حملة اعتقالات في السعودية شملت وزير الداخلية عبد العزيز بن سعود بن نايف والابن الأكبر للأمير نايف بن عبد العزيز ولي العهد السعودي السابق (AP)
تابعنا

بينما يتحدث العالَم عن حملة اعتقالات بأمر مباشر من وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان للأميرين أحمد بن عبد العزيز شقيق الملك، ومحمد بن نايف وليّ العهد السابق، وتفتيش منزليهما، حسب ما كشفت عنه صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، تواصل السلطات السعودية صمتها وتكتمها على الأحداث التي أثرت بشكل كبير على مناحي الحياة في السعودية.

الأمراء الذين اعتقلهم عناصر مقنعة من حرس الديوان الملكي، قالت الصحيفة إن تهمتهم هي "خيانة الوطن"، معتقدة أن وليّ العهد عزز قوته بشكل أكبر بهذه الاعتقالات، وتبقى كل هذه احتمالات وتكهنات من وسائل الإعلام الغربية، في حين لم تصدر السلطات السعودية أي بيان ينفي أو يؤكد صحة هذه المعلومات.

وشملت الحملة العشرات من بينهم وزير الداخلية عبد العزيز بن سعود بن نايف الذي استُدعِيَ هو ووالده الأمير سعود بن نايف أمير المنطقة الشرقية والابن الأكبر للأمير نايف بن عبد العزيز وليّ العهد السعودي الأسبق، ليستجوبهما الديوان الملكي بشأن الانقلاب المزعوم، وَفْقاً لأشخاص مطلعين على الأمر، فيما اعتقلت قوات الأمن عشرات مسؤولي وزارة الداخلية وكبار ضباط الجيش، وغيرهم ممن يثشتبه في دعمهم محاولة انقلاب.

الحادثة رجعت إلى الأذهان احتجاز السعودية عشرات الأمراء وكبار المسؤولين والوزراء الحاليين والسابقين والمسؤولين ورجال الأعمال، في فندق ريتز كارلتون بالرياض بأوامر من وليّ العهد محمد بن سلمان في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، لتوسع السعودية حملة الملاحقات، وتأمر باعتقالات جديدة شملت نخبا سياسية ودينية ورموزاً في عالَم المال والأعمال بالمملكة.

حلقة مؤامرات جديدة

وتشير صحيفة "وول ستريت جورنال" إلى أن حملة التطهير الأمني التي يقوم بها وليّ العهد السعودي تثير الرعب في جميع أنحاء السعودية، فيما تعتقد صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أن الأمير ينظر إلى المعتقلين على أنهم تهديد لحكمه، في "حلقة جديدة من مؤامرات القصر السعودي"، إذ اعتبرت أن الاعتقالات أحدث دليل على استعداد وليّ العهد لاتخاذ تدابير استثنائية لسحق أي منافس متصور.

ويرى الكاتبان ديفيد دي كيركباتريك وبن هوبارد في مقال لهما بصحيفة نيويورك تايمز، أن وليّ العهد أبدى قبضته الحديدية على المملكة في عام 2017 من خلال حبس مئات من الأقارب المالكين ورجال الأعمال السعوديين الأثرياء في أحد فنادق ريتز كارلتون، وفي العام التالي اكتسب سمعة دولية بسبب ترؤُّسه لمقتل الصحفي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول، وهي عملية اغتيال تعتقد وكالات الاستخبارات الأمريكية أن الأمير أمر بها، وقد رفض التراجع عن التدخل العسكري المستمر منذ خمس سنوات في اليمن والذي أغرق السعوديين في مأزق دموي وأحدث كارثة إنسانية.

وتأتي هذه الاعتقالات في وقت تسببت فيه المخاوف من تأثير فيروس كورونا في خفض أسعار النفْط، المصدر الرئيسي لإيرادات المملكة، وتراجعت خطط وليّ العهد الشهيرة لتنويع الاقتصاد السعودي وراء وعوده، فيما تراجعت البورصة السعودية في بداية تعاملات الأحد بأكثر من 6.5%، متأثرة باعتقال الأمراء وفشل اتفاق "أوبك+".

وتتحدث نيويورك تايمز عن الأمير أحمد بن عبد العزيز، الشقيق الأصغر للملك سلمان، قائلة إنه كان لفترة طويلة الأمل الكبير لأفراد الأسرة وغيرهم من النقاد الذين كانوا يرغبون في منع وليّ العهد محمد من تولي العرش.

التخطيط لانقلاب والاتصال بجهات أجنبية

وذكرت وكالة رويترز، التي تحدثت مع خمسة مصادر حول هذا الموضوع، أن احتجاز الأمراء الثلاثة البارزين جاء بدعوى التخطيط لانقلاب حسب ما ذكرته مصادر مطلعة على الأمر.

وقال مصدر إقليمي لرويترز إن وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان "اتهمهم بإجراء اتصالات مع قوى أجنبية، منها الأمريكيون وغيرهم، لتنفيذ انقلاب".

وأضاف: "عزز الأمير محمد بن سلمان بهذه الاعتقالات قبضته على السلطة بالكامل. انتهى الأمر بعملية التطهير هذه". وأشار المصدر إلى أنه لم يعُد أمامه الآن أي منافسين يمكن أن يعترضوا على اعتلائه العرش.

وصرح مصدر آخر بأن الأمراء متهمون "بالخيانة". وقال مصدر ثالث إنهم كانوا يناقشون تنفيذ انقلاب بدعم من قبائل نافذة، لكن تلك النقاشات لم تصل إلى مرحلة متقدمة.

ولم يرد المكتب الإعلامي للحكومة السعودية على طلب من رويترز للتعليق على عملية الاحتجاز التي كانت صحيفة "وول ستريت جورنال" أول من نشر نبأً عنها. ولم يتضح مكان احتجاز الأمراء الثلاثة، وما من سبيل للتواصل معهم للتعليق على ما قيل عن التخطيط لانقلاب.

وذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن الأمير محمد بن سلمان أثار استياءً بين بعض الفروع البارزة للأسرة الحاكمة بسبب تشديد قبضته على السلطة، وأن بعض منتقديه شككوا في قدرته على قيادة البلاد بعد أن قتلت عناصر سعودية الصحفي البارز جمال خاشقجي بالقنصلية السعودية في إسطنبول عام 2018، وبعد أكبر هجوم على البنية التحتية النفْطية بالمملكة، الذي وقع العام الماضي.

وقالت مصادر للصحيفة إن أفراداً من الأسرة المالكة يسعون لتغيير ترتيب ولاية العرش، ويعتبرون الأمير أحمد، شقيق الملك سلمان الأصغر وشقيقه الوحيد الباقي على قيد الحياة، خياراً ممكنا قد يحظى بدعم أفراد الأسرة والأجهزة الأمنية وبعض القوى الغربية.

وبشأن خلفيات الاعتقالات الجارية يقول ستيفن هيرتوج من كلية لندن للاقتصاد، في تصريحات لصحيفة نيويورك تايمز، إن "احتجاز الأمراء يمثل تذكِرة للأسرة الحاكمة بعدم تخطي وليّ العهد بأي شكل. وليس من المرجح أن يكون مخططاً كبيراً ومعقداً لتغيير القيادة في السعودية، فكل الشخصيات المحتجزة لم تعد لديها قدرة تذكر على الوصول إلى موارد الدولة".

ونقلت أسوشيتد برس عن مصدر سعودي مطلع قوله إن الاعتقالات جاءت إنذاراً لجميع أفراد العائلة المالكة من الذين يشعرون بأنهم محرومون من حقهم، بالتوقف عن التذمر وبدء دعم القيادة، مضيفاً أنه إذا أمكن القبض على الأمير أحمد بن عبد العزيز فإن أي أمير يمكن أن يكون عرضة للاعتقال.

ووفق المصدر فإن اعتقال الأميرين أحمد بن عبد العزيز ومحمد بن نايف جاء بعد تراكم سلوك كان مستفزاً للقيادة السعودية. وأشار المصدر إلى أن الأمير أحمد بن عبد العزيز تَذمر مؤخراً من قرار إغلاق الحرم المكي بهدف منع انتشار فيروس كورونا.

وفي الوقت الذي كان فيه المتظاهرون يهتفون ضد الحرب التي تقودها السعودية في اليمن، حاول الأمير أحمد إبعاد بقية أفراد العائلة المالكة عن المسؤولية. وقال: "ما علاقة هذا بنا؟ المسؤولون هم الملك وولي عهده".

وسرعان ما بدأ السعوديون الساخطون في نشر تعهدات بالولاء للأمير أحمد على الإنترنت، لكنه أوضح لاحقاً أنه لا يعتزم قلب وليّ العهد، وأصدر بياناً يقول إن تعليقاته قد أسيء تفسيرها. وعلى عكس بعض أفراد العائلة المالكة الذين يشتبه وليّ العهد الأمير محمد في عدم ولائهم، فقد سُمح للأمير أحمد بالذهاب والمغادرة بحرية من المملكة.

لماذا الأمير محمد بن نايف؟

وقالت نيويورك تايمز إن "وليّ العهد السابق الذي أُلقِيَ القبض عليه محمد بن نايف، هو وزير الداخلية السابق، وقد طوّر علاقات وثيقة مع وكالات الاستخبارات الأمريكية خلال سنوات من العمل معاً في حين كان وزيراً للداخلية، طرده من كل من هذه الأدوار وليّ العهد الحالي عام 2017، وكان بالفعل قيد الإقامة الجبرية منذ ذلك الحين، كما اعتُقل شقيقه الأصغر الأمير نواف بن نايف".

وكان يُنظر إلى الأمير محمد بن نايف وليّ العهد السابق، من قَبل على أنه المنافس الأكثر أهمية لوليّ العهد الحالي في طريقه إلى السلطة. وبصفته وزيراً للداخلية، كان يسيطر على إحدى القوات المسلحة الثلاث في البلاد، إلى جانب الجيش والحرس الوطني، مِما يمنحه نفوذاً كبيراً في أي صراع على السلطة. كما كان يُنظر إلى قربه من واشنطن كأحد الأصول داخل العائلة المالكة.

وجمّد مساعدو وليّ العهد الأمير محمد أصول الأمير محمد بن نايف، ومنعوه من السفر وبدؤوا حملة على وسائل التواصل الاجتماعي زاعمين أنه أصبح مدمناً على مسكنات الألم وغيرها من المخدرات. ويبدو أن الأمير محمد بن نايف بعد تجريده من سلطته وحريته في الحركة، وافق إلى حد كبير على قبضة خليفته على المملكة.

قال شخص مطلع على اعتقاله إنه ظهر صباح الجمعة رجال مسلحون يرتدون زيّاً أسود وأقنعة للوجه ظهروا في معسكر الأمير محمد بن نايف الصحراوي خارج الرياض، وهو المكان الذي اعتاد أن يقابل فيه المسؤولين الأمريكيين الزائرين. أخذوا الأمير وشقيقه الأصغر، فتشوا العقار، وقطعوا جميع خطوط الاتصالات من المخيم. وكان الاتهام الموجَّه ضده "الخيانة"، حسب الشخص المطّلع على الاعتقال.

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً