكيلة الحكومية الجديدة، وبينما استعملت القوى الأمنية خراطيم المياه والقنابل المسيلة للدموع لتفريق المتظاهرين، استمر تدفق الاحتجاجات المطالبة بانتخابات نيابية مبكرة، ورحيل ومحاسبة بقية مكونات الطبقة الحاكمة، التي يتهمونها بالفساد والافتقار إلى الكفاءة.

المرحلة الخطرة

أما حسان دياب فقد سارع بالتعهد "بتلبية مطالب المحتجين، وعلى رأسها استقلالية القضاء واستعادة الأموال المنهوبة، ومكافحة الثراء غير المشروع، والبطالة، ووضع قانون جديد للانتخابات يكرّس اللحمة الوطنية التي أفرزتها الساحات، وانتشال البلاد من أسوأ أزمة اقتصادية تعاني منها منذ عشرات السنين".

وقال في بيان إن حكومته "ليست لفريق بعينه، بل للإنقاذ ولكل المواطنين"، مشيراً إلى أن "تحديات هائلة تنتظرنا ونواجه أخطر مرحلة في تاريخ لبنان".

أحيي الثورة التي دفعت نحو هذا المسار فانتصر لبنان، والحكومة الحالية تعبّر عن تطلعات المعتصمين على مساحة الوطن خلال أكثر من ثلاثة أشهر من الغضب

رئيس الحكومة اللبنانية المكلف - حسان دياب
الشارع يرفض

وقال مراسل TRT عربي في لبنان أحمد شلحة، إن "الحكومة الجديدة شملت وزراء من اختصاصيين، لكن الأسماء مقسمة على الأحزاب والقوى السياسية، إذ منحت أبرز الحصص للتيار الوطني الحر، فيما حصل حزب الله وحركة أمل على ستة مقاعد، ثلاثة لكل منهما".

وأضاف: "الشارع اللبناني أعطى جوابه مباشرة، وأعلن رفض التشكيلة الحكومية، وقال إنها حكومة محاصصة سياسية وطائفية ولا تختلف عن الحكومات السابقة".

وذكر المراسل أن مئات المتظاهرين تجمعوا مباشرة أمام مدخل البرلمان لحظة الإعلان عن الحكومة الجديدة للإعلان عن رضهم واعتراضهم على التشكيلة الجديدة، مما أدى إلى اندلاع مواجهات مع القوى الأمنية.

وصباح الأربعاء، ترأس الرئيس اللبناني ميشال عون، أولى جلسات حكومة حسان دياب، في القصر الرئاسي، وذلك بعد ساعات فقط على إعلان تشكيلها.

ووصل دياب ووزراء حكومته الـ19 إلى القصر الرئاسي في بعبدا لالتقاط الصورة التذكارية قُبيل انطلاق أوّل جلسة لمجلس الوزراء، وسط إجراءات أمنية مشدّدة.

وذكرت وكالة الأناضول أن رئيس مجلس النواب نبيه بري، انضمّ إلى اجتماع يضمّ الرئيس عون ورئيس الحكومة دياب، سبق انطلاق جلسة الحكومة. وفور مغادرته القصر الرئاسي عقب الاجتماع، ردّ بري على سؤال أحد الصحفييين حول مدى تفاؤله بالحكومة الجديدة قائلاً: "الإعلام غير متفائل، ولكن أنا متفائل".

ماذا يريد الشارع؟

ولا يتلاءم المشهد السياسي في ظل إعلان الحكومة الجديدة مع خطورة المرحلة التي يمر بها لبنان، حسب تصريحات الباحث السياسي اللبناني سمير منصور لـTRT عربي، الذي عزا ذلك إلى "تعامل الطبقة السياسية بشكل أقلّ من عادي مع ظرف أكثر تعقيداً وأكثر من عادي".

ويشير منصور إلى أن جميع المؤشرات تؤكّد أن الشارع لا يريد المهادنة على الرغم من إعلان تشكيل حكومة جديدة، ويضيف: "الطرفان في مأزق، الحكومة من جهة وكذلك الشارع، فالحكومة طرحت تشكيلة مكوَّنة على أساس محاصصة بين رؤساء كتل نيابية ومكونات سياسية، وكذلك الشارع بات عليه أن يقول ماذا يريد بكل وضوح".

ويرى الباحث السياسي أن الشارع عقد النية على التصعيد، بخاصة أن عمليات قطع الشوارع والتجمعات بدأت حتى قبل الإعلان الرسمي عن تشكيل الحكومة الجديدة، "لكن المنطق يقول إنه يجب أن تمنح الحكومة الجديدة فرصة، وأن تُسمَّى الأمور بأسمائها، بمعنى أن يقدّم المحتجون اعتراضاتهم على أسماء بعينها كي يفسحوا مجالا للنقاش، لأن الأمر يمكن أن ينعكس بهذا الشكل على جوهر الانتفاضة الشعبية".

ويُعتقد أن إعلان التشكيل الحكومي يعد خطوة إلى الأمام، "ولكن إذا أصر الشارع على أن ما حصل كأنّه لم يكن، فإن الأمر سينعكس سلباً على الجميع، وفي أسوأ الحالات يمكن أن تصبح هذه الحكومة، حكومة تصريف أعمال إذا لم تنل ثقة مجلس النواب".

حكومة مكررة وتداعيات خطيرة

بدوره يرى الصحفي اللبناني علي الأمين في تصريحات لـTRT عربي أن "المؤشرات كلها كانت تؤكّد ما ستؤول إليه الأوضاع"، مشيراً إلى أنه "لم يكن أي شيء مفاجئاً من حيث التركيبة السياسية التي تمثل الحكومة الجديدة، إذ تشكلت من خلال القوى السياسية المعروفة، بخاصة حزب الله وحركة أمل والتيار الحر، ولعل من الواضح أن رئيسها حسان دياب هو الحلقة الأضعف".

ويقول الأمين إن "الثابت المشترك لدى كل المعترضين على الحكومة الجديدة هو اتفاقهم على أن الانتفاضة التي شهدها لبنان منذ أشهر قامت لمواجهة منطق السلطة القائمة على المحاصصة والتي رسخت الفساد وأدت إلى ما أدت إليه من انهيار اقتصادي".

الحكومة الجديدة اعتمدت المنطق ذاته من المحاصصة، التي حاولت أن تُلبسها قناع الاختصاصيين، والانتفاضة الشعبية كانت تطالب بشخصيات مستقلة وليست تابعة لأحزاب قدمت تجربة طويلة خلال عقود ماضية

الصحفي اللبناني علي الأمين لـTRT عربي

ويشير الأمين إلى أن "غضب الشارع يبدو طبيعيّاً، ولكن الناس قد تحاول منح الحكومة فرصة، بيد أنه سيتلو هذه الفرصة انتفاضة كبيرة وواسعة وربما تداعيات كبرى على مستوى لبنان، لأن الشعب مقتنع تماماً بأن هذه الحكومة لن تنجح في تحقيق أي شيء، في ظلّ تزايد الشكاوى جراء الفساد ومافيا السلطة المسيطرة على مصالح كثيرة في البلاد".

ويضيف " لا أحد يمكن أن يقتنع بأن الحكومة الجديدة يمكنها أن تحاسب نفسها، لكنني أعتقد أنه على الحكومة أن تمنح فرصة، ولكنها فرصة قبل اندلاع انتفاضة كبرى، لأن الشارع مقتنع أن الحكومة هذه ليست هي الحل، بل هي حكومة ستعمق المأزق الاقتصادي والسياسي".

وبعد تقديم رئيس الوزراء السابق سعد الحريري استقالته أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي تحت ضغط المظاهرات، كلف الرئيس اللبناني ميشال عون عديداً من السياسيين تشكيل الحكومة، لكن الشارع كان يرفضهم ويطالب باستقالة ومحاسبة الطبقة الحاكمة.

وكُلف دياب (60 عاما) الذي تولى حقيبة وزارة التربية والتعليم العالي في حكومة نجيب ميقاتي في الفترة ما بين عامي 2011 و2014، الشهر الماضي، تشكيل الحكومة الجديدة بعد مداولات نيابية.

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً