بعض الدول  الأوروبية حددت أول أسبوعين من شهر مايو/أيار تاريخاً مبدئياً لبدء إجراءات تخيف القيود (Reuters)
تابعنا

بالتزامن مع تراجع أعداد الإصابات وكذلك الوفيات جراء فيروس كورونا، في دولٍ كانت قبل أسابيع قليلة بؤراً لتفشي الوباء، بدأت حكومات تلك الدول تدرس إمكانية رفع قيود الإغلاق المفروضة على المؤسسات لديها، تمهيداً لإلغاء إجراءات العزل، مما يعطي أملاً في احتمالية عودة الحياة لطبيعتها في القريب، ولكنه أمل ممزوج بحذر شديد وخوف أبداه مختصون، أهمهم منظمة الصحة العالمية، من أن تكون خطوات رفع إجراءات العزل هي ذاتها خطوات لإعادة تفشي الوباء من جديد.

بؤرة التفشي الأولى في القارة العجوز

أعلنت السلطات الإيطالية أنها تبحث سبل تخفيف القيود المشددة التي فرضتها قبل أكثر من شهر للحد من انتشار الفيروس في البلد الذي كان البؤرة الأولى لانتشار الوباء في أوروبا. مشيرة إلى أنه بدءاً من الثالث من مايو/أيار ستعيد فتح بعض المصانع والشركات، ولكن مع تدابير حذرة للغاية لمنع انتشار المرض من جديد.

وفي إطار مساعي السلطات لرفع إجراءات العزل تعتزم الحكومة استخدام تطبيق للهواتف الذكية طورته شركة بيندنج سبونز التكنولوجية لتتبع الأشخاص الذين تثبتت إصابتهم بالفيروس.

وقال مفوض الحكومة الخاص للتعامل مع حالات الطوارئ المتعلقة بكورونا، دومينيكو أركيوري، في لقاء تلفزيوني الخميس، إنهم يعملون على اختبار تطبيق تتبع المخالطين في بعض الأقاليم الإيطالية. مشيراً إلى أن الهدف هو جعل التطبيق متاحاً للبلد بأكملها بعد اختباره في الأقاليم.

وأضاف أن التطبيق سيكون دعامة في استراتيجية السلطات في التعامل مع مرحلة ما بعد الطوارئ.

وسبق واستخدمت تطبيقات الهواتف الذكية وغيرها من التقنيات على نطاق واسع في الدول الآسيوية مثل سنغافورة وكوريا الجنوبية للمساعدة في احتواء العدوى٫ لكن هناك تخوفات في أوروبا من احتمال إساءة استخدام البيانات وانتهاك الخصوصية.

ومن جانبه قال الدكتور فؤاد قانصو، أستاذ أمراض الدم في جامعة سان رافايلي الإيطالية، في تصريحات لـTRTعربي، إن إيطاليا وصلت لمرحلة الذروة في أزمة تفشي وباء كورونا في27 مارس/آذار، لحقتها إسبانيا بعد ذلك، لتبدأ بعد ذلك نسبة الإصابات بالانحسار، وإن كانت السيطرة على الوباء بالكامل "لن تكون ممكنة في الفترة الحالية" على حد تعبيره.

وأشار قانصو، إلى أن تراجع أعداد الوفيات الجديدة وكذلك الإصابات في عدّة دول أوروبية أمر يدعو للتفاؤل. مشدداً على ضرورة التعامل بحذر حتى لا تبدأ موجة جديدة من تفشي الفيروس في تلك الدول.

تدابير معقدة في فرنسا

وقبل ثلاثة أسابيع من بدء رفع إجراءات الحجر المنزلي في فرنسا، يكشف رئيس الوزراء إدوار فيليب، الأحد أول التدابير للخروج من الأزمة، في عملية ستكون على قدر استثنائي من التعقيد في وقت قاربت حصيلة الوفيات جراء الوباء في فرنسا العشرين ألف وفاة.

وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أعلن الاثنين تمديد الحجر وإعادة فتح تدريجية لدور الحضانة والمدارس في 11 مايو/أيار في البلاد.

وبالرغم من تراجع عدد المرضى في المستشفيات وأقسام الإنعاش منذ بضعة أيام، تبقى الحصيلة فادحة مع آخر حصيلة صدرت مساء السبت وهي 19323 وفاة، بينها 642 وفاة جديدة خلال 24 ساعة.

وتخشى السلطات تراخي المواطنين مع اقتراب مايو/أيار وانتهاء شهرين من العزل، رغم أن المديرية العامة للصحة ذكرت أن فرنسا "لا تزال في مستوى استثنائي، أعلى بكثير من الحد الأعلى الاعتيادي" من إشغال الأسِرة في أقسام الإنعاش. وحتى السبت كان 5833 مريضاً يشغلون هذه الأسِرة، وهو رقم أعلى بكثير من الخمسة آلاف سرير التي أعلن أنها متوفرة قبل بدء الأزمة الصحية.

عزل أكثر مرونة في إسبانيا

وفي إسبانيا تسعى السلطات أيضاً إلى تخفيف إجراءات العزل، حيث قال رئيس الوزراء بيدرو سانتشيث، السبت إنه سيطلب من البرلمان تمديد إجراءات العزل العام المفروضة لكبح انتشار الفيروس، 15 يوماً حتى التاسع من مايو/أيار ولكنه قال إن هذه القيود ستكون أكثر مرونة.

وأضاف سانتشيث خلال تصريح صحفي "تجاوزنا أخطر اللحظات". مضيفاً أن "هذه الإنجازات ما زالت غير كافية وهي هشة في المقام الأول ولا يمكننا المخاطرة بها بحلول متعجلة ".

وقالت وزارة الصحة الإسبانية إن عدد حالات الوفاة جراء فيروس كورونا المستجد زاد بوتيرة أبطأ يوم السبت لكنه تجاوز 20 ألفاً.

وبدأت إسبانيا في تخفيف إجراءات العزل العام الصارمة التي فرضتها في 14 مارس/آذار، وفتحت الأسبوع الماضي بعض قطاعات الاقتصاد بما في ذلك قطاع التصنيع. لكن ما زال كثيرون يلزمون بيوتهم باستثناء الخروج للتسوق للحصول على الطعام ولا يسمح حتى للأطفال بالخروج لممارسة الرياضة.

وقال سانتشيث إن إسبانيا التي يوجد بها أكبر عدد من حالات الوفاة جراء كورونا في العالم ستتحرك ببطء وبتأنّ وبشكل تدريجي نحو "الحياة الطبيعية الجديدة".

ولكنه حذر من أن ذلك سيكون عملاً معقداً وأن العواقب الاقتصادية للتفشي ستكون "سلبية للغاية".

وسئل عما إذا كان الناس سيستطيعون قضاء عطلاتهم الصيفية المعتادة٫ فقال إنه يأمل ذلك ولكن لم يتسن له إعطاء إجابة قاطعة، حسب وكالة الصحافة الفرنسية.

ومع سعيه لثالث تمديد برلماني لحالة الطوارئ قال سانتشيث إن مرحلة العزل العام التالية قد تبدأ في 27 أبريل/نيسان "بشكل غير متماثل" مما يعني أنها قد تكون مخففة بشكل أكبر لبعض المناطق أو الفئات.

وقال إنه على سبيل المثال سيتم السماح للأطفال بالخروج من المنازل على الرغم من أن ذلك سيكون "محدوداً وخاضعاً لشروط لتفادي العدوى".

تخفيف القيود تحت الدراسة في ألمانيا

وفي ألمانيا بدأ ساسة بارزون مناقشة احتمال تخفيف القيود المفروضة، ومن المتوقع أن تحصل المستشارة أنغيلا ميركل ورؤساء وزراء 16 ولاية ألمانية على توصيات من الأكاديمية الوطنية الألمانية للعلوم، تقول المستشارة إنها سيكون لها ثقل كبير في بحث إمكانية تخفيف القيود على الحركة والتباعد الاجتماعي المفروضة منذ منتصف مارس/آذار تقريباً.

ويأتي هذا النقاش مع تراجع أعداد حالات الإصابة والوفاة الجديدة في ألمانيا التي قاومت الجائحة بشكل أفضل من دول أوروبية أخرى مجاورة مثل إيطاليا وإسبانيا وفرنسا.

وستناقش ميركل توصيات أكاديمية العلوم مع مجلس وزرائها الثلاثاء. وستعقد مؤتمراً عبر دائرة تلفزيونية مغلقة مع حكام الولايات يوم الأربعاء لمناقشة المسار المحتمل للخروج من إجراءات العزل العام وكيفية إدارة الركود المتوقع.

سويسرا تبدأ قبل نهاية الشهر

ومن جانبها أعلنت الحكومة الفيدرالية بسويسرا، الخميس، أنها ستبدأ تدريجياً في تخفيف القيود الجذرية التي فرضتها، وأوضحت في بيان أنها ستتيح اعتباراً من 27 أبريل/نيسان الجاري، للمستشفيات العمل في كل القطاعات، وستسمح بفتح محلات تصفيف الشعر والمساج على أن يعقب ذلك فتح المدارس الإلزامية والمتاجر والأسواق اعتباراً من 11 مايو/أيار المقبل.

وستشمل المرحلة الثالثة فتح المدارس الثانوية والمهنية والجامعات، اعتباراً من الثامن من يونيو/حزيران المقبل.

دعوة للتنسيق

وحثت المفوضية الأوروبية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على التنسيق مع بدء رفع إجراءات العزل العام٫ وحذرت من أن عدم القيام بذلك قد يسفر عن موجات ارتفاع جديدة في حالات الإصابة بفيروس كورونا.

يأتي ذلك مع إعلان عدة دول من الأعضاء بالاتحاد عن خطط للتخفيف أو عن البدء بالفعل في تخفيف الإجراءات التي فرضتها لاحتواء تفشي الفيروس مع تنامي الضغوط لإنعاش اقتصاداتها المتضررة.

ودعت المفوضية، وهي الذراع التنفيذية للاتحاد والتي لا تملك سلطة إملاء إجراءات صحية على الدول الأعضاء وعددها 27 دولة، إلى نهج مشترك بعد أن عملت كل دولة على حدة فيما يتعلق باحتواء الفيروس٫ والآن تعمل الدول بالطريقة نفسها فيما يتعلق باستراتيجيات الخروج من إجراءات العزل العام.

وقالت المفوضية في مسودة قائمة توصيات من المتوقع أن تصدرها هذا الأسبوع "حان الوقت لصياغة استراتيجية خروج منسقة للاتحاد الأوروبي".

وأضافت "يتعين أن تنسق الدول الأعضاء فيما بينها استراتيجية خروج لتجنب امتداد الآثار سلبية خارجها".

وتفيد توصيات المفوضية بأن إجراءات العزل يجب ألا تخفف إلا بعد تراجع ملحوظ في انتشار المرض بشكل مستقر على مدى فترة زمنية٫ وعندما تكون طاقة المستشفيات قادرة على تحمل موجة جديدة من الإصابات.

بوادر أمل في البؤرة الأولى عالمياً

وفي الولايات المتحدة، البلد الأكثر تضرراً بالفيروس، أثارت تصريحات مدير المعهد الوطني للأمراض المعدية في البلاد أنتوني فاوتشي تفاؤلاً حذراً بأن الوباء قد يكون بلغ ذروته.

وقال فاوتشي في تصريح لشبكة CNN إنه قد يكون بإمكان بعض أجزاء البلاد تخفيف القيود اعتباراً من مايو/أيار، لكنه شدد على أن أكبر قوّة اقتصادية في العالم٫ حيث سجّلت خُمس الوفيات العالمية وأكثر من نصف مليون إصابة مؤكدة٫ لن تعود إلى طبيعتها "بكبسة زر".

وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب يأمل في السابق في أن تعود بلاده إلى طبيعتها بحلول عيد الفصح. لكن لا تزال معظم أجزاء البلاد في حالة جمود بينما نقلت الكنائس الاحتفالات إلى العالم الافتراضي.

وتواجه الحكومات ضغوطاً للمحافظة على سلامة السكان مع تجنّب انهيار الاقتصاد في الوقت ذاته، في ظل تحذيرات من تدهور اقتصادي غير مسبوق منذ الكساد الكبير.

ويلزم أكثر من نصف سكان العالم منازلهم في إطار الجهود الرامية لمنع تفشي الفيروس الذي ظهر في الصين أواخر العام الماضي وأودى حتى الآن بـ112 ألفاً و500 شخص بينما أثقل كاهل أنظمة الرعاية الصحية وشل اقتصاد العالم.

إيران.. "لا توجد طريقة أخرى"

سمحت إيران بإعادة فتح الأعمال التجارية الصغيرة خارج العاصمة السبت، مشيرة إلى صعوبة إبقاء اقتصاد البلد الذي يعاني من العقوبات ويعد بين الأكثر تأثّرا بتفشي كورونا المستجد في الشرق الأوسط مغلقاً.

وتحدّث إيرانيون في محافظات عدّة عن ازدياد كبير في عدد السيارات في الشوارع بينما عاد الناس إلى أعمالهم في حين رأى البعض أن تخفيف الحكومة للقيود يبعث برسائل متضاربة.

ويسمح لبعض الموظفين الحكوميين العمل من منازلهم لكن على العديد الحضور إلى المكاتب.

وقوبل قرار إعادة فتح الأعمال التجارية "منخفضة المخاطر" بانتقادات من خبراء الصحة وحتى بعض المسؤولين الحكوميين، لكن الرئيس حسن روحاني قال إنه "لا توجد طريقة أخرى".

تحذير من عودة قاتلة

من جهة أخرى كان مدير عام منظمة الصحة العالمية قد حذر الجمعة، من رفع متسرع لإجراءات العزل المتخذة، قائلاً إن "هذا الأمر قد يتسبب بعودة "قاتلة" للفيروس".

وقال تيدروس أدهانوم غيبريسوس "كما الجميع، منظمة الصحة الدولية ترغب في رؤية رفع القيود. في الوقت نفسه، إنّ التسرع في رفع القيود قد يؤدي إلى عودة قاتلة" للوباء.

وأضاف أنّ "تراجع الإصابات بالوباء قد يكون بمثل خطورة تفشيه في حال لم يتم التعامل معه على نحو سليم".

وتتشاور المنظمة مع الدول المعنية لصوغ استراتيجية لرفع الإجراءات تدريجياً وبطريقة آمنة.

ويتوجب توافر ستة شروط لإتمام ذلك: السيطرة على انتقال عدوى الفيروس، تأمين الصحة العامة والرعاية، تقليل المخاطر في البيئات المعرضة على غرار المرافق الصحية للمصابين بأمراض مزمنة ودور المسنين، اتخاذ تدابير وقائية في العمل والمدارس وغيرها من الأماكن المرتادة، رصد مخاطر الإصابات الآتية من الخارج وأخيراً جعل الناس مسؤولين.

TRT عربي
الأكثر تداولاً