الرفض اليوناني لمبادرة الناتو للحوار حول شرقي المتوسط يزيد تعقيد الوضع المتوتر في المنطقة (AA)
تابعنا

لم تمضِ سوى ساعات على إعلان الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) موافقة تركيا واليونان على إجراء مباحثات تقنية من أجل تحديد آليات لمنع الاشتباك العسكري بين البلدين شرقي المتوسط، حتى نفت أثينا المبادرة أولاً، ثم أعلنت الجمعة، صراحةً عدم رغبتها في الحوار، في موقف متعنت جديد يزيد الموقف تعقيداً.

رفض اليونان المبادرة الأطلسية قد يدفع الكثير من داعمي اليونان إلى مراجعة مواقفهم، وهو ما يجب رصده خلال الساعات القادمة

سمير صالحة - أستاذ العلاقات الدولية

ترحيب يقابله تعنت

بمجرد إعلان الأمين العام لحلف شمال الأطلسي "ناتو" ينس ستولتنبرغ عن مبادرته لإجراء "حوار تقني" بين تركيا واليونان، سارعت أنقرة بالإعلان عن ترحيبها ودعمها للمبادرة، داعية أثينا لاتخاذ الموقف نفسه. وأكّد بيان لوزارة الخارجية التركية استعداد أنقرة للحوار دون شروط مسبقة من أجل إيجاد حلول دائمة وعادلة ومنصفة في إطار القانون الدولي لجميع المسائل الخلافية مع أثينا.

في المقابل، لم تبدِ اليونان الترحيب ذاته، واتخذت موقفاً متعنتاً على نحو مرتبك؛ فبعد أن كذّبت المبادرة بعد ساعات من إعلانها، خرجت اليوم لتعلن صراحة عدم رغبتها في الحوار.

في هذا الصدد، يقول أستاذ العلاقات الدولية سمير صالحة إنه "في حين تؤكد أنقرة رغبتها في حل الخلاف من خلال الحوار والمفاوضات، تذهب أثينا في اتجاه معاكس وتختار التصعيد". ويضيف لـTRT عربي، أن "الداعمين لليونان وعلى رأسهم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، كانوا يقولون إن تركيا هي التي تميل إلى التصعيد، ولكن التطورات الأخيرة تثبت العكس وتؤكد الحاجة إلى نقاش جديد".

ويرجِّح صالحة أن يراجع داعمو أثينا موقفهم في ضوء الموقف اليوناني المتشدد، لافتاً إلى أنه "يجب رصد نتائج المبادرة الأطلسية الحالية خلال الساعات القليلة القادمة.. فرفض اليونان هذه المبادرة قد يدفع الكثير من داعمي اليونان إلى مراجعة مواقفهم".

ويتابع: "لا أتوقع أن تكون هناك قمة أوروبية تقرر التصعيد مع أنقرة في ضوء الموقف اليوناني الحالي، بل قد يحدث العكس، أي أن يمارس الأمريكيون والأوروبيون ضغوطاً على أثينا من أجل إقناعها باتخاذ موقف أقل تشدداً".

تحريض فرنسي

لم تكتفِ أنقرة بالتعبير عن استيائها من الرفض اليوناني للحوار، حتى وإن كان ذلك بمبادرة من حلف الناتو لحوار تقني لا سياسي، وإنما أعربت صراحةً عن قناعتها بأن الموقف ليس يونانياً خالصاً، وإنما اتُّخِذ بتحريض فرنسي، حسب ما أشار إليه وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو.

ويرى الكاتب والباحث المتخصص في الشؤون الأوروبية ناصر جبارة إن "اليونانيين ليسوا في موقع يسمح لهم برفض مبادرة الناتو، لذلك لم تقل اليونان في البداية إنها رفضت المبادرة وإنما نفت وجودها أصلاً". ويضيف جبارة في حديث لـTRT عربي أن "القرار اتُخِذ في باريس وليس في أثينا".

ويلفت الباحث السياسي إلى أن ذلك الموقف المتشدد ليس له ما يبرره، نظراً إلى أن "المبادرة لم تكن أكثر من آلية لمنع حدوث أي احتكاك عسكري بالخطأ، فهي ليست مبادرة على المستويين السياسي اليوناني والتركي وإنما على مستويي جيشي البلدين العضوين في الحلف".

ويجد ذلك الرأي أرضية صلبة في بيان الأمين العام للناتو، الذي وصف تركيا واليونان بـ"الحليفين المهمين"، مبيِّناً أن الناتو أهم منصة استشارية من أجل القضايا التي تمس الأمن المشترك.

جهود ألمانية

في الوقت الذي تُتهم فيه فرنسا بإذكاء الخلافات اليونانية التركية شرقي المتوسط، تتجه الأنظار نحو برلين التي يؤمل منها أن تلعب دوراً إيجابياً يقابل التدخلات الفرنسية، وهو ما أكّده ترحيب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالجهود التي تبذلها المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، التي دعت الطرفين في وقت سابق إلى خفض التصعيد والحوار.

وتعليقاً على الجهود الألمانية، يقول جبارة إن "المأخذ الأساسي على المبادرة الألمانية هو أنها لم تقدم استراتيجية حل واضحة، بالإضافة إلى أن برلين تكتفي حتى الآن بإيفاد وزير خارجية ضعيف"، لافتاً إلى أن "المستشارة الألمانية تستطيع التدخل بنفسها، وهو ما أعتقد أن يحدث ما لم يستطع الطرفان التوصل إلى اتفاق قبل 24 و25 من سبتمبر/أيلول الجاري".

ويرى جبارة أن برلين تمتلك أوراقاً مهمة تمكّنها من التوسط الإيجابي لحل المشكلة، أهمها "الورقة الاقتصادية، وورقة العلاقات الجيدة مع أنقرة وأثينا، وورقة انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي".

"لن تقبل به أي حكومة تركية"

على صعيدٍ آخر، لفت كثير من المراقبين إلى أن الخلاف بين اليونان وتركيا، لا يتعلق بالحكومة التركية الحالية، وإنما بالمطالب غير العادلة التي تقترحها أثينا، وترفض أي حوارٍ غير مبني عليها بدعم من فرنسا التي تميل مؤخراً إلى التصعيد مع تركيا.

في هذا الصدد، نشر الصحفي التركي راغب صويلو في تغريدة، خريطة لما تريده اليونان شرقي المتوسط، وتُظهر سيطرة أثينا على معظم المنطقة مع مناطق محدودة للغاية تُمنح لأنقرة، معلقاً عليها بأنه "لا يمكن أن توافق أي حكومة تركية على مثل هذا الطرح".

وتشهد منطقة شرق المتوسط توتراً تعززه مواصلة اليونان اتخاذ خطوات أحادية مع إدارة جنوب قبرص وبعض بلدان المنطقة بخصوص مناطق الصلاحية البحرية.

وفيما تتجاهل أثينا التعامل بإيجابية مع عرض أنقرة للتفاوض حول المسائل المتعلقة بشرقي البحر المتوسط، وبحر إيجه، وإيجاد حلول عادلة للخلافات، يجدد الجانب التركي موقفه الحازم حيال اتخاذ التدابير اللازمة ضد الخطوات أحادية الجانب.

TRT عربي
الأكثر تداولاً