تظاهر المئات البوركينابيين قبل ساعات من الانقلاب للمطالبة برحيل القوات الفرنسية وإقامة تعاون عسكري مع روسيا (AFP)
تابعنا

في 30 سبتمبر/أيلول المنصرم، أعلنت مجموعة من الضباط عبر التليفزيون الرسمي إقالة داميبا، وحلّ الحكومة والمجلس التشريعي، ووقف العمل بالدستور، وحظر التجول وإغلاق الحدود.

يهدد هذا الوضع بتخلِّي الانقلابيين الجدد عن تسليم السلطة للمدنيين في مهلة أقصاها 1 يوليو/تموز 2024، كما التزم ذلك زعيم الانقلاب الأول المخلوع العقيد بول هنري داميبا، أمام الاتحاد الإفريقي والمجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا (إيكواس).

إذ من المرجح أن يشكل الانقلابيون الجدد في بوركينا فاسو مع نظرائهم في غينيا ومالي، ما يشبه التحالف لمواجهة عقوبات متوقعة من "إيكواس" ضدهم، إذا لم يلتزموا تسليم السلطة في الآجال المتفق عليها في العهد السابق.

انقلاب متوقَّع

عندما أطاح العقيد بول هنري داميبا بالرئيس روش مارك كريستيان كابوري، في يناير/كانون الثاني الماضي، برّر انقلابه بعدم تَمكُّن الأخير من مواجهة "الجماعات الإرهابية" طوال 7 سنوات من حكمه.

غير أنه بعد نحو 9 أشهر من حكم داميبا، تدهور الوضع الأمني في بوركينا فاسو أكثر من أي وقت مضى من عهد كابوري، بعد تَمدُّد "الجماعات الإرهابية" في نحو 40 في المئة من مساحة البلاد.

تزايد السخط في صفوف الجيش بخاصة مَن هم في الخطوط الأمامية، على الإخفاقات المتواصلة في مواجهة الجماعات المسلحة بسبب قلة الدعم، وكان داميبا يدرك أن هذا الغضب يمكن أن يتحول إلى انقلاب، لذلك أقال وزير دفاعه في 13 سبتمبر، قبل أسبوعين من الانقلاب، واختار تولّي مهامه بنفسه.

لكن الانقلاب لم يأتِ من كبار الضباط، بل من ضابط شابّ (34 عاماً) برتبة نقيب يُدعى إبراهيم تراوري، التحق بالجيش لأول مرة في 2010، وشارك في الانقلاب الذي أطاح بكابوري، وعيّنه داميبا قائد فيلق فوج مدفعية كايا (شمال)، الذي عانى هجمات الإرهابيين.

إذ إن رفاق داميبا، الذين ساعدوه على الإطاحة بنظام كابوري، لاتهامه بعدم حشد القوات والإمكانيات الكافية لمواجهة الجماعات المسلحة، هم أنفسهم تَخلَّوا عنه وانقلبوا عليه لنفس الأسباب بعد أن شعروا بالخيانة.

صراع خفيّ بين روسيا وفرنسا

لم يتضح بعدُ أيُّ دور لروسيا في دعم الانقلاب الجديد، لكن الانقلابيين الجُدُد اتهموا العقيد داميبا، بعد يوم من الانقلاب، بـ"اللجوء إلى قاعدة فرنسية في كامبواسين، للتخطيط لهجوم مضادّ"، وهو ما نفته الخارجية الفرنسية.

وتوجَد قاعدة كامبواسين على بعد 30 كلم شمال غرب واغادوغو، وتضمّ قوات سابر الفرنسية الخاصة.

واعتبر الانقلابيون الجدد أن هذه الخطوة جاءت على خلفية "رغبتنا القوية في التوجه نحو شركاء آخرين، مستعدين لمساعدتنا على مكافحة الإرهاب".

و"الشركاء الآخرون" لا يمكن أن يكونوا سوى الروس، وذراعهم الأمنية شركة فاغنر، المستعدين لتزويد جيوش الساحل الإفريقي بالأسلحة لمواجهة الجماعات المسلحة، مقابل تقويض النفوذ الفرنسي بالمنطقة.

فالصراع الروسي-الفرنسي بمنطقة الساحل مستعر، ومالي أحد أبرز تجلياته.

ومع فشل عملية برخان العسكرية، التي أطلقتها باريس في 2014، وانسحابها من مالي منتصف أغسطس/آب الماضي، بدأ النفوذ الفرنسي في المنطقة يتراجع.

وداميبا كان يُعرَف على أنه أحد رجال فرنسا في المنطقة، وعلى عكس الانقلابيين في مالي وغينيا، لم تفرض "إيكواس" أي عقوبات على المجلس العسكري في بوركينا فاسو، ما يعكس كرماً غريباً من منظمة إقليمية تملك باريس نفوذاً قوياً في عديد من أعضائها.

في المقابل لا تحظى باريس بقبول من البوركينابيين الذين تظاهر مئات منهم قبل ساعات من الانقلاب للمطالبة برحيل القوات الفرنسية من بلادهم وإقامة تعاون عسكري مع روسيا، حسب إعلام فرنسي.

وبعد الإطاحة بداميبا، سيتيح ذلك لروسيا التوغل أكثر في بوركينا فاسو، على غرار ما فعلت في مالي، من خلال إرسال مدربين وعناصر من فاغنر إليها، وتزويدها بأسلحة خفيفة وثقيلة بما فيه الطيران الحربي (المستعمَل)، مقابل الاستفادة من حقوق استغلال مناجمها المعدنية، بخاصة وهي خامس أكبر منتج للذهب في إفريقيا، ناهيك بالفوسفات والمنغنيز والزنك.

غير أن عدم تَمكُّن الانقلابيين الجُدُد من القبض على داميبا، من شأنه تقويض حكمهم، خصوصاً إذا حصل على دعم فرنسي، وانحاز إليه بعض الوحدات العسكرية، إلا أن هذا الاحتمال مستبعَد بعد إحكام تراوري قبضته على مؤسسات الدولة في واغادوغو، بعد يومين من عدم اليقين.

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً