إعادة بناء وجه أول إنسان نياندرتال في هولندا - سبتمبر/أيلول 2021  / صورة: AFP (Bart Maat/AFP)
تابعنا

أظهرت دراسة نُشرت الأربعاء أن إنسان نياندرتال كان يصطاد قبل 125 ألف سنة، الأفيال مستقيمة الأنياب المنقرضة، مع أن حجمها كان ضخماً ويبلغ ضعف حجم الأفيال الإفريقية الحالية، إذ كان وزنها يصل إلى 13 طناً، في حين كان ارتفاع كتفيها أربعة أمتار.

ومن خلال هذه الخلاصة غير المسبوقة، تُوفّر الدراسة المنشورة في مجلة "ساينس أدفانسز" معطيات جديدة تتيح فهماً أكبر لإنسان نياندرتال الذي عاش في عصور ما قبل التاريخ.

وقال المُعدّ المشارك للدراسة ويل روبروكس لوكالة الصحافة الفرنسية إن "إنسان نياندرتال كان يُحسِن التصرف بكميات هائلة من الطعام".

وأوضح أن هذه الكميات كانت "تُحفَظ لفترات طويلة، وهو ما لم يكن معروفاً من قبل، أو كانت تُستهلَك نظراً إلى أن الإنسان كان يعيش في مجموعات بشرية أكبر بكثير مما كان يعتقد سابقاً.

وكان تقطيع فريسة يبلغ متوسط وزنها عشرة أطنان قبل تعفن اللحم يستغرق العمل أياماً عدة بمشاركة نحو 20 رجلاً، حسب الباحثين. وكانت توفر ما يكفي من الطعام لمدة ثلاثة أشهر لـ25 شخصاً، أو شهراً واحداً لـ100 شخص. أما طريقة حفظها فكانت ربما تجفيفها بالنار.

ولكن كيف كان إنسان نياندرتال يقتل هذه الحيوانات العملاقة؟

لا تتوافر معطيات مؤكدة في هذا الشأن، لكنّ إحدى الفرضيات هي أن الصيادين كانوا يشلّون حركة الأفيال باستدراجها إلى مناطق موحلة تعلق فيها، أو إلى الفخاخ محفورة، ثم كان يُجهزون عليها بالرماح.

أدوات الصوان

وكان الباحثون يتساءلون طويلاً عن سبب وجود عظام فيلة بالقرب من الأدوات الحجرية في كثير من المواقع الأثرية، فهل كان إنسان نياندرتال قادراً فعلاً على اصطيادها، أم أنه كان يتغذى على الحيوانات النافقة لأسباب طبيعية؟

ولم يُعثر قطّ على آثار ضربات أو رمح عالق في العظم أو غير ذلك من أدلة قاطعة على أن الإنسان كان يصطاد هذه الحيوانات المعروفة علمياً باسم Palaeoloxodon antiquus، وهذا ليس مفاجئاً نظراً إلى حجمها. وقد اعتبر علماء الوراثة أن بينها وبين الفيلة الإفريقية الحالية رابطاً.

ولكن في الموقع المعروف باسم نويمارك-نورد 1، بالقرب من مدينة هاله الحالية بألمانيا، عُثر على بقايا نحو 70 فيلاً، وهي أكبر تجمّع معروف في غالبيتها العظمى ذكوراً بالغة.

ورأت الدراسة أن عدم التنوع هذا ناتج عن اختيار الصيادين.

ويُرجّح أن اصطياد الذكور من الفيلة كان أسهل إذ تتنقل منفردة، في حين تعيش الإناث ضمن قطعان. كذلك كانت ذكور الفيلة توفّر طعاماً أكثر نظراً إلى أن حجمها أكبر من الإناث.

ثم بادر الباحثون إلى تحليل مجهري للعظام المحفوظة بشكل جيد جداً لنحو 60 من هذه الأفيال، وتبيّن أنها تحمل بوضوح آثار أدوات الصوان التي كان إنسان نياندرتال يستخدمها لتقطيعها، وهي شقوق لا تزيد عن بضعة سنتيمترات.

وأوضح أستاذ علم الآثار في جامعة ليدن في هولندا ويل روبروكس أنها "علامات تقطيع مألوفة ناتجة عن تقطيع اللحم وكشطه عن العظام".

وشرح الباحث أن المنطقة التي كان يعيش فيها هؤلاء البشر البدائيون والتي عُثر فيها على الأفيال بالقرب من إحدى البحيرات، كان تساعد على الإيقاع بها إذ أن التربة فيها رخوة. وكان البشر يسارعون إلى سلخ هذه الحيوانات في موقع نفوقها وفور حصوله.

وتعود نحو 40 من هذه العينات إلى حقبة امتدت 300 عام فقط، مما دفع الباحثين إلى الاستنتاج أن حيواناً واحداً كان يُقتل كل خمس إلى ست سنوات تقريباً.

البدائيين

وأظهرت الدراسة أن البشر البدائيين اعتادوا على اصطياد الأفيال في هذه المنطقة طوال ألفَي عام على الأقل، أي على امتداد عشرات الأجيال.

لكن إنسان نياندرتال عاش لفترة طويلة جداً (ما بين 400 ألف عام و40 ألفاً)، حسب ويل روبروكس الذي أوضح أن "الطقس في أوروبا كان في معظم الأحيان أكثر برودة بكثير مما هو عليه اليوم"، على عكس الفترة التي جرى تحليلها في موقع نويمارك. لكنه أضاف "صورتنا عن إنسان نياندرتال تتجه بشدة إلى الفترات الباردة".

ووفرة الغذاء العائدة للمناخ الملائم مكّنت هؤلاء البشر من اعتماد سلوب حياة أكثر استقراراً، في مجموعات أكبر. ولكن لا يزال من الصعب جداً تحديد عددهم بدقة.

على أي حال، أوضحت الدراسة وفقاً لويل روبروكس أن "عالم إنسان نياندرتال كان شديد التنوع". وأن هؤلاء البشر "لم يكونوا مجرد عبيد للطبيعة يعتاشون من الأرض".

وقال الباحث إنهم "كانوا قادرين على التحكم بمحيطهم (...) من خلال تأثيرهم الحقيقي على أكبر الحيوانات في العالم في ذلك الزمن".

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً